وكأنه كتب علينا في مصر أن نبدأ من جديد دائما…. وألا نتجاوز البدايات لنري الآفاق الجديدة.. هكذا فجرت "بروموهات" دور العرض السينمائي المصرية عن فيلم جديد مفترض أن يبدأ عرضه يوم 26 مارس الحالي أزمة جديدة قديمة تقفز في وجوهنا كل فترة.. لا بل كل عامين الآن.. وربما ستقل المدة إذا نظرنا لما هو قادم في علاقة السينما بتقديم قصص الانبياء وسيرتهم.. الفيلم الجديد الذي فجر الأزمة هو فيلم (نوح) الأمريكي اخراج "دارين أرونوفسكي" وبطولة "راسل كرو" وبالطبع فإننا أمام فيلم يستمد مادته الأصلية من قصة حظت بالكثير من الاهتمام خاصة أنها مذكورة في التوراة والانجيل والقرآن.. أى أننا أمام قصة نبي شديدة التفرد فيما تمثله من معان، وفيما تتناوله من خلال سفينة نوح التي احتمي بها الاتقياء بعيدا عن الفساد.. الشخصية إذن وتخص الديانات السماوية الثلاث، ولكن بمجرد وصول خبر الفيلم إلي الأزهر اعترض علي عرضه، وطالب بمنعه، ووصل الأمر بأحد أعضاء هيئة كبار العلماء به، وهو الدكتور محمود مهني، إلي المطالبة بإحراق دور العرض التي قد تعرض الفيلم.. وهدمها. ومن جهة أخري، أصدرت "جبهة الابداع" بيانا حول بيان الأزهر أوضحت فيه أن ما صرح به الأزهر هو تعد علي دور جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية الجهة الرسمية لقبول ورفض عرض الافلام السينمائية في مصر. مؤكدا علي أن فكرة تحريم وتصوير الانبياء والصحابة في الاعمال الفنية لا تتعدي اجتهادا من الشيوخ والفقهاء لا يساندها نص قرآني واحد أو حديث شريف ينهي عن ذلك بوضوح، وهو ما رد عليه د. أحمد كريمة استاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية قائلا: "أن تحريم تجسيد وتشخيص الرسل والانبياء في الأعمال الفنية ممنوع بناء علي قرار مجمع البحوث الإسلامية عام 1963" مؤكدا علي أن هذا القرار اجتهاد جاء بناء علي اجماع لعلماء الأزهر. خطابات رسمية للمنع الأزمة لم تتوقف، وانما تزايدت بإعلان وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان- كما نشر في موقع اليوم السابع الرابعة ظهر الأحد- بإرسال خطابات رسمية لوزيرة الإعلام درية شرف الدين ووزير الثقافة صابر عرب مطالبا فيه بالتصدي لعرض الفيلم في دور العرض المصرية لمخالفته الرأي الشرعي، وقبلها بدقائق أورد نفس الموقع استنكار الأزهر لما نسب لأحد اعضائه من الدعوة لهدم دور السينما التي ستعرض الفيلم مؤكدا رفضه "استخدام العنف أو اقراره أو الدعوة إليه" ومؤكدا أيضا علي أن مسئولية منع عرض هذه الأعمال من اختصاص وزارتي الإعلام والثقافة وليست من اختصاصه. لماذا لا ترونه أولا؟ من جهة ثالثة، طالب مسئول الأفلام الأجنبية بجهاز الرقابة عبد الستار فتحي، أي جهة تطالب بحظر الفيلم في مصر أن تشاهده أولا قبل الاعتراض أو إبداء الرأي مؤكدا أن حالة الجدل مصدرها أساسا المعلومات الشائكة حول تناول الفيلم لشخصية النبي نوح بينما لا يقول الفيلم هذا ولم يذكر أن (نوح) رسول.. ومن المؤكد أن أمور وتصريحات عديدة سوف تتوالي، ولكن السؤال هو : وماذا يفعل المعترضون حين يفتحون الشبكة الالكترونية ويحملون الفيلم كاملا من مواقعه لرؤيته؟ .. ثم لماذا يعترض علماء الأزهر مؤكدين علي أن قرار المنع عام 1963 كان اجتهادا بينما الاجتهاد مفتوح وإنما في إطار مستجدات العصر، ففي عام 1963 لم يكن البث الفضائي موجودا ولا شبكة المعلومات الالكترونية (الإنترنت)، وبالتالي كان المنع يعني القدرة علي تنفيذه، ولهذا منع فيلم (الرسالة) لمصطفي العقاد لمدة 15 عاما حتي قبل الافراج عنه من خلال الازهر ايضا، ليكتشف الملايين من خلاله كيف يدعم الفن الراقي رسالة الاديان وقيمها، ومنذ عقد من الزمان عرض فيلم (الآلام) في دور العرض السينمائي بمصر عن صلب السيد المسيح وشاهده الملايين من المصريين المسلمين وهم يدركون جيدا أن ما يرونه لا يعبر عن عقيدتهم، لكنه يعبر عن آلام وحشية تعرض لها مجرد إنسان.. في إطار سياق تاريخي.. أما عام 2008 فقد رأي ملايين المصريين والعرب مسلسل (مريم المقدسة) الإيراني عن قصة السيدة مريم العذراء، وبعدها بعام واحد رأي الملايين مسلسل آخر عن قصة النبي يوسف بعنوان (يوسف الصديق) انتجته إيران ايضا وحظى بمتابعة واسعة في مصر عبر الفضائيات، وفي عام 2010 جاء الإنتاج هذه المرة من الكويت لقصة (الحسن والحسين) التي رأيناها طوال شهر رمضان من خلال مسلسل زيلته اسماء عدد من العلماء الذين راجعوه، وبعدها 2011 عرض المسلسل الكبير (عمر) عن حياة الخليفة عمر بن الخطاب بإنتاج سعودي وفريق عمل عربي وأجنبي وايضا جاء موقعا بموافقة فريق من علماء الدين الذين لم يروا في تقديمه عيبا وبرغم اعتراض الازهر عليه هنا في مصر، أما المفاجأة الاحدث فهو انتهاء السينما الإيرانية من انتاج فيلم عن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ومن اخراج المخرج الكبير مجيد مجيدى، وحيث طيرت وكالات الانباء ما معناه أن كتابة الفيلم والاتفاق علي محتواه الفكري استغرقت ثلاث سنوات قبل أن يبدأ التصوير الذي انتهي ويجري الآن علي الخطوات الأخيرة في الفيلم ليكون جاهزا للعرض، فما هي القضية التي نتحدث عنها اذن؟ واليس الاجدي بالاهتمام والصراع هو رؤية هذه الاعمال قبل التحذير منها أو المطالبة بمنعها.. أو .. الاشادة بها وبما اضافته للمؤمنين من تأثيرات تجعلهم اشد إيمانا واعتزازا بعقائدهم.