مصطلح «الوعى الزائف» مستمد من الفكر الماركسى على الصعيد النظرى ومن وقائع ودروس الثورة البلشفية على المستوى العملى التاريخى، وعندنا فإن «الوعى الزائف» أخطر بكثير من «اللاوعى» نفسه كسلاح فتاك يعمل عمله فى انتكاس الثورات. بديهى أن «الوعى الثورى» هو العامل الحاسم فى إنجاح الحركات الثورية؛ بالقدر الذى يشكله «الوعى الزائف» فى احتوائها ثم إجهاضها، إذ قد تتراكم مفاسد النظام القائم؛ لكن هذا «التراكم الكمى» لا يفضى بالضرورة إلى «التغيير الكيفى» على الرغم من توافر «الظروف الموضوعية» لاندلاع الثورة؛ ويرجع ذلك إلى انعدام أو هزال الوعى الثورى؛ وهو ما أكده «جان جاك روسو» فى مقولته المأثورة: «إن الثورات تقوم للشعور بالظلم، لا الظلم نفسه». وإذا كان هذا «الشعور» يعنى «الوعى الثورى»؛ فقد كان ذلك هو العامل الحاسم لاندلاع ونجاح الثورة الفرنسية؛ على الرغم مما واجهه الثوار من تحديات داخلية وخارجية. ولا شك أن اندلاع ثورة 25 يناير المصرية ونجاحات مواجهتها الأولى كان نتيجة وعى طليعتها الثورية الشابة بثقافة عصر «ثورة المعلومات»، كما جرت وتجرى محاولات إجهاضها وتضليل مسيرتها نظراً لنجاح قوى «الثورة المضادة» فى تزييف وعى الجماهير التى احتضنتها. معلوم أن مصطلح «الوعى الزائف» مستمد من الفكر الماركسى على الصعيد النظرى ومن وقائع ودروس الثورة البلشفية على المستوى العملى التاريخى، وعندنا أن «الوعى الزائف» أخطر بكثير من «اللاوعى» نفسه كسلاح فتاك يعمل عمله فى انتكاس الثورات وإشاعة الفوضى.باستقراء مجريات ووقائع قرابة عام والنصف من قيام ثورة 25 يناير؛ يمكن الوقوف على الكثير من الشواهد الدالة على أثر «الوعى الزائف» فى عجزها عن تحقيق حتى هدف واحد من أهدافها الأربعة. لعل من أهمها عدم فطنة الثوار لمفهوم «الثورة» من حيث كونها ظرفاً تاريخياً خاصاً يستهدف الإطاحة بالنظام القائم واجتثاث جذوره المتمثلة فى قياداته ومؤسساته ودستوره وقوانينه وسياساته..إلخ، فكانت الثورة -فى أيامها الأولى- لا تستهدف أكثر من إصلاح النظام السياسى ليس إلا؛ خصوصاً فيما يتعلق برفض «التوريث» أو «التجديد» لرئيس الجمهورية؛ على وجه التحديد لذلك؛ أهملوا الإعداد لمخطط مرسوم يحدد قيادة الثورة ولجانها الثورية و أهدافها ورؤيتها للمستقبل، ولعل هذا هو ما يفسر استجابة الثوار للخطاب العاطفى الأول للرئيس الذى أعلن فيه استعداده للقيام بالإصلاح السياسى المنشود واستمراره فى الحكم ورغبته فى أن يدفن فى تراب الوطن. كما يفسر مدى التأثير السحرى لخطابه فى وجدان جماهير المتظاهرين وانسحاب الكثيرين من ميدان التحرير وكافة ميادين المدن المصرية. وكان من الممكن أن ينتهى الأمر عند هذا الحد؛ لولا فطنة الجماهير للخديعة التى أسفرت عن «معركة الجمل» التى سفك خلالها دم الثوار فتحولت مطالبهم من الإصلاح السياسى إلى «إسقاط النظام» برمته. ونحن فى غنى عن سرد الوقائع المتتالية اللهم إلا التنويه بما اتسم به النظام القائم من «غباء سياسى» و ما اتخذه من إجراءات «التحدى» للثوار هو ما جعلهم يصرون على خلع الرئيس. وإذ تحقق مطلبهم، بالغوا فى إبداء مشاعر الفرح الجنونى لانتصارهم «الكاذب» بما ينم بوضوح عن الوعى الزائف، ذلك أن قرار الخلع تضمن قيام «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» بمهمة إدارة البلاد، ولم يفطن أحد إلى أن «جنرالات» المجلس يشكلون حائط الصد الأخير لنظام المخلوع حيث أوكل إليهم قيادة «الثورة المضادة»،و يخيل إلينا أن قوى خارجية عربية وأجنبية شاركت المجلس «المصون» فى إجهاض الثورة، إذ لعبت دوراً مهماً فى إذكاء الوعى الزائف. فقد شغل الثوار بما اتخذه المجلس من قرارات تتعلق بالاستفتاء على تعديل مواد الدستور، ثم إصدار «البيان الدستورى» بمواده «الملغومة» عن حقيقة ما كان يدبر لهم فى الخفاء من إثارة الخلاف والشقاق الذى وقع بالفعل؛ حيث وقع تواطؤ بين المجلس العسكرى والقوى «الإسلاموية» لانسحابهم من الثورة بعد إغرائهم بالسلطة. وجرى اتهام البقية الباقية من الثوار بتهم الإلحاد والإباحية والعمالة لصالح دول أجنبية، هذا فضلاً عن تحريض المجلس للجماهير المضببة ضد الثوار الذين يعطلون «عجلة الإنتاج»؛ بما أدى إلى أحداث ميدان العباسية المؤسفة. وتشى تلك الأحداث بتحول الثوار الحقيقيين إلى مجرد «فلول» أتاحت للمجلس العسكرى محاولة تصفيتهم وإسالة دماء بعضهم وإيداع البعض الآخر فى السجون والأخطر من ذلك كله تمزق «بدن» الثورة إلى ما يزيد على مائة وخمسين ائتلافاً، حتى لقد بدا فى الأفق أن إجهاض الثورة بات وشيكاً نتيجة تفشى الوعى الزائف.