سعد كامل والثقافة الجماهيرية لا من قبيل الوفاء فقط لشقيقه الأكبر وإنما أيضا من قبيل الدفاع عن الاختيارات السياسية والثقافية اليسارية للراحل سعد كامل كتب شقيقه عزالدين كامل كتابه «سعد كامل الثقافة الجماهيرية» وبقراءته نجد أنفسنا أمام سيرة جيل عظيم من المناضلين المصريين من أجل الاستقلال والحرية وضد الظلم والاستغلال، جيل لعب المناخ العام في تكوينه دورا كما لعب كل من الاختيار والإرادة الدور الأكثر تميزا. كان والد سعد مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة الفيوم الثانوية وربا لأسرة مهتمة بالعمل العام، وكان خاله فتحي رضوان أحد مؤسسي الحزب الوطني الجديد وتلقي سعد تكوينا مبكرا من حزب مصر الفتاة بزعامة أحمد حسين. وفي تجربة مدرسة السعيدية عرف سعد معني كلمة الثروة والسلطة حين شاهد التمييز في معاملة أولاد الذوات عن بقية التلاميذ ولكنه تعلم من أساتذته أن قيمة الإنسان تكمن في ماذا يعمل وليس كم يملك وتتلمذ في كلية الحقوق علي الدكتور «عبدالرازق السنهوري» أستاذ القانون المدني الذي حين سأله أحد الطلاب في مسألة قانونية قال له إنني لا أملك الرد الآن وعاد بعد أيام ليقدم له ردا بعد أن راجع كتب القانون في مكتبته. عرف - بعد التجربة - أن مصر لن تحصل علي حقوقها من الإنجليز إلا بالقوة وهكذا شارك كل من «حسين توفيق» و«أنور السادات» و«محمد إبراهيم كامل» في عمليات اغتيال للجنود الإنجليز، وكانت تجربته الأولي كسجين سياسي في سجن الأجانب «وهو سجن شيك بمقارنته بالسجون الوطنية». ودافع المحامي اليهودي المصري زكي العريبي عن المتهمين في قضية الاغتيالات قائلا «إن اليهود في فلسطين وفي خارج فلسطين هم أول من أصيب بالسهم في الصميم، وحين شرع الظلم الواقع علي فلسطين قام بربطه بالظلم الواقع علي مصر وكلاهما ضحية للاستعمار، فقد كان ذلك هو الزمن الذي شكل فيه اليهود جزءا من الشعب المصري ووقف الكثير منهم ضد الصهيونية وضد إنشاء إسرائيل. وكانت حركة أنصار السلام واحدة من المحطات المهمة في حياة «سعد كامل»، وهي الحركة التي ضمت إليها رموزا من كل الطبقات والفئات وانخرطت في صفوفها فنانتان كبيرتان هما لولا صدقي وتحية كاريوكا. ثم كانت الرحلة الأخري لسعد مع الحركة الشيوعية المصرية إذ لعب دورا تأسيسيا في منظمة «حدتو» «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني» وكانت فاعلا رئيسيا للحركة في تهيئة المناخ الثوري الذي انطلقت في ظله ثورة يوليو 1952، وفي مظاهرة نظمها الشيوعيون احتفالا بإلغاء النحاس باشا لمعاهدة 1936 مع بريطانيا شاركت كل القوي ولكن أغلب المشاركين كانوا من العمال تتويجا لجهد «حدتو». ويتضمن الكتاب دروس خبرة «سعد كامل» وجيله في إنشاء جبهة بين القوي صاحبة المصالح المشتركة وصولا إلي الدعوة لتكوين جبهة بين حكومة يوليو والشعب لمقاومة الاستعمار بعد أن تبينت الخيارات المعادية للاستعمار لدي ضباط يوليو الذين بدأوا وهم «يمثلون كل الاتجاهات دون أي رؤية واضحة للمستقبل» وفي رحلته النضالية الشاقة والملهمة تنقل سعد بين غالبية سجون مصر وحكم عليه مع رفاق كثيرين بالأشغال الشاقة أي تكسير الحجارة في الجبال، والأشغال الشاقة حكم عرفته مصر منذ القرون الوسطي، وأضرب السجناء الشيوعيون وخاضوا معركة باسلة لإلغائه دون أن تلين عزيمتهم فهزيمة الضعفاء معناها العذاب والهوان.. وجري إلغاء تكسير الحجارة.. ويا له من مكسب. أما إنجاز «سعد» الأهم فكان بناؤه للثقافة الجماهيرية حين كان الدكتور ثروت عكاشة وزيرا للثقافة وبث الروح فيها، ونشر المراكز الثقافية لاكتشاف المواهب المدفونة في تراب مصر، وكان نشر الثقافة بين العمال والفلاحين يحتاج إلي شجاعة واستبسال علي حد تعبير رفيقة عمره الكاتبة والمناضلة «ماري كامل» التي تشكل سيرتها في النضال دراما أخري لم يلتفت إليها أحد، فهي إيطالية الأصل مصرية الهوي، وكانت تري بعيني زرقاء اليمامة كيف أن الرجعية مازالت متمركزة في كل ركن من أركان الدولة.. وصدقت توقعاتها، ففيما بعد حين قام نظام يوليو بالمصالحة مع الرجعية عقب هزيمة 67 طار صواب الرجعيين لأن الثقافة الجماهيرية مزجت بين العمل السياسي والثقافي بداية من القاعدة العريضة للجماهير المتعطشة للنور، والتي غذي عطشها حلم «صلاح جاهين» في ذلك الزمن ببناء تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا. ونجحت الرجعية في إجهاض تجربة سعد في الثقافة الجماهيرية وجري فصله من وزارة الثقافة «بحجة تغيبه عن العمل لأكثر من أسبوع» إنها السيرة الملحمة التي يمكن أن تبني عليها السينما عشرات الأفلام الرائعة، ولعل الصديق «سعد عبدالرحمن» رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة أن ينتبه لدروسها وقبل كل شيء يحتفي احتفاء لائقا «بسعد كامل» مؤسس هذا الصرح الكبير والباقي. لا يفوتني أن أسجل أن هذا الكتاب المهم قد احتوي علي أخطاء - ليست قليلة - في المعلومات والتواريخ والأسماء لابد من مراجعتها في الطبعة التالية لأن الكتاب سيكون في المستقبل مرجعا للباحثين.