من الواضح الآن أن سورية أمام مفترق طرق كما لم تكن منذ عشرات السنين، ويتفق المحللون علي تعذر استمرار سيرها بالطريق الحالية، سواء بما يتعلق ببنية نظامها أم بتعامل هذا النظام مع حلفائه أو مع المعارضة، فضلاً عن سياسته الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. ينبغي علي النظام السوري ضمن الشروط الموضوعية القائمة والمستجدة أن يستن سياسة جديدة تتعلق بجميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية وغيرها. فالنظام منذ عشرات السنين وبالتحديد منذ تسلم حزب البعث السلطة يفرض حالة الطوارئ ويمنع نشاط الأحزاب الأخري باستثناء حزب البعث ويرفض تداول السلطة، وقد جاء في المادة الثامنة من الدستور الذي أقر عام 1973 أن حزب البعث هو قائد السلطة والمجتمع. وهذا يعني أن كل السلطة له سواء نجح في الانتخابات أم لم ينجح وضمن كل الشروط. وفي الوقت نفسه بقيت سورية تعمل بدون قانون مطبوعات وإعلام حتي قبل بضع سنوات، وعندما صدر هذا القانون صدر للمطابع وليس للمطبوعات ولم يتضمن طريقة إصدار الصحف وتملك أجهزة الإعلام ولا الحريات الإعلامية ولم يعط أي حق لوسائل الإعلام بمراقبة الحكومة، كما لم يلغ الرقابة وغيرها. وقد انتشر الفساد في سورية بما لم تشهد مثيلاً له من قبل. وتلاشت الطبقة الوسطي وتضاعف عدد الفقراء وتحولت الثروة إلي أيدي قلة قليلة من المرتشين والفاسدين وأهل الصفقات والأغنياء الجدد علي حساب فقر الشعب السوري وآلامه وضنك عيشه، حيث نسبة 30% من السوريين تحت خط الفقر و20% منهم عاطل عن العمل وترتفع هذه النسبة بين الخريجين إلي 70% فضلاً عن تدهور التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية وغيرها، وهكذا مارس النظام قمع الحريات ومنع العمل السياسي وحماية الأغنياء الجدد وإطلاق يد أجهزة الأمن لتستخدم قانون الطوارئ كما يحلو لها، حيث وضعت بالفعل مئات الناشطين السياسيين في السجون لمدة غير محدودة وبغير إحالة إلي المحاكمة، وقد صدرت قوانين تمنع إحالة هؤلاء إلي المحكمة عن أي عمل يرتكبون إذا لم يوافق رئيسهم علي ذلك. وهكذا تعقدت أحوال السوريين في الجوانب السياسية والاقتصادية والمعاشية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وزاد الاحتقان ونضجت الشروط الموضوعية للاحتجاج والتظاهر والمطالبة بالحقوق وهذا ما حصل منذ شهر. بعد كل هذه الاحتجاجات في سورية وولوغ أجهزة الأمن في قتل المتظاهرين وعدم تراجع المظاهرات اضطر النظام إلي إطلاق وعود بإطلاق الحالة السياسية وتعديل قانون الطوارئ وإصدار قانون الإعلام وإيجاد آلية لمكافحة الفساد وقد تم الإعلان عن الإجراءات بتصريح صادر عن الرئاسة. في ضوء ذلك من المتعذر أن يسير النظام السوري بعد الآن علي الطريق نفسها التي كان يسير عليها، فهو أمام إحدي طريقين إما إجراء إصلاحات جدية وجذرية وعميقة بحيث تضع سورية علي الطريق السوية التي تؤهلها للخلاص من صعوباتها شيئاً فشيئاً ويكسب النظام ثقة الناس، أو أن النظام يلجأ إلي إصلاحات تزينية وشكلية لن يقبل بها المحتجون والمتظاهرون والشعب السوري عامة ويضطر عندها إلي ممارسة مزيد من القمع والعسف والاستمرار في منع النشاط السياسي وإطلاق يد الأمن بحيث تستمر الدولة الأمنية بمواصفاتها التقليدية. يري عديد من المراقبين السوريين أن النظام لن يقوم بإصلاحات جدية شاملة لأن ذلك يتعارض مع مصالح قوي حقيقية وهامة في داخل النظام لا يستطيع المصلحون فيه من التغلب عليها، ولذلك سيلجأ إلي إصلاحات شكلية سيرفضها الناس وسيقابلها بالعنف والقمع وتعود أغنية الشيطان من جديد.. إذاً لن تكون سورية في المدة المقبلة كما كانت عليه ولابد للنظام أن يختار أحد الطريقين اللتين أشرت إليهما، ولا بد له من الاختيار، ولعله اختيار صعب في الحالتين. فالإصلاح الجدي سيغير بنية النظام والإصلاح الشكلي كذلك ولكن كلاً منهما سيغيره بشكل مختلف.