يستعد العراق لخوض انتخابات برلمانية هي الثانية له منذ سقوط نظام صدام حسين وذلك يوم 7 مارس القادم، وتتنافس قرابة 300 كتلة انتخابية و12 ائتلافا كبيرا تضم أكثر من 160 حزبا وكيانا سياسيا للفوز بمقاعد البرلمان الذي يبلغ عدد مقاعده 325 مقعدا. ويشارك في الانتخابات حوالي 19 مليون عراقي لهم حق التصويت، ويبلغ عدد الناخبين في إقليم كردستان نحو 2 مليون و500 ألف ناخب، وفي المنطقة الغربية 4 ملايين و700 ألف ناخب، أما في بغداد فمن يحق لهم التصويت 4 ملايين و600 ألف والمنطقة الجنوبية أكثر من 7 ملايين ناخب. وجاء في نظام توزيع المقاعد أن عدد المقاعد العامة سيكون 310 مقاعد، وعدد مقاعد المكونات 8 مقاعد موزعة علي المسيحيين واليزيديين والشبك والصائبة، فيما تبلغ عدد المقاعد التعويضية الوطنية 7 مقاعد. وتتوزع المقاعد علي المحافظات حيث تحوز بغداد علي 70 مقعدا منها مقعدان للمسيحيين والصائبة والأنبار 14 مقعدا، ونينوي 34 مقعدا وصلاح الدين 12 مقعدا وكربلاء 10 مقاعد والنجف 12 مقعدا، وواسط 11 مقعدا وميسان 10 مقاعد، والبصرة 24 مقعدا، وكركوك 13 مقعدا وأربيل 15 مقعدا والسلمانية 7 مقاعد. وخصص للمهاجرين العراقيين خارج العراق وداخلها 8 مقاعد فقط، وافتتح لهم ما يقرب من 16 بلدا وأكثر من 30 مركزا انتخابيا في عدد من الدول الموجودين فيها بكثافة. ونظام توزيع المقاعد يعتمد علي حساب أصوات كل قائمة في كل المحافظات لتحديد عدد المقاعد، كما يضمن النظام الانتخابي تحقيق نسبة مقاعد للنساء لا تقل عن 25% أي 82 امرأة ويعاد ترتيب أسماء المرشحين داخل القائمة المفتوحة استنادا إلي عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح من الأعلي إلي الأدني. وواجهت تلك الانتخابات تحديات خطيرة أبرزها اشتداد موجات التفجير التي ضربت العاصمة بغداد عدة مرات العام الماضي، وعلي الرغم من التحرك القضائي والأمني السريع والحكم بإعدام 11 عراقيا تورطوا في تفجيرات يوليو الماضي، فإن التفجيرات عادت في نهاية العام الماضي وأشاعت أجواء متشائمة حول عدم قدرة الحكومة العراقية علي حفظ الأمن في أهم مناطق العاصمة، حيث استهدفت تفجيرات العام الماضي وزارات الداخلية والنفط والخارجية ومراكز اتصالات وأسواق شعبية أوقعت مئات القتلي والجرحي. وما أن هدأت وتيرة التفجيرات الإرهابية حتي انفجرت عاصفة سياسية أخري من خلال قرارات لجنة مراجعة قوائم المرشحين التي شطبت عددا كبيرا من مرشحي القوائم السنية بحجة أنهم من أعضاء حزب البعث المنحل، وتنطبق عليهم قرارات الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية، وهو ما أثار موجات من الغضب داخل صفوف الطائفة السنية بالذات، حيث رأوا في تلك القرارات محاولة لإضعاف نفوذ الأحزاب السنية وبالفعل انسحبت مجموعة الجبهة العراقية للحوار الوطني بزعامة النائب «صالح المطلك»، قبل أن تعود للمشاركة في الانتخابات ضمن القائمة العراقية بزعامة رئيس الحكومة الأسبق «إياد علاوي» الذي يقود أكبر تحالف للقوي السنية تضم 63 كتلة سياسية. ويخوض رئيس الحكمة الحالي نوري المالكي الانتخابات في إطار تحالف آخر هو الأكبر تحت اسم «ائتلاف دولة القانون» ويشارك في هذا الائتلاف عدد من القوي الشيعية الكبري، منها حزب الدعوة إضافة إلي أحزاب ومجموعات كردية وتركمانية صغيرة «حركة الإخاء الكردي، والاتحاد الإسلامي لتركمان العراقي» وقائمة المستقلين التي يقودها وزير النفط «حسين الشهرستاني»، مما يجعل من هذه القائمة الأقوي لتنوع ألوان الطيف السياسي داخلها، وتعتمد علي الإنجازات الكبيرة لرئيس الحكومة «الشيعي» في محاولة فرض سلطة دولة القانون، ومواجهة كل المحاولات الطائفية لتقسيم العراق، والتصدي لاتجاه الإسلام السياسي. وهناك اتهامات لقائمة «المالكي» من قبل قادة القوائم الأخري باستغلال إمكانية وسلطة الدولة للترويج لبرنامج القائمة «الحكومية» التي لم تفرق بين إمكانيات الدولة وإمكانيات قائمة ائتلاف دولة القانون، التي انتهكت دولة القانون طبقا للاتهامات المعارضة. القوي الشيعية الأخري متجمعة في إطار آخر تحت اسم «الائتلاف الوطني العراقي» وكان حزب الدعوة جزءا من هذا الائتلاف قبل أن ينضم لائتلاف «دولة القانون»، ويضم حاليا المجلس الإسلامي الأعلي والتيار الصدري الذي يقوده الزعيم الشاب مقتدي الصدر الذي غير كثيرا من مواقعه، بعد أن كان يقود مواجهات مسلحة ضد الحكومات السابقة خصوصا حكومة «إبراهيم الجعفري»، وهو يطمح الآن إلي لعب دور سياسي أوسع بالسيطرة علي عدد ملائم من المقاعد في المجلس القادم، ويعوقه ضعف التحالف الذي ينتمي إليه وتفتت القوي الشيعية ضمن عدة قوائم. القوي العراقية الثالثة إلي جانب القوي السياسية السنية والشيعية، وهي القوة الكردية والتي تخوض الانتخابات بأقل قدر من الانشقاقات داخل البيت الكردي فباسثتناء مغادرة كتلة التغيير بزعامة «سنوشيراون مصطفي»، فإن التحالف يعتمد علي الحزبين الكرديين الكبيرين برئاسة جلال الطالباني رئيس الجمهورية ومسعود بارزاني رئيس وزراء إقليم كردستان. ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات فإن الآمال معلقة علي أن تنجح الأجهزة الأمنية في توفير أجواء هادئة والتصدي لمحاولات التفجير الكبري، في ظل وجود جهات داخلية وخارجية لها مصلحة مباشرة في إفساد التحولات السياسية الحالية، واستمرار إدخال العراق في الفوضي. وكما ساهمت الانتخابات البلدية «مجالس المحافظات» في هزيمة أصحاب منهج الفيدرالية وتقسيم العراق وتراجع الإسلام السياسي، فإن الأعمال موجهة أيضا نحو استمرار هذا التوجه، وإعلاء صيغة العراق الموحد وسيادة دولة القانون ورفض كل صيغ المحاصصة الطائفية والسياسية علي كل المستويات. والمؤكد أن خروج العراق منتصر في المعركة الانتخابية القادمة سيدعم خروج القوات الأمريكية في العراق، بعد أن غادرت المدن والمحافظات الرئيسية، علي أمل أن تنتهي بنهاية العام القادم وليستعيد العراق أوضاعه الطبيعية بالكامل ويحق له الخروج أيضا من الوصاية الدولية بمقتضي تطبيق بنود الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة عليه.. وحتي موعد إجراء الانتخابات فإن المتابع حتي للفضائيات العراقية المتعددة يلمح بسهولة طبيعة الحوار الديمقراطي الحر الذي يمارسه الجميع، فلا توجد محظورات في النقاش العام والخطاب السياسي لكل القوي، مع تراجع للخطاب الطائفي وإلي حد كبير لخطاب الإسلام السياسي الشيعي أو السني علي حد سواء، ورغبة الجميع في أن تنتهي معاناة العراق من خلال صناديق الانتخاب في الجولة الجديدة التي ستتم الأسبوع القادم.