لماذا تصر حكومتنا الرعناء على سياسة «البطة العرجاء»؟ سبق أن نددنا_في مقالات بصحيفة الأهالي_بحكومة الببلاوي – خففت الأستاذة فريدة النقاش من حدتها-لا لشيء إلا لأنها حكومة "لا ثورية".و كررنا_في تلك المقالات_عبارة شهيرة لأحد قادة الثورة الفرنسية"سان جوست"مفادها أن"تحقيق أهداف الثورة لا يمكن أن تتم دون حكومة ثورية".لم يكن"سان جوست"من فلاسفة و مفكري فرنسا الذين أثاروا بكتاباتهم غضب الشعب الفرنسي و تحريضه على الثورة_من أمثال فولتير و روسو و ديدرو و مونتسكيو و غيرهم_بل كان مواطناً عادياً شارك في الثورة_إبان مدها و جذرها_و وعي دروس الإخفاق,و استوعب الأخطار التي كادت أن تطيح بالثوار و تجهض الثورة,و استخلص من ذلك عبارته الشهيرة التي صارت"أقنومة"نجاح الثورة في فرنسا,ثم في أوروبا عامي 1830 , 1848. تمثلت تلك الأخطار و تبلورت في أمرين أساسيين: * اختيار ثلاث حكومات متتالية من التكنوقراط ترأسها ثلاثة عباقرة في الاقتصاد_على التوالي_هم"ترجو"و"نيكر"و"كالون"و كلهم من"فلول"النظام السابق.و إذ نجحوا إلى حد معقول في إيجاد حلول للأزمة المالية,فقد أخفقوا لكونهم غير ثوريين في مواجهة أخطار الداخل و الخارج. إما الأمر الثاني: فيرجع إلى ما اتبعه هؤلاء الرؤساء من سياسة"الموادعة"و"المصالحة"إزاء قوى"الثورة المضادة"؛بهدف احتوائها و عزلها عن قوى"التحالف الأوروبي الأول"؛دون جدوى.حيث تآمرت تلك القوى جميعاً_في الداخل و الخارج_لإجهاض الثورة و عودة "الملكية"إلى فرنسا,و هو ما تحقق بالفعل. حكومات الثورة كان على الثوار ومعظمهم من"غوغاء"باريس أن يضرموا موجة ثورية أخرى يقودها زعماء منهم لتصحيح مسار الثورة و المضي بها قدماً لتحقيق أهدافها.و قد تحقق ذلك بالفعل؛حيث تشكلت ثلاث حكومات متتالية ترأسها"دانتون"و"روبسيير"و"مارا"على التوالي إذ قادوا سفينة الثورة وسط بحر من الدماء إلى بر الأمان.فأعدموا لويس السادس عشر و زوجته,و شكلوا محاكم ثورية احتزت رقاب أعداء الثورة في الداخل.كما شكلوا لجاناً ثورية للحفاظ على الأمن و إقرار النظام و ضمان أسباب العيش الكريم للشعب.كما نجحوا_باستنان مراسيم و قوانين ثورية_من تجنيد جيش شعبي نجح في هزيمة جيوش عروش الرجعية الأوروبية. لم أستطرد في ذكر تلك المقدمة المطولة إلا للتذكير بدروس التاريخ في مواجهة التحديات التي تواجهها الثورة المصرية حالياً.فبعد قيام ثورة 25 يناير و نجاحها في خلع رئيس النظام الأسبق؛دون اجتثاث جذور النظام نفسه؛تتالت عدة حكومات"لا ثورية"أفضت إلى أيلولة الحكم إلى جماعة الإخوان المسلمين بدعم أمريكي وتواطؤ مع بعض الدول الإقليمية لإجهاض الثورة.لكن الموجة الثورية الثانية في 30 يونيه نجحت في تصحيح المسار بفضل التئام الجيش الوطني مع الشعب الثائر.و مع ذلك؛لم تزل قوى الثورة المضادة في الداخل و الخارج تعمل في دأب على إجهاض الثورة مرة أخرى. و من أسف أن حكومة"الثورة"الحالية ليست ثورية.فرئيسها و أحد نوابه و بعض وزرائه ينتمون إيديولوجياً إلى ما يعرف باسم"الليبرالية الجديدة"؛أو بالأحرى"الرأسمالية المتوحشة"؛و هو ما يؤكد تعويل الحكومة على سياسة"البطة العرجاء"التي تهدد بالقضاء على الثورة. كما و أن بعض الوزراء و مستشاري الرئاسة إما من أعوان نظام"المخلوع"أو نظام"المعزول"؛و هو أمر يثير الهواجس و الشكوك في أن خيوط"مؤامرة"دنيئة يجري نسجها بهدف تدبير"انقلاب ناعم"يجمع بين الولاياتالمتحدة و النظامين السابق و الأسبق لإجهاض الثورة و الإجهاز على الثوار وهذه هى البراهين. * أن الحكومة الحالية طرحت منذ بداية تشكيلها دعوة"المصالحة"مع قوى الثورة المضادة بدلاً من"تطهير"دواوين الدولة و مؤسساتها جميعاً من جماعة الإخوان و ذيولها من الإسلامويين"الحربائيين"الذين هيمنوا عليها من جراء سياسة"التمكين"إبان حكم الرئيس المعزول.و مافتئ هؤلاء يحتلون مواقعهم"المخطوفة",و يشكلون خطراً على الثورة في الداخل و الخارج على السواء.و حسبنا أن سفاراتنا في الخارج تكتظ بالكثيرين منهم؛حيث يشكلون"همزة وصل"مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الذي يعهد إليهم بإشاعة"تلويث"الثورة بالافتراءات بين نظرائهم من الدبلوماسيين الأجانب من ناحية,و تكليفهم بإيصال مخططات التنظيم الدولي إلى قادة الجماعة ضد الثورة و الثوار؛من ناحية أخرى . احتشاد في الجامعات و على الصعيد الداخلي؛نذكر_على سبيل المثال_أن الجامعات المصرية تحوي نحو ألف و ثمانمائة إخواني من أعضاء هيئة التدريس مازالوا يحضون الطلبة الإسلامويين على التظاهر و الاعتصام بهدف إيقاف العمل الدراسي,و إظهار عجز الدولة في التصدي لمواجهتهم. كما نتساءل بصدد رحلة هذا النائب"المحترم"إلى أمريكا_كعبته_بعد فشل كل "مبادرات المصالحة"نتيجة إصرار"الجماعة"على عودة الأمور في البلاد إلى ما كانت عليه قبل 30 يونية ؛أي عودة الإخوان إلى الحكم!! * في الوقت الذي تقاعست فيه الحكومة عن إقرار الأمن_كشرط أساسي لتسيير عجلة الإنتاج_و الشروع في بدء تحقيق البعد الاجتماعي كأحد و أهم مطالب الثوار؛أو إظهار مؤشرات للعمل في هذا الاتجاه_على الأقل_خصوصاً بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية_نتيجة جشع التجار بما أدى إلى ارتفاع"جنوني"في الأسعار_تتحدث الحكومة"الثورية"_مجازاً_عن مشروعات تنموية و عمرانية كبرى_كمشروعي الضبعة و منطقة القنال على سبيل المثال_يحتاج إنجازها إلى عقود من الزمن.و الأنكى؛إصرارها على التوجه الاقتصادي الرأسمالي_تحت تأثير الموالاة للسيد الأمريكي_الذي جر الخراب على البلاد و الفقر على العباد لأربعة عقود من الزمن.و الأخطر؛إصرار الحكومة على المضي قدماً في هذا الطريق المظلم الذي أفقد مصر مكانتها الريادية في المنطقة,و كرس تبعيتها للغرب.و السؤال:كيف يتسنى حدوث ذلك بعد اندلاع موجتين ثوريتين أسقطتا رئيسين تابعين_بل عميلين_للغرب خلال عامين؟ إذا كانت الإجابة تؤكد حتمية اندلاع موجة ثورية ثالثة في صورة ثورة جياع لا تبقي و لا تذر,و أن الحكومة تتعامى عن مغبتها؛فتلك مصيبة كبرى.و إذا كانت على وعي بها؛فتلك مصيبة أكثر فداحة؛إذ نتهمها بالعمالة دون وجل أو تردد. خلاف ثم تشرذم رابعاً : تظهر سياسة"البطة العرجاء"في موقف الحكومة من تحديات الثورة؛في ترك الحبل على الغارب لقوى الثورة المضادة؛إذ لم تفعل قانون الطوارئ الكفيل بردعها.و الأنكى؛عملها على إصدار قانون للتظاهر دونما مبرر.و نحن نرى في ذلك هدفاً له مغزاه ؛إذ يضمر للثورة شراً مستطيراً.حيث يستهدف المزيد من إحداث الفرقة بين القوى الثورية؛.و تبارى الطرفان في اللجاج الذي تحول إلى خلاف ثم تشرذم.و حسبنا الإشارة إلى انضمام بعض ثوار حركة 6 أبريل_و قيل بعض قيادات حركة تمرد_فضلاً عن جمهور"الألتراس"الغوغائي إلى الإسلامويين؛بل شاركهم البعض في اعتبار ثورة 30 يونية محض"انقلاب عسكري".و تلك_لعمري_طامة كبرى..!!و لا غرو؛فقد استثمر الإسلامويون الفرصة؛فأعلنوا للعالم أن حركتهم ليست إلا"ثورة شعبية"من أجل إحباط"انقلاب عسكري"و العودة إلى الشرعية الدستورية. * بديهي أن تتخذ الولاياتالمتحدةالأمريكية من ذلك ذريعة لتحقيق هدفها_الذي مازالت و ستزال تصر عليه_في إجهاض الثورة.و بديهي أيضاً أن تنفق بعض القوى العربية الأخرى بسخاء لدعم"الطابور الخامس"في الداخل.و إلا؛فما تفسير إصرار الإسلامويين على مواصلة نشاطاتهم,و إلحاحهم على عدم التنازل عن شروطهم"الخيالية"؟ كذا صمت دول الغرب الإمبريالي و إسرائيل عن النشاط الإرهابي في سيناء؛بل و تقديم العون للإرهابيين و التكفيريين لمد نشاطهم التخريبي إلى المدن المصرية؟ الجواب بديهي_و معلوم عند حكومة الليبراليين الجدد_حيث تراهن قوى الثورة المضادة في الداخل و الخارج على الآتي: حرب عصابات * تشتيت الجيش الوطني و إنهاكه في مواجهة حرب ضروس؛أشد صعوبة من مواجهة جيش نظامي.فخطر الإرهابيين يحتاج إلى إستراتيجية"حرب العصابات"التي تستلزم وقتاً طويلاً,و إعداداً خاصاً؛دونما حسم.و حسبنا على ذلك دليلاً؛عجز الجيوش السوفييتية و من بعدها الأمريكية عن حسم الصراع مع التكفيريين في أفغانستان لصالح أي منها. * إنهاك قوى الأمن الداخلي في مواجهة المظاهرات و ملاحقة الإرهابيين,و العجز عن إقرار الأمن و النظام؛بما يحول دون دوران عجلة الإنتاج,و ما يترتب على ذلك من أزمات اقتصادية و اجتماعية تفضي_حتى على المدى القصير_إلى إمكانية اندلاع ثورة الجياع. * في حال عدم اندلاعها؛ثمة بدائل أخرى.منها محاولة تعويق حركة الملاحة في قناة السويس و تدويل القضية توطئة للتدخل العسكري المباشر؛بإعادة سيناريو العدوان الثلاثي سنة 1956.و منها أخيراً؛توجيه نشاط الإرهابيين الإسلامويين_بإيعاز أمريكي و موافقة إسرائيل_إلى مناطق الحدود المصرية الإسرائيلية؛كذريعة لعدوان إسرائيلي على سيناء بدعم أمريكي و أوروبي و احتلالها.عندئذ يتم إجهاض الثورة,و تنفيذ المخطط الصهيوني_الأمريكي عن"الشرق الأوسط الجديد". و نحن على قناعة بأن قيادات الجيش الوطني المصري على وعي و دراية بتلك المخططات,و الأهم أنها على أهبة الاستعداد للمواجهة.و لن يقدر نجاحها دون"حكومة ثورية".لذلك؛أقترح إقالة الحكومة الحالية,و تشكيل أخرى تضم عدداً من القادة العسكريين ذوي الكفاءات في الحرب و السياسة و الإدارة و البناء لإدارة شئون البلاد.كحكومة حرب تستأصل شأفة قوى الثورة المضادة في الداخل ؛توطئة_لابد منها_لتحقيق مبادئ و شعارات الثورة في "الحرية و الخبز و العدالة الاجتماعية و الكرامة الإنسانية".و أخشى ما أخشاه أن يستمر الحال على هذا المنوال.