يعد الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى أحد الأصوات التنويرية التى تسعى دائما إلى إحياء ثقافة التنوير فى المجتمع من خلال مؤلفاته ومقالاته التى يؤكد – من خلالها – أن الهوية المصرية هى الركيزة الأساسية التى ينبنى عليها أى مشروع إصلاحي. ويرى «حجازي» أن الثقافة المصرية أصيبت فى مقتل خلال السنوات الماضية نظرا لغياب دور المثقف فى الشارع. * كيف تنظر إلى رحلتك الممتدة مع الشعر والثقافة بوجه عام؟ ** أنظر إلى هذه الرحلة بقدر من الرضا لكن أعلم أنى كنت أستطيع أن أصنع أكثر وأقدم أكثر لو أنى كنت قد تخلصت من بعض العيوب. ولو أن الظروف كانت مساعدة أكثر لكن بشكل عام أنا راض لأنى حاولت أن أعمل بتأثير قيمتين أساسيتين: القيمة الأولى هى الصدق، والقيمة الأخرى هى الإتقان. الصدق يصنع القدرة على مواجهة النفس ونقد الذات وبالتالى التحسين فى المرة القادمة والتجارب التالية واستكمالها وهذا ما يفعله الإتقان. فى العمل الثقافى لا يوجد منتهى للعمل مهما بلغت روعة القصيدة تظل أيضا مفتوحة على ما هو أروع. فى كتابة المقالة – دائما – أنا حريص على ألا تكون بعيدة عن القصيدة، فهى ليست مجالا لسرد المعلومات أو لمناقشة القضايا فقط، فلابد أن تكون مبدعة لأنها كتابة. اللحظة الراهنة * اللحظة الراهنة بحاجة إلى مثقف عضوى يتفاعل مع أحداث وقضايا المجتمع ويطرح حلولا للخروج من الأزمات، فمتى يوجد هذا النموذج عندنا؟ ** هذا النموذج ما تسميه المثقف العضوى أنا أسميه المثقف صاحب السلطة وأتحدث فى مقالتى منذ فترة طويلة عن سلطة المثقف وسلطة الثقافة حين لا تكون الثقافة مجرد أفكار ونشاط جمالي، بل تكون ضرورة حياتية مثل الطعام لابد أن يفكر الإنسان حتى يعيش الثقافة هنا تتصل بالتفكير والنطق وهو ما يميز الإنسان. المثقف العضوى لابد أن يكون حرا لا يستطيع المثقف أن يمارس دوره إلا إذا كان حرا لأن فكرة الحرية مرتبطة بالمسئولية. وحول هذه المسألة بالتحديد يمكن أن نتحدث عن محمد عبده، فهو الذى كتب لعرابى وقادة الثورة العرابية برنامجهم السياسى وتحمل النتائج ونفي، وهو أيضا سعد زغلول، فهو كاتب من كتاب جريدة الوقائع، وكذلك طه حسين وعلى عبدالرازق لم يكتفوا بالكتابة لكنهم شاركوا فى التغيير على أكثر من مستوى اجتماعيا وسياسيا. * لماذا تراجع دور هذا المثقف المشارك فى الفعل؟ ** تراجع لأن التفكير والعمل الثقافى كان محنة عشناها طوال العقود الستة الماضية، عشرات المثقفين زج بهم فى السجون وفصلوا من وظائفهم وعملهم، ومنعوا من الكتابة، وتعرضوا للاغتيال كما حدث لفرج فودة ونجيب محفوظ. طيلة العقود الستة الماضية منذ 1952، نعم: كان هناك أوبرا وأكاديمية فنون وفرق مسرحية متعددة، لكن المثقف الفاعل، لم يعد موجودا كان هناك فقط المثقف الخادم الذى يكتفى بالتزيين والتجميل أما نموذج المثقف الذى يقود مثل «سارتر» الذى كان يقود الطلاب والعمال فى فرنسا عام 1958، نحن فى أمس الحاجة إليه الآن بعد الثورة. مستقبل الثقافة * فى كتابك «الثقافة ليست بخير» طرحت العديد من الأسئلة حول مستقبل الثقافة فى مصر – بعد الثورة – هل مازلت على رأيك أن «الثقافة ليست بخير»؟ ** مازالت الثقافة ليست بخير حتى الآن والدليل على ذلك ما نراه. الفطرة المصرية والفطرة الإنسانية عامة يمكن أن تصنع المعجزات كما حدث فى ثورة يناير وثورة 30 يونيو، لكن الثقافة السائدة غير الفطرة، هى التى ظهرت بشكل مأساوى فى الشارع فقد ظلت تنمو وتزيح ثقافة النهضة فأصبحت موجودة فى كل شيء، على ألسنة الناس، وفى الصحف حتى فى أسماء المصريين، وأسماء المحلات.. هذه الثقافة التى دهنت مصر كلها بأفكار حسن البنا وسيد قطب، هى الثقافة السائدة الآن، وتظهر فى مظاهرات الطلبة والجامعات الإرهابية فى كل مكان. صناعة التنوير * كيف ترى الخروج من هذه الأزمة؟ ** الخروج من هذه الثقافة لا يكون إلا بثقافة أخري، صناعتها تأتى أولا بعدة أمور منها أن نعتبر أن ثقافة النهضة أسست ما صنعناه من «الطهطاوي» حتى عبدالرحمن الشرقاوى ولويس عوض كل ذلك لم يعد له تأثير لا أحد يذكر هؤلاء الآن، لا أحد يتحدث عن هؤلاء الرواد، إنهم محاصرون عمليات الاعتقال لم تطل الأحياء فقط بل طالت الراحلين، سلطت عليهم أجهزة مرتشية منحطة. لابد أن نعتبر هذه الثقافة التى حصلناها خلال قرن ونصف نحتاج أولا لإحيائها، ويتم ذلك من خلال مشروع قومي، ليست مهمة إدارة أو وزارة أو حكومة، لكن مشروع تساهم فيه البلاد كلها الحكومة والمجتمع، يبدأ بالمدرسة الابتدائية حتى نصل إلى الدراسة الجامعية ولابد أن يكون ما نراعيه فى التعليم نراعيه فى الإعلام والثقافة.. وأن نعتبر أنفسنا فى جهاد وطنى لمدة عشر سنوات نجدد فيها ثقافتنا ونهضتنا.