قبل أن تدور ماكينة كأس العالم لكرة القدم في البرازيل، أعد ستيفان شيمانسكي استاذ إدارة الرياضة بجامعة ميتشيجان، دراسة عن كرة القدم وآليات السوق، في مجلة التنمية الدولية، الصادرة عن صندوق النقد الدولي. ويقارن بين الدوري الأوربي والدوري الأمريكي من الناحية الاقتصادية. ويشير إلى أن التركيز على نجوم كرة القدم المعروفين مثل ليونيل ميسي، كريستيانو رونالدو، في كأس العالم، وكما سيخلق الحدث أيضا عدة لاعبين جدد من أصحاب الملايين، حيث سيحصل لاعبون يعملون حاليا لأندية صغيرة على عقود مغرية مع أندية عملاقة. سوق أوروبا وترصد الدراسة زيادة الانتقال الدولي للاعبين في سوق عمل كرة القدم في أوروبا بصورة ملحوظة في العقدين الماضيين. فعدد العمالة الوافدة في سوق كرة القدم الأوربية اليوم أكثر من ثلث مجموع اللاعبين، يتجاوز بكثير عددها في سوق العمل الأوربية الأوسع نطاقا، حيث لا يشكل الأجانب سوى 7% من القوة العاملة، ويمثل هذا التدويل عاملا رئيسيا في نجاح كرة القدم الأوربية. التطور المبكر إذا كانت كرة القدم هي لعبة العالم، فمن الصحيح أيضا أن أكبر الفِرق والأسواق بالنسبة للموهوبين في هذه اللعبة موجودة في أوروبا. ووفقا ل «الفيفا» يوجد نحو 311 ألف لاعب كرة قدم محترف على مستوى العالم2006 عام، يعمل 60 ألفا منهم داخل اتحاد الرابطات الأوروبية لكرة القدم. ووفقا لحسابات الاتحاد، بلغ دخل كرة القدم الأوروبية في عام 2011 نحو 16 مليار يورو، منها نحو 7 مليارات يورو تم دفعها كأجور. وترصد الدراسة طرق احتراف اللاعبين، ففي البداية كان اللاعبون الذين يتم شراؤهم بمبالغ أكبر يغيرون الفرق التي يلعبون فيها بشكل متكرر خلال الموسم الواحد. غير أن الأندية وضعت نظاما لانتقال اللاعبين يلزم كل لاعب محترف بالتسجيل لدى أحد الأندية. ويكون التسجيل ملكا للنادي، ولا يستطيع اللاعب اللعب لناد آخر إلى أن يتم نقل تسجيله. وكان النادي يحتفظ بالتسجيل إلى الأبد إلا إذا اختار أن يبيعه. وهذا النظام قد ضمن أساسا استمرار انخفاض مرتبات اللاعبين. وفي الستينيات، بدأ اللاعبون يحصلون على مزيد من الحقوق، مثل حرية الانتقال عند انتهاء عقودهم. وقد أصبحت الهجرة الدولية للاعبين جزءا مهما من لعبة كرة القدم اعتبارا من الخمسينيات. فاللاعب الأرجنتيني ألفريدو ديستيفانو واللاعب المجري فيرينك بوشكاش كانا العمودين الفقريين لنادي ريال مدريد، أحد أقوى الأندية في تلك الفترة، وفي الستينيات، سعت الفرق الإسبانية والإيطالية إلى اجتذاب أفضل اللاعبين من أوروبا وأمريكا الجنوبية. ولكن كان التنقل محليا في معظمه حتى التسعينيات. وأدت زيادة التنافس أيضا إلى زيادة التعطش للمواهب الدولية. ففي عام 1992 ، لم يكن عدد اللاعبين الأجانب في الدوري الإنجليزي الممتاز يزيد على تسعة لاعبين، ولكن بحلول عام 2013 ارتفع هذا العدد إلى 290 لاعبا، يمثلون ثلثي جميع لاعبي كرة القدم. وفي حين تقل هذه الأرقام الكبيرة بالنسبة لمسابقات الدوري الأوروبي الأخرى، تبلغ نسبة اللاعبين الأجانب في ألمانيا نحو 50 % وفي إسبانيا نحو 40 %. حكم بوسمان ساهم إلغاء القواعد التنظيمية بدرجة كبيرة في تنويع سوق العمالة في مجال كرة القدم الأوروبية. فمؤسسات الرياضة هي اتحادات خاصة، وبالتالي فإن لديها قدرا كبيرا من الحرية لوضع قواعدها ولوائحها دون تدخل من الحكومة. غير أن اتفاقات العمل التقييدية يمكن أن تنتهك النظام القانوني، كما حدث في «حكم بوسمان » التاريخي. وكان عقد اللاعب البلجيكي جان مارك بوسمان في نادي لياج البلجيكي قد انتهى، وكان الفريق الفرنسي دونكارك يريد ضمه إليه وكان هو يريد الانتقال. وعرض دونكارك دفع رسم انتقال لتسجيله القدم الذي كان حسب القواعد آنذاك لا يزال ملكا لفريق لياج. واعتبر لياج أن العرض غير كاف، وبالتالي لم يتمكن بوسمان من الانتقال. ورفع بوسمان دعوى، وذهبت الدعوى لمحكمة العدل الأوروبية. وفي عام 1995 حكمت المحكمة بأن قواعد نظام انتقال اللاعبين بشأن حرية انتقال العمالة تخالف قوانين الاتحاد الأوروبي،وقد رأى كثيرون أن هذا الحكم قد يسَّر حدوث زيادة كبيرة في هجرة اللاعبين عبر الحدود. تعديلات جديدة ونتيجة لذلك، أدخلت تعديات كبيرة على القواعد التنظيمية التي تحكم انتقال اللاعبين بالتفاوض مع المفوضية الأوروبية. ومنذ ذلك الحين، اقتصر تطبيق رسوم الانتقال على اللاعبين الذين لم تنقض عقودهم، باستثناء من تقل أعمارهم عن 23 سنة، للتعويض عن التدريب. ويجب على الأندية المشاركة في مسابقة اتحاد الرابطات الأوروبية لكرة القدم ألا يقل عدد لاعبيها الذين نشأوا فيها عن ثمانية، منهم أربعة على الأقل يدربهم النادي نفسه، وأربعة آخرون من المنتخب الوطني. وتم كسر الرقم القياسي لمرسم الانتقال عدة مرات، كان أحدثها في عام 2013 ، حين انتقل غاريت بيل لاعب توتنام، ولا يزال في عقده ثاث سنوات، إلى ريال مدريد مقابل رسم انتقال 100 مليون يورو. ويواجه عدد كبير من الأندية صعوبات مالية كبيرة، غير أن ذلك كان الحال دائما في كرة القدم، ومع ذلك قلما تخرج الأندية من السوق. وبدلا من ذلك، يقوم باستيعاب خسائرها رعاة باحثون عن الوجاهة، أثرياء، يستمتعون بالوجاهة الكبيرة التي تعود عليها من امتلاك أحد أندية كرة القدم. كفاءة سوق العمل رغم كل النجاح الواضح الذي حققته كرة القدم الأوروبية بسوقها المرنة للعمالة، تظل هناك صعوبة أكبر في تقييم كفاءتها الاقتصادية. وفي المتوسط هناك ارتباط قوي بين الإنفاق على الأجور ونجاح الفريق بالنسبة لأكبر مسابقتين لدوري كرة القدم الإنجليزية على مدى العقدين الماضيين. وهناك أسباب كثيرة تدعو إلى الاعتقاد بأن هذه العلاقة سببية، فاللاعبون يتداولون في السوق على نطاق واسع ومفتوح، ومميزات كل لاعب معروفة بدرجة كبيرة ، وأفضل اللاعبين غالبا ما يحققون لأنديتهم الفوز بمباريات أكثر، والفرق التي تفوز تولد دخلا أعلى. ومن بعض الجوانب، يمثل سوق العمل الكروي نموذجا للمنافسة التامة. الحفاظ على الجماهير تشير البيانات ضمنا إلى أن اللاعبين يتم تسعيرهم ، في المتوسط، بكفاءة في السوق، بمعنى أن الأجر المدفوع لهم يتناسب مع نجاح الفريق. وبدرجة أقل من الوضوح تتسم هذه النتيجة بالكفاءة بالنسبة لكرة القدم الأوروبية ككل. ومن منظور اقتصادي، ينبغي أن ينتقل اللاعبون إلى فرق يكون «ناتجهم الإيرادي الحدي » فيها أكبر ما يكون، أي يمكنهم فيها تقديم أكبر مساهمة ممكنة لنجاح الفريق. ويكون إسهام تحقيق الفوز في الإيراد بوضوح أعلى ما يكون في عدد أقل من الأندية التي جرت العادة على صدارتها في مسابقات الدوري الوطنية، غير أن عددا كبيرا من الاقتصاديين يقول إن هيمنة عدد قليل من الفرق بشكل دائم على الدوري تتعارض مع الكفاءة. ويرون أنه من اللازم أن تكون هناك درجة من «التوازن في المنافسة » لجعل مسابقة الدوري جذابة، وإلا فلن تكون هناك حالة من عدم اليقين بشأن النتيجة، وفي هذه الحالة تفقد الجماهير اهتمامها، حتى بالفرق الناجحة. ومن منظور سوق العمل، يشير ذلك إلى أن الأندية المهيمنة لديها حافز لزيادة الاستثمار في المواهب نسبة لمصلحة الدوري والجماهير، وأن الأندية الأصغر تختار أن تستثمر بدرجة أقل. وبناء على ذلك، يكون توزيع اللاعبين في سوق غير مقيدة غير كفء من الناحية الاجتماعية، فالأندية الكبيرة ستكون أقوى من اللازم والأندية الصغيرة أضعف من اللازم. الدوري الأمريكي ويعرض» ستيفان شيمانسكي» تجربة الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث قامت الأجهزة المعنية بدوري الألعاب الرياضية الاحترافية باعتماد طائفة واسعة من الآليات لتحقيق المساواة في التنافس. وعلى سبيل المثال، ففي الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية، وهو الدوري الرياضي الأكثر ربحية في العالم، يؤول 40 % من إيراد المباراة إلى الفريق الزائر، ويتم تقاسم جميع الإيرادات المتأتية من إذاعة المباريات وبيع بضائع متصلة بها بالتساوي بين فرق الدوري البالغ عددها 32 فريقا. وهناك حد أقصى للمرتبات يضع حدا للمبالغ التي يمكن أن تنفقها الفرق على اللاعبين، وحد أدنى للمرتبات يحدد المقدار الأدنى. إضافة إلى نظامٌ للقرعة يكافئ الفريق صاحب الأداء الأسوأ في الدوري بالاختيار الأول من اللاعبين الموهوبين الجدد. وتهدف كل هذه القواعد إلى تحقيق المساواة في التنافس، ويقول مسؤولو الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية بفخر «إنه في أي يوم من أيام الأحد، يمكن لأي فريق أن يفوز » ولا يوجد تقريبا ارتباط بين الإنفاق على الأجور وأداء الفريق، لأنه لا توجد تقريبا فروق في الإنفاق على الأجور وهناك تباين مدهش في الأدلة التي تشير إلى نجاح النظم المماثلة للنظام الذي يتبعه الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية، ذلك أن النظام الأوروبي، بافتقاره الكبير إلى التوازن، لا يزال يولد قدرا كبيرا من اهتمام الجماهير . غير أن القواعد المفروضة لتحقيق التوازن في التنافس غالبا ما تقيد الأجور وتنقل العمالة. ويسمح نظام القرعة الذي يتبعه دوري كرة القدم الأمريكية بأن يحصل فريق واحد على حقوق حصرية للمساومة، مثلا، عندما يكون اللاعبون الداخلون في الدوري مقيدين بعقد مدته أربع سنوات. وإذا ما تبين أن أداء أحد اللاعبين أفضل بكثير من المتوقع، فيوجد أمامه احتمال كبير بالدخول في صفقة أفضل إلى أن تنتهي السنوات الأربع. وقد جرى التوصل إلى هذا النظام بالتفاوض مع نقابة اللاعبين، التي تؤمِّن في المقابل الاتفاقات بشأن الحد الأدنى من الأحكام والشروط. ونتيجة لهذه القيود، تتمكن فرق الدوري الأمريكي من تحقيق أرباح ويشعر اللاعبون بالأمن. وفي المقابل، نجد أن الأندية في أوروبا غير ربحية إلى حد كبير، ويقول الاتحاد الدولي للاعبي كرة القدم المحترفين، وهو نقابة اللاعبين، إن عددا كبيرا من اللاعبين لا يتقاضون أجورهم