طوال عشر سنوات ونيف من حكم الرئيس بشار الأسد وحتي منتصف مارس الماضي، كان بإمكان النظام السياسي أن يقرر وحده إجراء إصلاحات في سورية، تطاول الحريات بما فيها إلغاء قانون الطوارئ وإقرار قانون تأسيس الأحزاب والمطبوعات، وإيجاد آلية لمكافحة الفساد. من الاصلاحات أيضا إعادة النظر بالسياسة الاقتصادية السورية فضلاً عن تعديل الدستور السوري بما يلغي احتكار حزب البعث للسلطة، ويعدّل في صلاحيات الرئيس والمؤسسات الدستورية وغيرها من الإصلاحات التي تنطلق من ضرورة إصلاح بنية النظام السياسي، وردم الفجوة بينه وبين الشعب ، وتحويله إلي تظام ديموقراطي من شأنه أن يحل مشكلات الشعب السوري السياسية والاقتصادية وغيرها، ويجعل الأمور طبيعية ومرتاحة في سورية. غير أن النظام لم يفعل ذلك لسوء الحظ، وكان يفترض أن لا مطالب للشعب السوري، ولا يوجد أي احتمال لمطالبته بأي حق، وحتي بعد الذي جري في تونس ومصر استمر النظام يعتقد أن الشعب السوري راض وسعيد بما هو فيه، وأنه منسجم مع نظامه السياسي، خاصة وأن أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية (تسعة أحزاب) المؤتلفة مع حزب البعث لا تطلب شيئاً، وتعتقد شأنها شأن النظام أن الأمور سمن علي عسل، ولا تري ضرورة ملحة لتعديل بنية النظام وإجراء تغييرات جذرية عليه. الإهمال وقد أهمل النظام استناداً إلي ذلك مطالب أحزاب المعارضة، و استخف بها واستصغر شأنها واعتبرها معارضة متهافتة لا أهمية لها ولا صحة لتحليلها، ولا جدوي من برامجها واقتراحاتها، ولذلك، ومع الأسف، تجاهل الإصلاح ولم يبادر إليه أو يصلح شيئاً بعد أن بدأت التظاهرات والاحتجاجات في سورية في منتصف مارس الماضي، والتي استطاعت أجهزة الأمن السورية أن تقمعها في الدقائق الأولي وبسرعة كبيرة، ومع تنامي الاحتجاجات والتظاهرات لم يعد بإمكان النظام السياسي وحده ولا هو وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تحقيق الإصلاح، إذ أصبحت أحزاب المعارضة بديهياً بعد التظاهرات شريكاً جدياً وحقيقياً وضرورياً للإصلاح وصار علي النظام السياسي، إذا أراد الإصلاح، أن يحاور أحزاب المعارضة وأحزاب الجبهة، ويدخلها شريكاً في تلمس معطيات الإصلاح وآفاقه، لأن الإصلاح غدا مطلباً جماهيرياً للمحتجين والمتظاهرين، واتسع نطاقه، وأعاد المسألة كلها علي أنها مطالبة بعقد اجتماعي جديد، ولايريد النظام تحقيق هذا، ولايمكنه ذلك حتي لو أراد، بدون حوار جدي وشامل ومنظم في إطار مؤتمر وطني للحوار، تشارك فيه أحزاب الجبهة والمعارضة والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية، وشخصيات وطنية وثقافية مؤثرة، وهذا ما رفضه النظام أيضاً، ومازال يرفضه، واستبدل به اتصالات مع أفراد وشخصيات من المعارضة، طالباً تبادل الرأي والتشاور معها وهذا ما رفضته هذه الشخصيات، كمارفض النظام أيضاً مثل هذا الحل الحواري ولجأ للحل الأمني، فأدخل الجيش في معركته وزادت الممارسات العنفية وحصار المدن، وأعاد الأمور إلي نقطة الصفر. الحل الأمني راهن النظام السياسي السوري علي الحل الأمني رهاناً كاملاً ومطلقاً، فطلب من الجيش ودباباته دخول بعض المدن، وأطلق أيادي الأجهزة الأمنية في المداهمة والاعتقال وإطلاق الرصاص وممارسة الوحشية، وبعد أسبوع من تبني هذا الحل تبين فشله، ولم يجد نفعاً، ولم يحل مشكلة بل زاد الأمور تعقيداً، ولم يعد النظام وحده ولا هو ولا أحزاب الجبهة وأحزاب المعارضة قادرين علي حل الأزمة، حتي لو عقدوا مؤتمراً وطنياً، ووضعوا جدول أعمال يتضمن بحث مطالب المحتجين والمتظاهرين، إلا إذا أشركوا معهم قيادات المتظاهرين الشابة، وزعماء المحتجين، وناقشوا رأيهم، وسمعوا مطالبهم، وهكذا فإن النظام وحده لم يعد صالحاً لإقرار الإصلاحات، ولا حتي لو أشرك أحزاب الجبهة وأحزاب المعارضة، واتسع طيف الذين لابد أن يشاركوا، وكذلك طيف المطالب، ولم يعد حل المسألة بالبساطة التي كان يتصورها النظام أو يتصورها غيره. لقد فوّت النظام فرصة إقرار البدء بالإصلاح وحده، ثم فوّت فرصة إقرار هذه الإصلاحات بالتشاور مع المعارضة، وها هو اليوم يحتاج إلي مؤتمر جامع يضم عنصراً جديداً هو عنصر المحتجين. وعلي النظام، مع ذلك أن يلتقط هذه الفرصة، لأنها الفرصة الأخيرة التي تجنبه وتجنب سورية وقواها السياسية وجيشها وشعبها المنزلق الخطر.