مناضلون يساريون أحمد الرفاعي «2» وكانت المفاجأة أن زارني في مخبئي السري خلال معارك بورسعيد ضابط من المخابرات ومعه حقيبة سفر كبيرة مملوءة بالبنكنوت، وقال: القاهرة ارسلت هذا المبلغ لك لتنفق منه علي المعركة التي تخوضها، فأعدت المبلغ، وقلت : قل للقاهرة إن أهالي بورسعيد يعطوننا كل ما نحتاج إليه. أحمد الرفاعي «في حواره معي» وتأتي ثورة يوليو ويأتي معها تأييد حدتو لها. ألم يكن رفاقها في قمة تنظيم الضباط الأحرار. ويزداد حماس الرفاعي بعد قانون الإصلاح الزراعي فهو يعرف قيمة الأرض بالنسبة للفلاح. لكن إعدام خميس والبقري بعد إضراب كفر الدوار باعد بين حدتو والضباط. وتنشب معركة النضال من أجل الديمقراطية والتعددية الحزبية والانتخابات ويهرب أحمد الرفاعي ويكون في هذه الأثناء عضواً في اللجنة المركزية لحدتو ويكلف بتأسيس الجبهة الوطنية الديمقراطية هو وعدد آخر من الرفاق. وسريعا يستعيد أحمد علاقاته بالطليعة الوفدية وبوفدي تقدمي آخر هو أبو بكر حمدي سيف النصر وبأعضاء من الحزب الاشتراكي(إبراهيم يونس وآخرين) وبعض ضباط الجيش (مصطفي كمال صدقي ومجموعته) وأعدوا بيانا ببرنامج الجبهة. ثم توالت الضربات وقبض عليه واعتقل في سجن بني سويف، وذات يوم جري ترحيله إلي القاهرة، وفي القطار حضر ضابط ليجلس إلي جوار ضابط الحراسة، أنه مأمور مركز بوش همس في أذنه «يا رفيق عاكف انت رايح السجن الحربي والوضع هناك سيئ جدا» قال أحمد «عاكف مين؟» فرد عليه أنا زميلك في حدتو. وبعدها عرف أنه الرفيق عز الدين صبري. ووصل أحمد فعلا إلي السجن الحربي وما أدراك ما هو السجن الحربي، وهناك واجهوه بكثير من نشاطاته ومنها انه كمسئول عن منطقة القاهرة أشرف علي تهريب ثمانية من الرفاق من معتقل روض الفرج وأعد برنامج الجبهة الوطنية الديمقراطية، وحتي نضاله ضد الاستعمار في منطقة القنال(1951) كان واحدة من التهم. ثم لا يلبث أن يستبعد من القضية ويرسل إلي المعتقل حتي 1956. ويشهد عام 1956 قمة النضال لهذا الرجل الذي لا يهدأ. كان العدوان الثلاثي. وصدر له قرار من الحزب بالسفر إلي بورسعيد لينضم للمقاومة الشعبية هناك وعبر بحيرة المنزلة نظم أحمد الرفاعي خط اتصال دائم وتوالي وصول الرفاق والاصدقاء: إبراهيم هاجوج ابن بورسعيد وكان عينهم المبصرة لكل شيء أو من خارج بورسعيد الشيخ عبد السلام الخشان - سعد رحمي- عبد المنعم شتله- فتحي مجاهد- عبد المنعم القصاص- امينة شفيق- محسن لطفي السيد- ابراهيم المانسترلي. وهناك التحم الجميع مع نضال لا يهدأ قاد شعب بورسعيد في مواجهات مسلحة مع الاحتلال وفي مظاهرات صاخبة ضده. وسريعا ينتظم النضال. ثمة ثغرة ينفذ منها القادمون ومعهم رجال جدد وسلاح انه منزل قديم تقيم به سيدة ضخمة تجلس طوال النهار علي شاطئ بحيرة المنزلة تبيع وتشتري لكنها في الواقع نقطة مراقبة وحلقة اتصال انها خالتي «أم السعيد الضو» وثمة مطبعة صاحبها جاهز، وعبد المنعم القصاص الفنان يعمل معه ليصدر جريدة الانتصار وفي خضم ارتباكات عديدة تأسست الجبهة المتحدة للمقاومة الشعبية التي نظمت كل شيء في المدينة من التموين وحتي ضبط الأسعار إلي الكفاح المسلح إلي المظاهرات الشعبية. وعندما قامت قوات الاحتلال باعتقال بعض الفدائيين دعت الجبهة المتحدة إلي مظاهرة. لكن الغريب أن محافظ القنال أصدر قرارا بمنع المظاهرة «حفاظاً علي الأرواح» لكن أحمد الرفاعي يقف خطيبا مصمما علي إنجاح المظاهرة وعلي مواصلة النضال ضد الاحتلال. وتنجح المظاهرة رغم الطائرات التي حلقت فوقها والمدرعات التي احاطت بها ويواصل أحمد الرفاعي ورفاقه معركتهم ضد الاحتلال بالسلاح تارة وبالمظاهرات الشعبية تارة أخري.. حتي الانتصار. ويعود أحمد الرفاعي إلي النضال الحزبي مسلحاً بخبرات وفيرة، وتتواصل معركة توحيد الشيوعيين ويصبح واحداً من قادة الحزب الذي توحد فيه الجميع ثم ما لبث أن انفرط عقده.. ومن جديد يعود إلي السجن أثر حملة شرسة ليلة رأس السنة 1959، وأمام المجلس العسكري العالي يقدم أحمد الرفاعي دفاعا هز وجدان الجميع. وحضر معه شهود ممن شاركوا معه في معارك بورسعيد لكن القضاة أصدروا حكمهم بالسجن ثماني سنوات أشغال شاقة. وفي سجن المحاريق استعاد الرفاعي كفاءته كفلاح اصيل وأصبح مسئولا عن المزرعة التي جري استصلاحها بسواعد الرفاق «ثلاثين فدانا» وأمدت السجناء والسجانين بحاجاتهم من الخضراوات. وفي 1964 يفرج عنه.. ليقفز سريعا إلي موقع رئيس النقابة العامة لعمال الزراعة وإلي نائب رئيس الاتحاد العام لعمال مصر. ويضطر النظام إلي إدخال تعديل علي قانون النقابات لحرمانه من حق الترشح وقد أسماه النقابيون «تعديل أحمد الرفاعي». وإلي اليمن الجنوبي يسافر خبيرا للأمم المتحدة وهناك يصبح واحداً من أهم الشخصيات التي تشارك في الحكم. وينجح في إقامة اذاعة مصرية يديرها الحزب الشيوعي المصري ويوجهها إلي شعب مصر. وإذ يحين تقاعد المناضل يعود مرة أخري فلاحا ليستصلح عديداً من الأفدنة في النوبارية. ويرحل أحمد الرفاعي كما بدأ في طفولته مخلصا للوطن وللشعب وأيضا مخلصا للحزب الذي ظل يعمل فيه حتي آخر نسمات الحياة.