جامعة القاهرة تكمل استعداداتها لبدء ماراثون امتحانات نهاية العام الجامعي لنحو 270 ألف طالب    رئيس النواب يفتتح أعمال الجلسة العامة    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    مفاجأة في سعر الدولار رسميا الآن في البنوك    أسعار المكرونة اليوم الأحد 19-5-2024 في أسواق ومحال في محافظة المنيا    صعود سعر الفراخ البيضاء الآن.. أسعار الدواجن اليوم الأحد 19-5-2024 للمستهلك (تحديث)    وزير التعليم العالي يلتقي بوفد جامعة إكستر البريطانية لبحث وتعزيز التعاون المُشترك    «جولدمان ساكس» يتوقع خفض المركزي المصري أسعار الفائدة 150 نقطة أساس    الأحد 19 مايو 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يجري فحوصات طبية في قصر السلام    شرطة الاحتلال الإسرائيلية تعتقل عددا من المتظاهرين المطالبين بعزل نتنياهو    الأمور تشتعل.. التفاصيل الكاملة للخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي    إعلام روسي: هجوم أوكراني ب6 طائرات مسيرة على مصفاة للنفط في سلافيانسك في إقليم كراسنودار    مفاجأة في تشكيل الزمالك المتوقع ضد نهضة بركان بإياب نهائي الكونفدرالية    وصول بعثة الأهلي إلى مطار القاهرة بعد مواجهة الترجي    بحضور وزير الشباب والرياضة.. تتويج نوران جوهر ودييجو الياس بلقب بطولة CIB العالم للإسكواش برعاية بالم هيلز    بالأسماء.. التصريح بدفن ضحايا حادث تصادم الدائري بالقليوبية    موعد عيد الأضحى 2024 وجدول الإجازات الرسمية في مصر    حملات على حائزي المخدرات تضبط 40 قضية في الشرقية وجنوب سيناء    اختل توازنها.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الثالث بأوسيم    النيابة تحيل عصابة سرقة إطارات السيارات في الحي الراقي للمحاكمة    لهذا السبب.. صابرين تتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    أخبار جيدة ل«الثور».. تعرف على حظك وبرجك اليوم 19 مايو 2024    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    منها «تناول الفلفل الحار والبطيخ».. نصائح لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    كشف تفاصيل صادمة في جريمة "طفل شبرا الخيمة": تورطه في تكليف سيدة بقتل ابنها وتنفيذ جرائم أخرى    كوريا الجنوبية تستضيف وفدا أمريكيا لبحث تقاسم تكاليف نشر القوات الأمريكية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأحد    مسيرات حاشدة في باريس لإحياء ذكرى النكبة والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة    القناة الدولية الأهم التى تحمل القضية المصرية والعربية: أحمد الطاهرى: «القاهرة الإخبارية» صاحبة الرؤية الموضوعية فى ظل ما أفسده الإعلام العالمى    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    حديث أفضل الأعمال الصلاة على وقتها.. الإفتاء توضح المعنى المقصود منه    الدفع بمعدات لإزالة آثار حريق اندلع في 10 أكشاك بشبرا الخيمة    «الصحة» توجه عدة نصائح مهمة للمواطنين بشأن الموجة الحارة    دراسة طبية تكشف عن وجود مجموعة فرعية جديدة من متحورات كورونا    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    برنامج واحد من الناس يواجه أحمد ماهر بابنه لأول مرة على قناة الحياة غداً الإثنين    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    ظاهرة عالمية فنية اسمها ..عادل إمام    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    الخارجية الروسية: مستقبل العالم بأسرة تحدده زيارة بوتين للصين    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    محمد يوسف: محمد صلاح عالمي وينبغي أن يعامله حسام حسن بشكل خاص    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    عماد النحاس: كولر أدار المباراة بشكل متميز.. وغربال كان متوترًا    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معاول الهدم وسواعد البناء
نشر في الأهالي يوم 04 - 05 - 2011

ليست الثورة مجرد مطالبة بتغيير الحزب الحاكم أو بإلغاء القوانين المقيدة للحريات، فالثورة بحق هي "إسقاط النظام القديم" بأكمله، بالطبع من أجل بناء نظام ثوري جديد علي أنقاضه. وتهدف الثورة الحالية كثورة سياسية إلي القضاء علي النظام السياسي الاستبدادي وأشكال الظلم الصارخ وإقامة نظام ديمقراطي علي أنقاضه، حيث تشتمل الديمقراطية بالطبع ليس فقط علي أحزاب رسمية وتداول للسلطة ولكن أيضا علي حريات التعبير الشعبية بما فيها حقوق الاجتماع والتظاهر والإضراب.
كما تشمل علي البرامج المطلبية في الأجور المنصفة والخدمات الاجتماعية المختلفة من تعليم وصحة ومعاشات وإسكان ومرافق وخدمات. كما تفتح الثورة الأبواب للتطوير وتحقيق المطالب الجذرية الجماهيرية في العدالة الاجتماعية الحقة وبناء أسس الاستقلال الوطني الناجز وتحقيقه من الثورة المعدن الأصيل لهذا الشعب في روح التضحية و الإصرار علي تحقيق هدفه رغم ما يقرب من ألف شهيد وحوالي ستة آلاف وخمسمائة جريح منهم أكثر من ألف ومائتين ممن أصيبوا في أعينهم وأغلبهم فقدوا بصرهم!
الإطاحة الناجحة
والسمة الأساسية التي لاحظناها سابقا هي أن رفض الجيش القيام بذبح الثورة وتخليه عن الرئيس مبارك في سبيل ذلك هو ما سهل إنجاز هدف الإطاحة الناجحة برأس النظام. ولكن هذا من ناحية أخري هو ما أعطي المجلس العسكري سلطات واسعة بينما هو في الواقع جزء من النظام القديم. لقد عمل المجلس العسكري علي تكتيك استعادة النظام بأسرع طريقة ممكنة (تكتيك إنجاز التعديلات الدستورية في عشرة أيام والاستفتاء عليها وإجراء الانتخابات التشريعية خلال شهرين -تم مدهم بعدها إلي ستة أشهر- والانتخابات الرئاسية خلال أقل من ستة أشهر حتي يتمكن الجيش من العودة إلي الثكنات!) وبالطبع فهذا هو تكتيك أقل التغييرات الممكنة، وصاحب هذا التكتيك نوع من الاتفاق غير المعلن مع الإخوان المسلمين كقوة محافظة أيضا ومستفيدة من تحجيم المد الثوري لاستعادة النظام بعد بعض التحسينات الضرورية! ولكن هناك مشكلتان أساسيتان لإنجاز مثل هذا التكتيك:
الأولي أن مقاومة النظام القديم الشرسة والرغبة في استعادة الأوضاع القديمة بحذافيرها ورموزها وامتيازاتها، وتأمين الثروات المنهوبة من خطر المحاكمات واستعادة ما نهب لا يمكن أن تستسلم بسهولة لتحجيمها وترك الأمور تسير في اتجاه إعادة الاستقرار علي حساب امتيازاتها بل وعلي حساب أمانها الشخصي.
والثانية أن الشعب الثائر ومزاجه الثوري لم يخرج ويقدم كل تلك التضحيات من أجل مجرد بعض التحسينات في النظام القديم، فهدفه هو هدم النظام القديم.
والحقيقة هي أن الشعب الثائر والنظام القديم هما طرفا التناقض الرئيسيان، هما اللاعبان الأساسيان علي الساحة، وما يحدد المستقبل هو أساسا ميزان القوي بين هذين الطرفين.
وبعد تحقيق هدف الإطاحة بمبارك (11 فبراير) وحل مجلسي الشعب والشوري (13 فبراير) تلكأ المجلس العسكري في تحقيق أي مطالب أخري وحاول استعادة النظام والهدوء وناشد الشعب التخلي عن "المطالب الفئوية" و"التوقف عن الاحتجاجات" و"العودة للعمل" ولكن إصرار الشعب علي مواصلة طريق الثورة هو ما قاد إلي مليونية الجمعة الثالثة بعد الإطاحة بمبارك والتهديد بالاعتصام في ميدان التحرير حتي ظفر بتحقيق مطلب الإطاحة بحكومة شفيق التي حلفت اليمين أمام الرئيس المخلوع حسني مبارك!
الثورة المضادة
استمرت الثورة المضادة الضخمة استمرت في مؤامراتها من أجل عودة الثورة للوراء واستعادة السلطة: وتمثل تكتيكها في مواصلة وزارة الداخلية تحت قيادة محمود وجدي لسياسة التفريغ الأمني ورفض نزول الشرطة إلي الشارع. كما تمثل تكتيك الثورة المضادة أيضا في إثارة القوي السلفية والرجعية ضد الثورة بزعم الدفاع عن الإسلام المتمثل في الحفاظ علي المادة الثانية من الدستور. وهكذا استمرت تكتيكات البلطجة، وتعبئة قوي البلطجية في جماعات منظمة.
وأتي الإدراك المتأخر للمجلس العسكري في صورة أحداث عشية وصبيحة الجمعة الرابعة للثورة والمتمثلة في إجبار الشرطة علي النزول للشارع لاستعادة الأمن وحل جهاز مباحث أمن الدولة وسيطرة القوات المسلحة علي مقاره.
أما الإمساك بناصية وقيادات الثورة المضادة من أجل تأمين الثورة فقد اقتضي قدرا هائلا من الجهد من الشعب الثائر وكل قواه الواعية: لقد أتت مظاهرات التحرير الضخمة في جمعة التطهير، الجمعة السابعة بعد الإطاحة بمبارك في الأول من إبريل كإنذار قوي، ونجحت نجاحا باهرا رغم عدم مشاركة الإخوان المسلمين فيها في صفقة واضحة مع المجلس العسكري لوقف تقدم الثورة والإسراع باستعادة "النظام". وأسس نجاح تلك الجمعة للتحضير للجمعة التالية، جمعة التطهير الثانية في الثامن من إبريل، الجمعة الثامنة للثورة مع التهديد بإنهائها باعتصام في ميدان التحرير إذا لم يتم القبض علي رموز وقيادات الفساد الكبيرة وعلي رأسها الرئيس ونجله ورجاله الكبار عزمي وسرور والشريف وغيرهم. وعلي غرار كل مليونية كبيرة تأتي التنازلات عشيتها، وصبيحتها وفي أعقابها: فقد تحقق أخيرا بعد ثمانية أسابيع من الثورة وبعد كل هذا النضال الشعبي الباسل الذي هدف إلي اعتقال القادة الكبار المؤثرين والتحقيق معهم: مبارك الأب والإبنان وعزمي وصفوت وسرور ونظيف والبقية تأتي!
إن منطق تطور الأحداث يبين أنه رغم عدم وجود قيادة موحدة للثورة أو حزب يلعب دورا بارزا في القيادة فإن نضج وارتفاع الوعي الجماهيري (شاملا مختلف القيادات الموجودة) يلعب دورا مهما في تحديد الحلقة الحاكمة في كل لحظة من أجل تطوير النضال لاستكمال مهام الثورة. وإن نظرة واحدة علي المتحقق حتي الآن تكفي لرؤية هذا التطور، كما وتساعد علي تحديد مهام الفترة القادمة. إن مهمة الثورة التي تتلخص في الهدم والبناء، هدم النظام القديم وإقامة نظام ديمقراطي علي أنقاضه لابد وأن تتجاوز نفسها في كل لحظة فلا يمكن الوقوف، وعدم التقدم معناه التراجع!
أما عن شق البناء
والثورة حتي الآن حققت القسم الأساسي من مهمة هدم هياكل رئيسية للنظام القديم ممثلة في الموقف من الحزب الوطني ومجلسي الشعب والشوري ومباحث أمن الدولة وغيرها. كما حققت إنجازا ضخما باعتقال ومحاكمة القيادات الأساسية للنظام القديم فيما عرف بمقر حكومة نظيف في سجن طرة. ويأتي اعتقال حسين مجاور رئيس اتحاد العمال كمكسب ومقدمة ضرورية لحل اتحاد مبارك الذي أتي بالتزوير والذي لعب دورا نشطا في الثورة المضادة.
ومن هنا لابد من الحديث عن شق البناء! حقا إن شق هدم النظام القديم ينتظر الكثير: فحركة المحافظين الأخيرة لم تخرج عن السياسة القديمة في تحديد "كوتة" للجهات الأربع الكلاسيكية في كل حركة محافظين، وهم الجيش والشرطة والقضاء وعمداء الجامعات السابقين. ومازالت المجالس المحلية الفاسدة في معظمها والتي تعتبر الأبناء الشرعيين للحزب الوطني المنحل، ما تزال في مكانها. وكل هذا بعيد بالطبع عن تحقيق مطلب ديمقراطي مهم بتغيير قانون المحليات وانتخاب المحافظين ورؤساء مجالس المدن وعمد القري وكل المجالس المحلية!
ولكن هذا يوضح تشابك مهام الهدم مع البناء، فالأمر ليس مجرد إقالة محافظ قادم من منصب من مناصب الشرطة وساهم في قمع الثورة، ولكن المهم في وضع أساس ديمقراطي لانتخاب كل محافظ وكل قيادة محلية مهمة.
الحق في حياة كريمة
إلا أنه من المهم جدا الآن الحديث عن شق البناء في الثورة، إقامة نظام جديد يحقق أهداف الجماهير في الثورة. وبناء النظام الجديد يشمل بناء النظام السياسي علي أسس ديمقراطية تبدأ بدستور ديمقراطي تضعه جمعية تأسيسية منتخبة مباشرة، وليس علي مرحلتين من خلال انتخاب مجلس شعب ومجلس شوري لا لزوم له ثم اختيار لجنة من داخلهما لوضع دستور. إن الدستور هو النظام الأساسي للمجتمع، وهو الأب الشرعي لكل القوانين، وأول ما يحدده الدستور هو حقوق الشعب التي يضمنها النظام في الديمقراطية وفي الحياة الكريمة شاملة حق الشعب في أجور عادلة وخدمات أساسية.
كما يشمل بناء النظام الجديد أيضا بناء نظام اقتصادي يقوم علي أولوية حقوق المواطنين. ومن أهم أولويات النظام الاقتصادي الجديد بناء هيكل جديد للأجور بحد أدني يكفي للمعيشة الكريمة، وحد أقصي لا يزيد علي عشرين ضعفا للحد الأدني -ليس فقط لتوفير تمويل لزيادة الأجور ولكن أيضا لمقاومة الفساد والإفساد المتعلق بالمرتبات والامتيازات العينية الخرافية للإدارة العليا! ولا ننسي بالطبع هدف ربط الأجور بالأسعار للاحتفاظ بالقيمة الشرائية الثابتة للأجور وهو ما يضع علي الحكومة عبئا إضافيا بالتحكم في الأسعار من خلال مقاومة الاحتكار والعودة أحيانا للتسعيرة الجبرية وموازنة السوق ضد التجار المستغلين من خلال العودة لمنافذ توزيع تعاونية للسلع مثل الجمعيات التعاونية الاستهلاكية. إن تطوير الثورة لا يمكن أن يتم ونحن مازال لدينا ألف موظف عام في الحكومة يتقاضي كل منهم أكثر من مليون جنيه.
موازنة الدولة
ولعل الفترة الحالية، فترة إعداد الموازنة العامة للدولة للعام المالي القادم 2011-2012 هي فترة شديدة الأهمية لكي نكافح من أجل أن تنعكس الثورة علي سياسة المالية العامة: ففي الميزانية السابقة لم تحظ الصحة إلا بنصيب ضئيل لا يتجاوز 4.5% كما لم يتجاوز نصيب التعليم 9.8% من الإنفاق الحكومي. وكان نصيب الأسد في الموازنة من أجل الداخلية والدفاع. ولما كانت مقررات قمة الألفية التي ألقاها كوفي عنان تنص علي أن نصيب الصحة يجب ألا يقل عن 15% من الإنفاق الحكومي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.