ما من شك في أن هناك خلافا عقائديا أساسيا بين الاسلام والمسيحية، حول طبيعة المسيح عيسي عليه السلام وملابسات رفعه إلي السماء. فالمسيحية تقول في مواضع إن المسيح عليه السلام ابن الله (بنوة روحية طبعاً) وفي مواضع أخري تقول بأن المسيح هو الله نفسه هبط علي الأرض متجسداً في هيئة انسان ليحمل عن البشر خطاياهم. وفي المسيحية أيضاً اعتقاد بأن المسيح عليه السلام قد صُلب فعلاً ثم رفعه الله بعد ذلك إلي السماء. ومن هنا كان احتفال المسيحيين كل عام بعيد القيامة المجيد. أما الاسلام، فبوحي من القرآن يقول بأن المسيح عليه السلام انسان خُلق من روح الله بمعجزة إلهية- انسان وُلد بدون أب كما وُلد آدم عليه السلام دون أب ولا أم. والإسلام، بوحي من القرآن أيضاً، يعتقد بأن المسيح عليه السلام لم يصلب وإنما ألقي الله شبهه علي يهوذا- وهو أحد الحواريين- الذي صُلب بدلاً منه ورفع الله نبيه ورسوله عيسي بن مريم عليه السلام إليه. فعيسي بن مريم عليه السلام هو النبي الوحيد الذي لم يمت. هذا الخلاف العقائدي بين الاسلام والمسيحية وغيره من الخلافات الأخري في أمور السياسة والزواج والطعام والشراب والملبس وحتي تصفيف الشعر.... تفصل بين المسلمين والمسيحيين لا في مصر فحسب بل في جميع أنحاء العالم. أضف إلي ذلك ضعف الانتماء الوطني الذي صار إليه المصريون في يومنا هذا بسبب انتشار الفساد والظلم في بلادهم، فتحولوا بانتمائهم عن الوطن والأرض إلي الدين عساه أن يكون شفاءً لآلامهم. وهنا تظهر مشكلة الخطاب الديني الاسلامي: الجزئي الذكوري المتعصب. فأجد الخطاب الديني الاسلامي يركز علي الشعائر دون الأخلاق. فلم أجد أبداً خطيباً للجمعة يوصي الناس بالأمانة ولا بالمحبة، بل يدعوهم إلي الصلاة ويدعو النساء علي وجه الخصوص إلي الحجاب وطاعة الزوج باعتبارها من طاعة الله!!! ناهيك عن معايير اختيار الآيات القرآنية التي تُتْلي في الصلاة والتي تذكي نار الخلاف بين المسلمين والمسيحيين. فلم أجد مثلاً إمام مسجد «حينا العزيز» عندما يطل علي سورة المائدة يتلو أبداً تلك الآية: "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون". بل كثيراً ما يردد إمام مسجد حينا العزيز: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم......" . إنها آية قرآنية تطن عالية مدوية بفعل مكبر الصوت في «حينا» الذي يشكل فيه المسيحيون نسبة ملحوظة من السكان. تري ماذا يكون تأثير هذه الآية القرآنية علي السامعين من المسلمين والمسيحيين علي السواء؟ وجاءت فجيعة الانفجار الارهابي في ليلة رأس السنة الميلادية 2011 في كنيسة القديسين بالإسكندرية ليفيق المسلمون من رضاهم الأحمق عن أنفسهم وليشعر كل منهم بالخزي والعار لما صدر عن البعض منهم الذي اعتقد خطأ بأنه بهذا القتل البشع الضخم الآثم لعدد من المسيحيين وقت صلاتهم، قد اشتري مقعده في الجنة!!! وها هو غسيل المخ الذي يتم داخل الجماعات الاسلامية الارهابية العالمية والتي سجل المؤرخون أنها تستمد رؤوس أموالها من تجارة المخدرات!!! ورُب ضارة نافعة فلا يفقدنا تفاؤلنا الجرح الغائر في قلوبنا. فقد آن الأوان لتحقيق عدالة القانون. قد آن الأوان لفتح الملف القبطي المصري وانصاف هذه الأقلية المهضومة رغم شعارات المواطنة التي نهذي بها- هذه الأقلية الفاعلة الفعالة في اقتصاد الوطن. قد آن الأوان لتنشط الشرطة المصرية من سباتها العميق لتحقيق الأمن والأمان داخل مصر، فلا يروع فيها مواطن أياً كانت ملته أو موقعه علي السلم الاجتماعي. قد آن الأوان لتنوير الدعاة المسلمين وتصحيح الخطاب الديني الاسلامي، فيسعي إلي توحيد الناس جميعاً تحت اسم الله وراية الوطن وتطهيرهم من النفاق وتنشيط مشاعر الإخوة الإنسانية بداخلهم. وأخيراً قد آن الأوان لتحقيق ديمقراطية فعلية تكفل لكل مواطن حقه المشروع في التعليم والعمل، في العلاج والسكن. فالفقر والظلم هما أقوي جذور الارهاب!!! د. ماجدة إبراهيم أستاذ مساعد بكلية الآداب -جامعة طنطا