لكي نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية دون عواطف، فإن ما حدث منذ أيام ليس عودة شركة عمر أفندي للمصريين فقد ضاعت الشركة من مصر منذ حوالي 4 سنوات .. أما الذي حدث مؤخرا فهو بيعٌ بين شركةٍ يرأس مجلس إدارتها سعودي وشركةٍ يرأس مجلس إدارتها مصري يمتلك هو ووالدته 45% من أسهمها ويمتلك باقي الأسهم (55%) عشرات الآلاف من المساهمين متعددي الجنسيات والأسهم كلها متاحة في البورصة ولا قيد علي حرية بيعها لأي جنسية .. الاختلاف الواضح الآن بين الرجلين هو اللغة التي يخاطب المشتري الجديد بها مشاعر المصريين ونأمل أن تتطابق أفعاله مع أعماله، فيديرالشركة إدارةً علميةً متميزة فيربح وتربح معه مصر .. ويعيد الشركة كما كانت منفذاً فريداً للصناعة الوطنية (خاصةً وعامة) لا للمنتجات الصينية .. وأن يراعي الله في النصف الباقي من العاملين فيحسن توظيف قدراتهم فيربح بهم ويربحون معه (أما النصف الذي انضم لطابور البطالة فلهم الله وليكن عزاؤهم أن ما حدث لهم كان ثمناً بسيطاً لتحتل مصر أحد المناصب الرفيعة في البنك الدولي!). والمهم في البيع الثاني لعمر أفندي أنه جاء كاشفاً لفساد البيع الأول .. فالمشتري الجديد قام بشراء شركة عمر أفندي المحطمة والخاسرة بأكثر كثيراً من ضعف الثمن الذي باعت به الحكومة شركة عمر أفندي الرابحة والمتلألئة منذ أربع سنوات (وليس نصف الثمن كما قال ممثل القنيبط). إذ أنه بافتراض أن الرقم المعلن للصفقة الجديدة ليس جزءاً من تسويةٍ أخري بين الطرفين في المملكة العربية السعودية حيث تتمركز معظم أعمالهما، فإن ما أُعلن حتي الآن أن ثمن الشراء في البورصة 320 مليون جنيه يضاف إليه أكثر من 600 مليون جنيه قيمة الديون للبنوك والضرائب ومستحقات الموردين المتأخرة ليكون الثمن حوالي مليار جنيه، فضلاً عن مجمع خسائر حوالي 350 مليون جنيه، أي أن المشتري الجديد يعرف القيمة الحقيقية لعمر أفندي (رغم حالته المتدهورة حالياً) بأكثر مما قدّره عتاولة أمانة السياسات (عمداً أو جهلاً) وقت أن كان في أيديهم شركةً رابحةً. فمنذ أربع سنواتٍ بالضبط (2 نوفمبر 2006) ارتكبت الحكومة فعلاً فاضحاً بتوقيع عقدٍ هزلي ببيع 90% من أسهم شركة عمر أفندي لشركة أنوال السعودية التي يملكها جميل القنيبط وآخرون، بمبلغ ظاهري 590 مليون جنيه فقط ، فإذا خصمنا من المبلغ مامنحته الدولة للمشتري من بضائع مشتراة لغرض البيع وليست مخزوناً راكداً (120 مليونا) فضلاً عن الأقساط المستحقة لدي العملاء(180 مليونا) يكون ما دفعه القنيبط فعلياً 290 مليون جنيه فقط .. وكل ما حدث ويحدث من وقتها حتي صفقة الأسبوع الماضي هو مسلسلٌ من الجهود الحكومية المضنية للتستر علي الفضيحة الأصلية .. ولو بُذلت نصف هذه الجهود لإصلاح الخطأ ومحاسبة المخطئين لكان أجدي .. وصفقة «عمر أفندي» الأولي (من الدولة للقنيبط) هي الصفقة الوحيدة في تاريخ الخصخصة التي فاحت روائحها قبل أن تتم ومع ذلك فقد كان هناك إصرارٌ مريبٌ علي البيع لهذا المشتري بالذات.