أثارت الزيارة الأخيرة " لكيري " وزير الخارجية الأمريكي للقاهرة والتي يبدو أنها مرحب بها من القادة العسكريين في مصر. انتقادات حادة من مختلف الإنتماءات السياسية, مثل "المحافظون الجدد" والتدخل الليبرالي الذين انتقدوا البيت الأبيض لفشله في الدفاع عن مبادئ الديمقراطية، وعدم وضوح سياسته تجاه مصر . فلقد نجحت حكومة الولاياتالمتحدة في إستعداء جميع العناصر السياسية علي الساحة سواء من إسلاميين أو ليبراليين أو من العسكريين وكثير من عامة الشعب. ليس هناك شك أن السياسة الأمريكية تجاه مصر خصوصا, وتجاه الأضطرابات السياسية في الشرق الأوسط، عموما ينقصها التوجيه. ومع ذلك تنتهج إدارة أوباما سياسة العمل مع وليس ضد الجيش , وتتخلي بشكل أساسي عن أي جهد جاد في الإصلاح الديمقراطي حتي وإن كان منطقيا أو ضروريا. التهديد الجوهري ولا توجد أي وسيلة في الوقت الراهن تملكها واشنطن ويمكنها أن يكون لها أي تأثير مهم علي المسار السياسي في مصر . فقادة الجيش يتمتعون بتأييد وثقة قطاع عريض من الشعب المصري الذي أتخذ قرارا في وقت مبكر من هذا العام بأن محمد مرسي والإخوان المسلمين يشكلون تهديدا جوهريا علي مصر ومستقبلها . فتحرك الجيش لم يكن من أجل الاستيلاء علي السلطة، بالرغم من أن الفريق عبد الفتاح السيسي وغيره من النخب العسكرية يمثلون كادرا لديه إمتيازات من الحماية . كما إن تحرك الجيش لم يكن مجرد مناورة مؤقتة بل كان تحركا إستراتيجيا . وفي ظل تلك الظروف كان الصراع صراع حياة أو موت لروح مصر , ولم يكن هناك تأثير يذكر للنصيحة أو المشورة الأمريكية , سواء قامت الولاياتالمتحدة بمد مساعدتها، أو قطعها لمصر فلن يكون لها تأثير كبير , خاصة عندما يفكر من في السلطة إن مستقبل بلدهم علي المحك . لم تتجه مصر إلي أي شكل ذي مغزي ديمقراطي، بالإضافة إلي عدم وجود زخم لأمريكا . فعلي مدي السنوات العديدة الماضية وقعت البلاد في أيدي أثنين من القوي الأقل ديمقراطية " الأخوان والجيش " لأن قوي المعارضة الليبرالية والعلمانية التي دفعت بالمظاهرات إلي ميدان التحرير والتي أسقطت الرئيس حسني مبارك في عام 2011 غير قادرة علي تنظيم فعال لتقديم وسيلة ثالثة . ولهذا لا يمكن لأي قدر من الضغط الخارجي أن يغير هذا الواقع . فرغم تنحي مبارك ,لكن مازالت الدولة البيروقراطية التي كان يحكمها موجودة ومحتفظة بكيانها. وعلي الرغم من إيماننا بالإنتخابات وأملنا في نهاية ديمقراطية علي غرار هوليوود ، إلا إنه ليس هناك الكثير الذي يمكن القيام به لتغيير ذلك . صرخة من القلب الولاياتالمتحدة يمكنها الثبات علي المبدأ, والقيام بقطع المساعدات والبدء في حملة متواصلة من الضغوط الخارجية . ولكنها لا تتوق إلي مصادمات مع واقع أكثر تبعية . فالجيش هو القوة المهيمنة في البلاد ومن المرجح أن يظل كذلك . ففي غياب الجيش . هناك احتمال حقيقي إن أكبر وأهم دولة في العالم العربي " بلد ال90 مليون نسمة " تخرج عن نطاق السيطرة ,فهذه ليست " صرخة من القلب " من نوعية الاستقرار الكاذب الذي في نهاية المطاف أسقط الرئيس مبارك أو رثاء أكثر علي المستبدين الذين سقطوا . بل هو اعتراف بالصعوبات الحالية التي تواجه نفوذ الولاياتالمتحدة . العداوة التاريخية دعونا نتذكر ماذا كان وراء الجمع بين مصر والولاياتالمتحدة في المقام الأول . بالطبع ليس إنبهارا بالسياسة العربية ولا دعما للإصلاح الديمقراطي ولكن بسبب العداوة التاريخية بين مصر و إسرائيل . فكانت المساعدات الإقتصادية والعسكرية الأمريكية لمصر ثمرة مباشرة لإتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لاحقا . فمازالت الولاياتالمتحدة عاملا مهما فيما تبقي من العلاقة الثلاثية , ولكن في هذه الأيام مصر وإسرائيل تتعاونان بشكل وثيق جدا . كما أن المعاهدة بقدر أهميتها لمصر مهمة كذلك لإسرائيل . ومع هذا إذا أراد السيد "كيري " فرصة لتحقيق إنفراجة في المحادثات الإسرائيلية _ الفلسطينية. إضافة إلي إنه لا يستطيع تحمل رؤية ضعف الرابط المصري الإسرائيلي, أوأن الولاياتالمتحدة تريد أن تنأي بنفسها عن إسرائيل الشريك الأساسي في معاهدة السلام, فنتيجة هذا إن أي إتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين سيتطلب دورا أمريكيا أكبر مما كان عليه في العملية المصرية الإسرائيلية . فالولاياتالمتحدة دائما ما تتدخل عندما يتعلق الأمر بمصر . وعلي الرغم من تجميد واشنطن المؤقت مساعدتها لمصر في الفترة الأخيرة. فمازال هناك مساعدات قدرها 1,3 مليار دولار لمجموعة من الجنرالات الذين لم ولن يكونوا من الديمقراطيين . كما يجب أن نستمر في الضغط علي الفريق السيسي لنري من خلال خارطة الطريق الخاصة به الإنتخابات البرلمانية والرئاسية . وعلينا أن نتقبل إنها قد لاترتقي إلي ما نحن عليه من ديمقراطية مثالية . فإذا قرر الفريق السيسي خلع زيه العسكري والترشح للرئاسة . فلن نملك حتي ذريعة خارطة الطريق للإصلاح الحقيقي للتستر خلفها . لقد وقعنا في فخ الاستثمار في مصر . ولا يوجد في الوقت الحالي وسيلة للخروج . فنحن بحاجة ببساطة إلي إدراك أن قيمنا ومصالحنا قد تكون علي المحك هناك .وكلما أسرعنا في تقبل هذا الواقع كان من السهل أن تتصالح مع المفارقات والمتناقضات التي تحدد سياستنا . بقلم آرون ديفيد ميلر نائب رئيس مركز ودرو ويلسون الدولي للباحثين نقلا عن انترناشيونال نيويورك تايمز