استخدم الأمبرياليون مصطلح الربيع العربي لتضليل الشعوب تتحدث الأدبيات الماركسية عن ظاهرة”تزييف الوعي”باعتبارها خطراً يهدد مصير الثورات الاجتماعية؛ بل إن هذه الخطورة بالنسبة للمجتمعات المتخلفة أكبر وأفدح من اللاوعي نفسه. لذلك فإن قوي الثورة المضادة تتخذ من الوعي الزائف سلاحاً لإجهاض الثورات؛ وهو ما حدث بالنسبة لثورة 25 يناير المصرية التي أجهضت في مهدها. تتمثل قوي”الثورة المضادة”في أجهزة ومؤسسات النظام السابق التي مازالت تحتفظ بموقعها تحت حماية السلطة العسكرية التي ما انفكت في براعة تحسد عليها تحاصر الثورة وتتربص بالثوار؛ متبعة أساليب المراوغة حيناً وأفانين القوة والبطش أحياناً؛ إلي حد سفك الدماء عياناً وجهاراً، ليلاً ونهاراً. والحق أن المجلس العسكري سخر ثلة من جهابذة”ترزية القوانين”من ذيول النظام السابق لإدخال البلاد في فوضي عارمة تستهدف في التحليل الأخير تمزيق صفوف الثوار توطئةً لإجهاض الثورة. وهنا تصدق مقولة”مونتسكيو”أن مهنة رجال القانون تجعل منهم أعداء للثوار تحت غطاء الحفاظ علي الاستقرار والأمن والنظام. وهو ما يفسر ما صدر عن المجلس العسكري من مراسيم الاستفتاء و”الإعلان الدستوري”بمواده”الملغومة”التي أثارت موجات من الجدل”السفسطي الأجوف”. وغني عن القول إن هؤلاء المستشارين والقانونيين كان معظمهم من التيار”الإسلاموي”الذي شارك الجنرالات هدفهم في إجهاض الثورة، تحت تأثير شهوة السلطة، فسكت عما قام به الجنرالات من وقائع مروعة تمثلت في أحداث”ماسبيرو”و”العباسية” و”محمد محمود”و”وزارة الداخلية”؛ تلك التي اسفرت عن استشهاد وإصابة الكثيرين من الثوار، وإيداع الآلاف في السجون والمعتقلات العسكرية. كما أطلق العنان لدعاة الإسلام البدوي لإثارة فتن طائفية بالاعتداء علي الكنائس وهدم أضرحة الصوفية، وإدخال البلاد في حرب موهومة بين السنة والشيعة؛ بما يعبر في وضوح عن تزييف وعي الجماهير التي احتضنت الثورة ثم تحول بعضها إلي معاداتها. وهنا تصدق مقولة”ماركس”عن توظيف الدين أفيوناً للشعوب بدلاً من تحويله إلي”لاهوت للتحرير”. من مظاهر تزييف الوعي أيضاً طرح شعارات تستهدف تضبيب الجماهير؛ حين جري رصد الصراع بين الثوار وقوي”الثورة المضادة”إلي صراع وهمي بين القوي الإسلامية والعلمانية. علي أن قوي الثورة المضادة في الداخل كانت وثيقة الصلة بقوي خارجية إسلامية ضخت أموالا “البترو_دولار”بسخاء علي”الإسلامويين”لوأد الثورة في مهدها؛ تحاشياً لهبوب رياحها العاتية علي أنظمتها الثيوقراطية البدوية الفاسدة. وغني عن القول إن القوي”الإمبريالية”و الصهيونية لم تدخر وسعاً في تزييف وعي الجماهير المصرية بهدف القضاء علي الثورة. لقد أعلن الرئيس الأمريكي عن أنه لن يسمح بوجود نظام ثوري في مصر يشكل خطراً علي إسرائيل والدول العربية”المعتدلة”، فلم يدخر وسعاً في اتخاذ الدولار سلاحاً ضد الثوار. وطفقت مراكز البحث وعتاة الإستراتيجيين من أمثال”برنارد لويس”و الإسرائيلي”شلومو أفينييري”لبث الوعي الزائف باعتباره سلاحاً أشد وأنكي. ومن مظاهر ذلك إعلان عدد من رؤساء الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية انبهارهم بالثورة المصرية “المسالمة” كنموذج أبدعته العبقرية المصرية لتكون مثلاً يحتذي به في القرن الواحد والعشرين، وأن النظام السابق قد أجهز عليه تماماً كدليل علي أن الثورة حققت أهدافها. وأن ما تبقي منه ليس إلا مجرد”فلول”هشة عديمة الحيلة؛ لإيهام الثوار”بالنصر المؤزر”!!. بالمثل جري بث مصطلح”مسموم”تم تداوله في زهو خادع من قبل الثوار العرب في تونس وليبيا واليمن والبحرين؛ ألا وهو”الربيع العربي”. لم يفطن أساطين “الإنتليجينسيا” العربية إلي أن”أوباما”استعاره من مصطلح”الربيع الأوروبي”الذي يعني في الحقيقة أن مصير الثورات العربية هو مصير ثورات سنة 1848 في أوروبا التي اندلعت بتأثير الثورة الفرنسية، ثم أجهضت من قبل الحكومات الرجعية التي جعلتها أثراً بعد عين. وهذا يعني أنه لن يدخر وسعاً في إجهاض كل الثورات العربية. علي أنه -في تقديري- أن ثورة 25 يناير قد أفادت من الأخطاء التي وقعت فيها إبان موجتها الأولي، وأن”طليعتها” الشبابية وعت الدرس جيداً لتستأنف صراعها المحتوم ضد كل قوي الثورة المضادة في الداخل والخارج متسلحةً بالمزيد من الوعي الثوري لتبدأ موجتها الثانية، ولسوف يتحول الشباب المثقف إلي”نمور ضارية”تحمل أكفانها علي كواهلها، وتمد السواعد المضرجة بالدماء لقهر الخصوم وإسقاط العروش العربية الثيوقراطية الواهية لتحيل أرض العروبة “فردوساً أرضية”. وكمؤرخ قادر علي استشراف المستقبل؛ لا أبالغ إذ أجزم بأن”الإمبريالية”العالمية ولجت باب الأفول، فرياح الثورات العربي ستسفر عن”تسونامي” بدأت إرهاصاته تراوح عشرات المدن الأوروبية مطالبةً ب”العيش الكريم، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية”؛ تحقيقاً للوعد الرباني:”و نريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين”.