دمي في الميدان مباح والرعب يظلل المدينة فمصر التي - قديما - علمتنا تنام - الآن في غربتها حزينة بعد أن فر الشرطي من الشوارع واستولي لصوص الليل علي الحدائق والحقول التي رويت بدم الشعب وامتلأ البحر بفئران السفينة سماؤنا ملبدة بدخان كثيف والرصيف مأوي العطشي والجياع لم يعد في ذلك المساء الحزين نفس الرصيف فالبلاد التي هتفنا جميعا لها صارت سيدة عجوز تنوء بحملها يلاحقها وجع ونزيف أطفال حياري في الحواري والقري في كل حي وريف تسابقهم دمعة مالحة فوق الرغيف هذا شتاء قارس يا مصر والدفء غاب فهل أكتب عن حلم جديد أم أكتب مرثية للغياب الشعر شاب مني ولم أزل في شرخ الشباب والحزن يخترق الضلوع فهل من رجوع وهل من صباح قريب؟ ماذا يفعل الشعراء في زمن المأجورين ومضاربي البورصات وسارقي الأقوات وتجار الدم والسياسات؟ ماذا ستفعل الأشجار وقد فرت العصافير من الأعشاش - ليلا لترفرف وحدها في الشوارع المستكينة؟ فالرعب يظلل المدينة حناجرنا التي كانت فضاء للنشيد هل تقدر - الآن - أن أتغني للبراح البعيد أظافرنا حملت شهوة الفجر هل تستطيع الآن - أيضا أن تكتب بدمها المنساب فوق جدران الليالي أنشودة للصبح الجديد بعد أن خرجت جموع الشعب مشتاقة لرائحة الزهر في مدن الشمال وفي مدن الصعيد فرغم الشياطين التي خرجت لتسلب حلمنا بباب الحقيقة سنظل نهتف: نحن الأحق بأشجار الحديقة فالظلم وإن طغي زمانه محض دقيقة والحرية البيضاء وإن ظلت دفينة سيأتي نهار قادم لتسود أجواء المدينة