عجزت الحكومات المتعاقبة عن تحقيق تنمية شاملة في مصر خلال حكم الرئيس مبارك، واكتفت بتدليل رجال الأعمال فقط، دون النظر إلي غالبية الشعب المصري، وكانت حجة النظام دائما عدم توافر الموارد المالية اللازمة لتحقيق التنمية المنشودة في مصر، رغم التقارير التي تتحدث عن الفساد في مصر، والتي قدرت فاتورة الفساد ما بين6 إلي 10 مليارات دولار سنويا أي مابين 30 إلي 60 مليار جنيه سنويا. مصر دولة غنية بمواردها، لكن الفساد كان المقوض الأساسي لجهود التنمية، فالفساد أعاق الدولة من تحصيل مواردها المستحقة كالضرائب وعوائد الاستثمار، كما أدي إلي زيادة تكلفة السلع والخدمات المقدمة للجمهور، بالإضافة إلي اختفاء المهارات والكفاءات البشرية القادرة علي الإنتاج. فعندما شرعت الحكومات المتعاقبة في تكوين طبقة رأسمالية، في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، نجحت الطبقة المستفيدة من نظام الحكم في مصر في إنشاء طبقة رأسمالية، أطلق عليها خبراء الاقتصاد "رأسمالية المحاسيب"، ولعبت المعونة الأمريكية لمصر دورا مهما في تكوين طبقة من رجال الأعمال، ترتبط اقتصاديا بالولايات المتحدةالأمريكية، من خلال توزيع التوكيلات العالمية للشركات الأمريكية، لتكوين لوبي أمريكي داخل النظام المصري، ووفقا للمعلومات المتاحة فقد شملت القائمة أكثر من 1200 رجل أعمال مصري. وعملت طبقة "رأسمالية المحاسيب" علي تكوين الأرباح السريعة من خلال العمل في قطاع الخدمات والاستيراد والتصدير والوساطة المالية والعقارات، والابتعاد عن الإنتاج الصناعي والزراعي، وأصبحت هذه الطبقة بما جمعت من أموال من خلال علاقتها بالسلطة الحاكمة نموذجا للحياة الاقتصادية في مصر جذب إليه العديد من رجال الصناعة في الفترة الأخيرة، والتحول إلي هذه القطاعات لجني الأرباح الضخمة في أسرع وقت. " العلاقة بالنظام الحاكم" كانت كلمة السر في تحقيق الأرباح الخالية، سواء في تخصيص الأراضي، أو المشروعات، أو الحصول علي قروض، أو التمتع باحتكار في السوق، وربما شارك بعض أفراد النظام في هذه العمليات بحصص في المشروعات، أو تربح من هذه المشروعات .. وهو ما سوف يكشف عنه التحقيقات الدائرة الآن في مكتب النائب العام، في محاولة لاكتساب ثقة ثورة 25 يناير، أو تصفية الحسابات علي أقل تقدير. وبغض النظر عن التحقيقات الجارية والأسماء التي يتناولها التحقيق، فقد قدر تقرير المؤسسة المالية العالمية للشفافية والذي قدر خسائر الاقتصاد المصري جراء الفساد بنحو 343.2 مليار جنيه مصري خلال الفترة من 2000 _ إلي 2008_، بمتوسط 6.4مليار دولار سنويا، وأكد تقرير حديث صادر عن مركز سلامة للنظام المالي العالمي الأمريكي أن معظم هذه الأموال جاءت من التهرب الضريبي للأفراد إضافة للفساد والجريمة، وفي دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي وجد أن زيادة قدرها 0.78 بالمائة فقط في معدل الفساد تقلل من نمو الدخل السنوي بنسبة 7.8 بالمائة وذلك لدي الخمس الأكثر فقرا من المواطنين. و تشير التقارير إلي وجود علاقة ارتباطية مباشرة بين الفساد والنمو الاقتصادي فكلما زاد الفساد في مجتمع ما، كلما قامت فئة قليلة بالسيطرة علي موارد الدولة بطرق غير مشروعة، وأضعف ذلك من قدرة الدولة علي الانتفاع بهذه الموارد في تحريك عجلة التنمية. وعلي المستوي الاقتصادي يؤدي الفساد إلي صعوبة جذب الاستثمارات الأجنبية وهروب رؤوس الأموال المحلية وينتج عن ذلك ضعف عام في توفير فرص العمل وانتشار البطالة والفقر، كما يؤدي الفساد إلي تشويه النفقات الأولية للحكومة وإهدار أموال الدول مما يحدث خفض في الإنفاق علي الخدمات العامة كالصحة والتعليم والمرافق، وبالتالي تدهور جودة البنية الأساسية والخدمات العامة، وهو ما يؤثر سلبيا علي الاستثمار. ويؤدي الفساد إلي زيادة تكلفة الحصول علي الخدمات المختلفة التي هي في الأساس حق من حقوق الإنسان الأساسية مما يمثل تكلفة زائدة وعبئا علي المواطن، ويؤثر الفساد علي العدالة التوزيعية، كما يؤثر الفساد علي العدالة الاجتماعية وانعدام ظاهرة التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي وتدني المستوي المعيشي لطبقات كثيرة في المجتمع. سداد الديون و تشير تقديرات المؤسسات المالية العالمية المبدئية إلي أن المبالغ التي خرجت من مصر بسبب الفساد تتجاوز في مجملها_ 150_ مليار دولار، وهو ما يتجاوز إجمالي ديون مصر الخارجية، والذي يصل إلي نحو_ 32_ مليار دولار، وأكثر من نصف الدين العام الداخلي الذي يقدر بتريليون جنيه مصري._ هذه التقديرات المتواضعة للفساد في مصر لا تأخذ في تقديرها تخصيص الأراضي لكبار رجال الأعمال أو ما يطلق عليهم "مافيا الأراضي"، والتي استولت علي مئات الملايين من الأمتار، بأسعار زهيدة سواء لإقامة مشروعات، أو مشروعات سكنية فاخرة، أو الاحتكارات في السوق المصري سواء الحديد أو السكر أو المبيدات الزراعية، فضلا عن الفساد الناجم من عملية الخصخصة، كلها أرقام فلكية من المليارات تم تكوينها خلال الثلاثين عاما الأخيرة أي خلال فترة حكم مبارك، وإذا أخذنا مبلغ ال 150مليار دولار التي تم تهريبها من مصر فقط، أي ما يعادل 850 مليار جنيه، لنجحت مصر في تحقيق معدلات نمو عالية وعدالة غي التوزيع. هذا الأموال يمكن لمصر أن تستردها من خلال القانون وبالتعاون مع الدول التي تم تهريب الأموال إليها. الصناعة والبطالة بلغ عدد المصانع التي تم إنشاؤها خلال الفترة من 2005 إلي 2009 نحو 1982 مصنعا بتكلفة استثمارية 49.3 مليار جنيه وفرت نحو 215 ألف فرصة عمل ، بحسب موازنة الدولة العام الماضي، لتصل تكلفة فرصة العمل الواحدة إلي 250 ألف جنيه، ولو خصص هذا المبلغ بالكامل- في حالة استرداده- لقطاع الصناعة لتم إنشاء 31.7 ألف مصنع، وفرت 10.2 مليون فرصة عمل، وهو ما كان يقضي علي البطالة في مصر، وزيادة الإنتاجية في مصر، أما إذا أخذنا متوسط الأموال المهدرة سنويا في الفساد والتي تبلغ 45 مليار جنيه سنويا لأمكن إضافة 1982 مصنعا سنويا توفر 250 ألف فرصة عمل، وخلال خمس سنوات فقط كان يمكن القضاء علي البطالة، مما يزيد من حجم الاستثمارات في مصر بنحو 45 مليار جنيه سنويا، أو استغلالها في مشروعات صغيرة لتوفير فرص عمل أكثر، حيث يتراوح متوسط تكلفة فرصة العمل مابين 20 إلي 50 ألف جنيه فقط؟ الصحة الإنفاق الحكومي علي الصحة يمثل نسبة ضئيلة جدا من موازنة الدولة فقد تناقصت من 3 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي عام 1997 إلي 2.2 بالمائة عام 2004 إلي 1.7 بالمائة عام 2008 وبلغ في عام 2009/2010 نحو 5.4 مليار جنيه، وحتي هذه النسبة الضئيلة لا تجد دائما طريقها إلي مستحقيها من المرضي حيث يذهب جزء قليل منها في طرق غير مشروعة، وكان يمكن رفع حجم الاستثمارات في قطاع الصحة إلي 8 بالمائة، وهي النسبة السائدة في معظم دول العالم، بما يتيج التوسع في العلاج المجاني، ورفع كفاءة التأمين الصحي،ولو تم استغلال هذه الأموال المنهوبة لإنشاء مستشفيات حديدة لأمكن بناء نحو450 مستشفي علي أعلي مستوي عالمي. التعليم أما في التعليم فتبلغ الاستثمارات الكلية حاليا نحو6.5 مليار جنيه، وفي حالة القضاء علي الفساد فمن الممكن رفع الاستثمار في التعليم والبحث العلمي إلي أكثر من ثلاثة أضعاف، مما يزيد من فعالية التعليم في مصر، ويحسن من أوضاع التعليم والمدرسين، ويزيد من مخصصات البحث العلمي التي تقل حاليا عن 1 بالمائة، الأمر الذي يضع مصر علي طريق التقدم العلمي المنشود.أو إنشاء نحو 100 ألف مدرسة جديدة. البنية الأساسية كما كانت هذه الأموال كافية لاستكمال شبكة الصرف الصحي والمياه والمقدر لاستكمالها 20 مليار جنيه فقط، كذلك تطوير المناطق العشوائية، وبناء وحدات إسكان منخفض التكاليف للشباب محدودي الدخل، وإناروا كل شوارع مصر حيث تصل تكلفة عمود الإنارة إلي 4 آلاف جنيه. المرتبات الأهم من ذلك أن هذه الأموال كانت تكفي لرفع مرتبات العاملين 120 بالمائة، علما بأن تكلفة علاوة ال 15 بالمائة الجديدة تتكلف 5.6 مليار جنيه فقط. الزراعة شهدت مصر خلال السنوات السابقة هجوما منظما علي الأرض الزراعية وتحويلها إلي أراضي بناء، لتفقد مصر أجود الأراضي الزراعية مما أدي إلي انخفاض الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية والاعتماد علي الاستيراد، ولو كان لدي الحكومات المتعاقبة خطة لاستصلاح الأراضي لأمكن لمصر رفع نسب الاكتفاء الذاتي من معظم السلع الغذائية الأساسية، حيث تصل تكلفة استصلاح الفدان الواحد إلي 25 ألف جنيه، والأموال المنهوبة تكفي لاستصلاح 2مليون فدان سنويا.