مناضلون يساريون د. فؤاد مرسي «2» «عندما عدت إلي مصر من فرنسا في نهاية 1949 ، خيل إلي أنني أبدأ من جديد، ولم يكن هذا صحيحا». د. فؤاد مرسي «في حواره معي» وهكذا ذهب الأستاذ فؤاد مرسي معاون النيابة إلي باريس عام 1945 وعاد دكتور فؤاد مرسي لكنه عاد ليرتدي وعلي الفور ثياباً جديدة واسماً جديدا هو «الرفيق خالد». ومن البداية اكتشف أن منظمة حدتو قد تبعثرت إلي فرق ومجموعات وأفراد مزقتهم النزعات الانقسامية ، وخيل إليه أن الحل هو إعلان تأسيس «الحزب الشيوعي المصري» وكان الاسم شديد الجاذبية ولعله كان بالنسبة للبعض طوق نجاة، ونسي الكثيرون أن بدايات 1950 قد شهدت استعادة «حدتو» عافيتها، ونسوا أن هناك خبيئة أخري هي منظمة طليعة العمال. ومع ذلك فقد نجح الرفيق خالد في تأسيس نواة أساسية لحزبه.. مصطفي طيبه وسعد زهران وداود عزيز. ثم جذبت هذه النواة مجموعات صغيرة لعل أهمها مجموعة «المطبعة » التي افلتت من مجموعة العصبة الماركسية التي كان يتزعمها فوزي جرجس فذهب طوسون كيرلس ولمعي يوسف ومعهما كنز ثمين هو مطبعة جديدة وذات أمان جيد وإتماما للمهمة قرر د. فؤاد إذا كنا سنؤسس الحزب فيتعين أن يكون له وثائق، وعكف ليخرج علي رفاقه بوثيقتين بالغتي الأهمية هما «الصراع الطبقي في مصر» و«ثورتنا المقبلة »، وقد امتازت الوثيقتان برصانة أكاديمية يلحظها حتي الذين اختلفوا علي بعض ما ورد فيها. وهكذا حقق الرفيق خالد ثلاثة نجاحات سريعا، تأسيس حزب وليس مجرد منظمة - إعداد وثائق متقنة والمحافظة علي أمانه بحيث ظل بعيدا تماما عن أعين أو مسامع الأمن، ولأن مصر في 1950 وما بعدها كانت تلتهب ثورية فقد اتسع النشاط الشيوعي بكل فروعه ومن ثم احتشد في «الحزب» مئات من الاعضاء القدامي والجدد يزهون بأنهم حزب وليس مجرد منظمة وبأن لديهم وثائق مبهرة ومطبوعات متقنة ومنتظمة وقائد يلفه غموض مهيب، وهكذا ترددت هتافاتهم في ردهات السجون «عاش الرفيق خالد ألف عام». وفي عام 1957 بدأت ارهاصات توحيد الشيوعيين «حدتو» وحددت في صفوفها عديدا من المنظمات الصغيرة وأسمت نفسها الحزب الشيوعي المصري الموحد. وبدأت خطط التوحد بين جميع الشيوعين، كما بدأت خطط التقارب مع النظام الناصري الذي كان يخطو باتجاه إجراءات ثورية سواء في العلاقة ضد أمريكا أو في بناء مصر وصناعتها وقطاعها العام وتقليم أظافر القوي الاجتماعية المعادية للثورة .. ولأن الوحدة ستتم ولأنه سيكشف شخصيته لآخرين لا يعرفهم، وجه الرفيق خالد أنه لا مفر من الكشف عن شخصيته لكنه يقول في حواره مع جريدة الأهالي (11-9-1985) «وتدعيما للثقة بيننا وبين النظام الوطني رأينا من المناسب الكشف عن شخصيتي» ولكن. إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم أسرها عبدالناصر في نفسه فكيف ظل هذا الاستاذ الاكاديمي مختفيا سبع سنوات عن أعين نظامه وأمنه. وفي يناير 1959 كان فؤاد مرسي المتهم الأول في قضية الحزب الشيوعي. خمس سنوات ونصف قضاها الرفيق خالد في السجن. سألته ذات يوم ماذا تعلمت من السجن؟ فأجاب بلا تردد أن أكون أبسط مما كنت. وتأتي أيام يقرر فيها الرفيق خالد حل الحزب الذي بناه بيديه. ووجد نفسه رئيسا لمجلس إدارة شركة نم وفي أعقاب 15 مايو 1971. رشح ليتولي وزارة التموين ويقول في حواره مع «الأهالي» «رفضت علي الفور، وحضر لي مجموعة من الزملاء واقنعوني بأنها سابقة يجب الاستفادة منها وتقديم نموذج يعبر عن أسلوبنا واخلاقياتنا وكفاءاتنا. وأن المطلوب هو أن يري الشعب نموذجا جديدا لوزراء جدد من عجينة مختلفة وبأخلاقيات مختلفة »، وخاض الرفيق الدكتور خالد فؤاد مرسي معارك شهيرة ضد جشع التجار والمستوردين وبدايات الرأسمالية الطفيلية وتجار الشواربي الذين أذهلهم أن يقف في وجههم وزير صامد لا يتردد ولا يرتشي. وأخيرا رحل من الوزارة ..وكان يجب أن يرحل فقد كان عكس ما أراده السادات وعكس ما خطط له. كان الرفيق خالد يريد مصر أخري غير مصر التي أرادها السادات فتخلصوا منه. أما هو فقد أجاب عن سؤال «ماذا كان شعورك بعد إن تخلصوا منك؟ فقال «تنفست بعمق، أنه ذات الشعور الذي أحسست به عندما خرجت من السجن» (في حواره معي). دخل الوزارة فقيرا وخرج أكثر فقرا. وتفرغ للكتابة والدراسة حتي جاءت فكرة تأسيس منبر اليسار فكان موجوداً منذ اليوم الأول وشريكا في إعداد وثائق المنبر التي أعلن بموجبها، والتي يمكن القول أنها أول وثيقة متكاملة لحزب يساري علني. ويشاركنا فؤاد مرسي عبء النضال التجمعي والذي كان شديداً وقاسياً. ويعود إلي السجن في سبتمبر 1981. ليخرج أكثر قدرة وتألقاً.. حتي يرحل. أما كتبه ودراساته فتبقي كمنبع لفكر اقتصادي واجتماعي يساري منفتح وشديد العمق.. ولعلها تمنحه الحق في هتاف «عاش الرفيق خالد ألف عام».