الإخوان.. والقوي الأخري لم يكن افتتاح «المركز العام» الجديد لجماعة الإخوان المسلمين - الذي حالت ارتباطات سابقة بيني وبين تلبية دعوتهم لي لحضور حفل الافتتاح - مجرد انتقال من مبني إلي مبني آخر أكبر وأوسع، بل كان لهذا الافتتاح دلالة رمزية واضحة لانتقال الجماعة من حالة الحصار والتضييق والملاحقة الأمنية والمحاكمات العسكرية خلال العقود الماضية إلي حالة جديدة تماما تكتسب فيها الجماعة الاعتراف الرسمي بعد أن كانت «جماعة محظورة» رسميا رغم وجودها وانتشارها علي أرض الواقع. والوجود الرسمي والعلني لجماعة الإخوان المسلمين وانتهاء الحصار والقمع الذي تعرضت له وأكسبها تعاطفا عاما حتي من بعض خصومها السياسيين، يمثل تحديا وامتحانا صعبا لها، فالعمل العلني وحرية الحركة يختلف عن العمل شبه «السري» والمحاصر. وخلال الأيام الماضية وقعت جماعة الإخوان - بعض قادتها علي الأصح - في ممارسات أثارت مخاوف وقلق أحزاب وقوي سياسية وكتاب وساسة، وأعادت إلي الأذهان شكوكا قديمة كانت الجماعة قد نجحت في التخفيف منها وإزالتها لدي كثيرين. لقد اختارت جماعة الإخوان المسلمين في أكثر من مناسبة مخالفة مواقف الأحزاب والقوي السياسية الديمقراطية، وتصرفت ليست كقوة سياسية ديمقراطية ولكن كجزء من السلطة الحاكمة، بداية من قبول المشاركة في اللجنة التي شكلها المجلس الأعلي للقوات المسلحة لإدخال تعديلات علي دستور 1971 الذي سقط بقيام ثورة 25 يناير وتولي المجلس العسكري للسلطة والمساهمة في تصوير الاستفتاء علي هذه التعديلات علي أنه استفتاء علي الإيمان والكفر!، واستراح بعض قادتها لما تردد عن علاقة خاصة تربط الجماعة بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة أو بعض أعضائه، بل عملوا علي تأكيدها والترويج لها، وقاطعوا مؤتمر الوفاق القومي دون سبب منطقي. وأكدت الجماعة إصرارها علي إدخال الدين في السياسة والخلط بين ما هو مقدس وما هو دنيوي يقبل الاختلاف والصراع، فالحزب الجديد الذي أعلنت الجماعة عن تأسيسه «حزب الحرية والعدالة» وقالت إنه حزب مدني، يقوم علي «مرجعية إسلامية» أي علي أسس دينية، مما يحوله في النهاية إلي حزب ديني، ويعيد للأذهان ما ورد في مشروع برنامج الحزب الذي أعلنته الجماعة عام 2007 من ضرورة عرض مشروعات القوانين قبل إصدارها علي لجنة من كبار العلماء لتقرر مدي اتفاقها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، رغم أن بعض قادة الجماعة كان قد أعلن بعد ذلك أن هذه فكرة تم العدول عنها. وفي المؤتمر الجماهيري الذي نظمته الجماعة مساء الجمعة الماضي قال صبحي صالح العضو القيادي للجماعة «نحن كجماعة لا نعترف بمفاهيم مسلم ليبرالي ومسلم علماني ومسلم يساري، نحن لا نعرف إلا مسلم يكفيه دينه عمن سواه من المناهج».. متراجعين عما ورد في مبادرة المرشد العام (مارس 2004) من التمسك بنظام جمهوري برلماني دستوري ديمقراطي، بل بشرنا بالعودة إلي ما كان سائدا في مصر في ظل «الدولة العثمانية»! الغريب أن الجماعة تدعو في نفس الوقت علي لسان د. أحمد أبوبركة عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في برلمان 2005 «كل القوي السياسية في المجتمع المصري الإسلامية منها والليبرالية إلي التوافق علي مشروع وطني وقائمة وطنية واحدة» كما قال في الندوة التي نظمها «مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في مطلع هذا الأسبوع». ويبدو أن إحساس جماعة «الإخوان المسلمين» بالقوة والسلطة أفقدها توازنها وأنساها أن الرهان علي السلطة - أي سلطة - رهان قصير الأجل، وأن الغرور والتعالي يؤدي بأصحابه إلي التهلكة.