في الوقت الذي نستقبل عاما جديدا بعد أن مضي عام حافل بالعديد من القضايا الاقتصادية والتي تخللتها ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع الغذائية والخدمات.. إلا أن هذه الأوضاع من وجهة نظر المسئولين في الحكومة قد تلخصت في نتيجة واحدة وقف عندها هؤلاء المسئولون في حيرة شديدة.. وهي لماذا أبدي المواطنون سعادة كبيرة وفرحة عندما قضت المحكمة الإدارية العليا ببطلان عقد مدينتي.. بل لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل زادت سعادتهم عندما رفع العديد من المحامين والمواطنين ببطلان عقود تخصيص أخري مثل بالم هيلز والشركة المصرية - الكويتية وتوشكي وغيرها.. الأغرب من ذلك أن نفس هؤلاء المواطنين أبدوا غضبا شديدا عندما أصيبوا بالحزن عندما أعلنت الحكومة عن الحلول التشريعية لمواجهة هذه القضايا think tank» الأمريكية، فليس من المعقول أن تصدر الجهات الحكومية التقارير والبحوث الاستقصائية حول أحوال المواطنين وحتي لو كانت سلبية أو حتي إيجابية غالبا ما ينظر إليها الآخرون بنظرة الشك والريبة. ارتفاع الأسعار لكن لماذا توصلت الحكومة إلي نتيجة مفادها أن المواطنين يفرحون في مصائب الحكومة.. ويصابون بالحزن عندما يتم حل المشكلة؟ من خلال بعض أحداث هذا العام خاصة الاقتصادية تشير التقارير والمعلومات إلي أن كل عام يمر الآن في الفترة الأخيرة غالبا ما تشهد أسعار السلع والخدمات ارتفاعات بنسبة ومعدلات تفوق سنوات مضت.. والأهم من ذلك أن حلول الحكومة والوزراء لهذه القضايا عادة ما تتسم بالفعل ورد الفعل فقط دون وضع سياسات طويلة الأجل لمنع تكرارها مرة ثانية. خلال بداية هذا العام وبالتحديد في يناير الماضي شهدت محافظات الجمهورية أزمة شديدة في اسطوانات البوتاجاز وصل سعر الأنبوبة في ذلك الوقت إلي 20 جنيها.. وتعالت صرخات المواطنين.. وأمام هذه القضية ردت الحكومة بزيادة المعروض من البوتاجاز بنسبة 20% واتهمت الموزعين وأصحاب المستودعات بالتسبب في الأزمة.. لكن لم ينته العام - أو مع نهايته عادت الأزمة مرة ثانية وارتفع معها سعر الأنبوبة - إن وجدت - إلي 25 جنيها و30 جنيها في بعض المناطق، وكان رد الفعل هو زيادة المعروض من اسطوانات البوتاجاز بنسبة 25% هذا في الوقت الذي تتفاخر فيه وزارة البترول ووزيرها سامح فهمي بتوصيل الغاز الطبيعي إلي جميع محافظات الجمهورية طبقا للخطة الموضوعة فماذا يكون الموقف إذا لم يتم مد خطوط الغاز الطبيعي إلي الجانب الأكبر من القاهرة الكبري علي سبيل المثال.. طبعا كانت الأنبوبة سيصل سعرها إلي 50 جنيها وربما هذا ما تريده الحكومة في ظل الإعداد لنظام توزيع الاسطوانات بموجب الكوبونات وبالطبع سوف يشعر المواطنون بالفارق في السعر. الأمر المباشر لقد توصلت الأجهزة الحكومية إلي هذه النتيجة لأنها تهتم باتجاهات الرأي العالمية في المؤسسات الدولية.. وليست باتجاهات رأي المواطنين، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، انصب اهتمام الحكومة علي تحقيق معدلات نمو عالية في محاولة لجذب الاستثمارات الأجنبية فقط والعودة إلي معدلات نمو ما قبل الأزمة.. فاهتمت بتهيئة البنية الأساسية أمام المستثمرين فقامت بتخصيص الأراضي للعديد من المشروعات لعدد من المستثمرين بالأمر المباشر.. في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون الأمرين من أجل الحصول علي قطعة أرض في مشروع «ابني بيتك» وحتي إذا حصل عليها فإنه معرض لدفع إتاوات لأصحاب النفوذ من العرب في مناطق التخصيص، وكان ذلك هو الدافع الأساسي وراء قيام حمدي الفخراني برفع قضية بطلان عقد مدينتي في القضاء الإداري، وتلخصت القضية في «كيف توافقون علي إعطاء ملايين الأمتار لأحد المستثمرين وبتسهيلات.. وبالأمر المباشر في حين تقوم وزارة الإسكان بعمل قرعة للمتقدمين لمشروع «ابني بيتك»، ويكفي أن التقارير الحكومية قالت إن إجمالي ما تم استثماره في مجال المجتمعات العمرانية الجديدة يصل إلي 500 مليار جنيه وعلي مساحة 200 ألف فدان خلال الثلاث عقود الماضية وتستهدف نفس الاستثمارات خلال الخمس سنوات القادمة.. لذلك لم يكن غريبا أن تنهال القضايا علي الحكومة بسبب عمليات التخصيص المباشر للشركات الكبري.. وإن كان أهمها الآن بالم هيلز الذي كشف الحكومة، ففي الوقت الذي تتمسك فيه الحكومة بأن مدينتي تمت في عصور سابقة جاءت بالم هيلز.. في عام 2006.. أي في عهد نفس المسئولين وبتوقيع وزير في الحكومة لأقاربه. سكان العشوائيات أما سكان العشوائيات فإن فرحتهم لم تدم طويلا.. عندما قررت الحكومة تطويرها.. فقامت بتصنيفها مناطق خطرة وشديدة الخطورة.. وغير آمنة فقد اكتشف بعض سكان العشوائيات أن الحكومة في طريقها إما لإزالتها وتعويضهم ماديا أو إعطائهم مساكن بديلة.. خاصة بالنسبة لسكان المناطق الواقعة خلف ماسبيرو والمنطقة الخلفية لوزارة الخارجية وملاعب شيحا في الدراسة، ومع ذلك اختصر أحد المسئولين في الحكومة القضية عندما قال ل «الأهالي» إن المواطنين عادة ما ينظرون لمخططات الحكومة بنوع من الريبة ولهم الحق في ذلك.. فعندما تقوم جهة حكومية بنزع أراض أو مناطق للمنفعة العامة لتقيم المتر بأبخس الأسعار.. ونفس اللجنة إذا قامت بحل قضية وتقنين أحوال واضعي اليد تقوم بتقييم الأرض بأسعار مبالغ فيها. اللحوم أما النوع الآخر فهو لماذا يتشفي المواطنون في الحكومة.. فقد أكدته تقارير الرأي العام.. منذ أكثر من ثلاثة أعوام والحكومة ووزرائها المعنيين يؤكدون الاتجاه إلي استيراد اللحوم من بعض الدول الأفريقية.. ارتفعت أسعار اللحوم بداية هذا العام حتي وصل سعر الكيلو إلي 45 جنيها مع بداية 2010.. وانتهي العام بأسعار وصلت إلي 70 جنيها للكيلو.. ومازالت الحكومة تصر علي أنها ستقوم بالاستيراد. لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد.. بل واصلت أزمات السلع الغذائية في المجتمع المصري، ولاتزال الحكومة تصر علي آليات السوق الحر بدون الضوابط المعترف بها دوليا. في أزمة السكر.. مع بداية العام الحالي ارتفع السعر إلي 450 قرشا.. وصرخ المواطنون.. واتخذت الحكومة إجراءات سريعة.. وهي إعفاء واردات السكر من الجمارك.. لكن دون وضع ضوابط وآليات لمراقبة الأسعار وليس التحكم فيها.. استغل رجال الأعمال والمستوردون الأزمة والحل الذي توقعته الحكومة ورفعوا الأسعار واليوم وعلي مدار شهور من الإعفاءات الجمركية.. وصل السعر الآن إلي 650 قرشا للكيلو. وفي الوقت الذي طرح وزير المالية د. يوسف بطرس غالي مشروعه الجديد «موازنة المواطن» باعتبارها أحد آليات تدعيم اللامركزية المالية والتي تتيح للمواطن التعرف علي المخصصات المالية الموجهة للخدمات العامة نسي الوزير أن المواطن أصلا لا يعرف أعضاء المجالس المحلية التي ستقوم بترجمة موازنته إلي مشروعات وتناسي أنهم نفس المسئولين في حزبه الوطني.. ومحافظون كل واحد منهم يفتخر بأنه رمز للموازنة العامة حتي يضمن البقاء في منصبه مسئولا عن موازنة مواطنين لا يعرفهم ولا يعرفونه.. ويبقي السؤال هل عرف المسئولون في الحكومة لماذا يفرح المواطنون في مصائبهم؟!