قال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد السيد النجار إن ما يتبقي للفلاح من عائد بيع القمح لا يغني ولا يسمن من جوع ويجعله كمن يعمل بالسخرة ليسد رمقه بالكاد، وذكر في دراسة مهمة في تقرير الاتجاهات الاقتصادية والاستراتيجية السنوي لعام 2010 الصادر عن مركز السياسات السياسية بالأهرام والذي يرأس تحريره أن الأمر وصل في العام الزراعي 2008-2009 إلي كوارث للمزارعين بعدما عجزوا عن سداد قيمة الايجار بسبب انسياق الحكومة لتلاعب الدول الكبري بالاسعار المشوهة للقمح حيث تركتهم بلا حماية. أشار الدكتور النجار في دراسته التي تعرضت للنماذج المختلفة لتحديد التركيب المحصولي وتطوره في مصر وسياسات الدول الكبري في تسعير الحاصلات الزراعية الأساسية والسيطرة علي الأسواق الدولية إلي أن حكومة الحزب الوطني قررت رفع سعر توريد القمح من 240 إلي 270 جنيها للإردب بزيادة 70 جنيها عن السعرالعالمي لكن المهم ليس ارتفاع أسعار القمح عن الأسعار الدولية المدعومة والمشوهة، وإنما ارتفاعها لمستويات تنافسية مع المحاصيل البديلة للقمح.. وأكد النجار أن سعر 270 جنيها للإردب يعني أن الفدان الذي ينتج نحو 3ر18 إردب وفقا للبيانات الرسمية سوف يكون عائده في حدود 4940 جنيها يضاف إليها 1000 جنيه أخري ثمنا للقش المدروس، وذكر أن خصم 3200 تكاليف الحرث والبذور والاسمدة والري والعمالة وايجار الاراضي فإن ما يتبقي يجعله في حالة عوز دائم. خطوة غير كافية وشدد النجار علي أن سياسات الحكومة في تسعير القمح التي تمخضت عن مؤتمر الوطني السنوي الأخير يجب أن تحقق للمزارع عائدا للفدان يناظر أو يفوق العوائد التي يمكن أن يحققها من زراعة محاصيل أخري كالخضر والفاكهة مثلا لانه في ظل حالة تنافس المحاصيل فيما بينها علي عناصر الانتاج الزراعي المتاحة ( الارض ، العمل ، المياه ، رأس المال ) فان المزارع يفضل استخدام هذه الموارد لتحقيق أفضل عائد خاصة في ظل حرية القرار المزرعي ، وبعد سياسة التحرر الاقتصادي والغاء الدورة الزراعية وعدم الزام المزارع بزراعة محاصيل محددة فانه يتحول لزراعة المحاصيل ذات العائد الاعلي أولا. فعلي سبيل المثال نجد ان محصول البرسيم " المنافس الاول للقمح في الزراعة " مثلا بلغ اجمالي الانتاج منه نحو 43.997 مليون طن بانتاجية بلغت نحو 29طنا للفدان ومتوسط تكاليف الفدان من هذا المحصول نحو 1933 جنيها بصافي عائد للفدان نحو 6663 جنيها في الوقت الذي يبلغ فيه اجمالي الانتاج من القمح نحو 56.820 مليون إردب بانتاجية 18.06 إردب/ فدان ويقدر متوسط تكلفة انتاج الفدان من محصول القمح بنحو 3459 جنيه بصافي عائد للفدان 2190 جنيها، وذلك حسب نشرة الاحصاءات الزراعية ، المحاصيل الشتوية 2009 ، وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي- قطاع الشئون الاقتصادية ، ص 1-5. ومن ثم فان اتخاذ الحكومة هذه الخطوة برفع سعر التوريد عن مثيله العالمي ب70 جنيها لا يعد خطوة كافية لتشجيع الفلاح المصري علي التوسع في زراعة هذا المحصول الاستراتيجي ، لانها لم تضع في اعتبارها العوائد المتحققة من المحاصيل المنافسة للقمح، وربما يكون رفع الحد الأدني لسعر توريد القمح إلي 350 جنيها للإردب تزيد سنويا بنفس نسبة معدل التضخم بغض النظر عن حركة الأسعار في الأسواق الدولية، آلية أكثر ملاءمة لحفز المزارعين علي زراعة القمح ورفع نسبة الاكتفاء الذاتي منه. وهذا الدعم السعري سوف يتراوح بين 500 مليون، ونحو 750 مليون جنيه مصري في العام وهو رقم هزيل لا يكاد يذكر بالمقارنة بحجم الإنفاق العام في الموازنة العامة للدولة، وحجم الناتج المحلي الإجمالي وحجم العوائد المستحقة للمزارعين في الإيرادات العامة المتأتية من الموارد الطبيعية لبلادهم والمشروعات القديمة وعلي رأسها قناة السويس وسد مصر العالي. كما أنه مبلغ ضئيل للغاية بالمقارنة مع اهمية رفع مستوي الاكتفاء الذاتي المصري من القمح الذي يعد أهم الحبوب الاستراتيجية بالنسبة لمصر. ضرورة الاكتفاء الذاتي وقد جاءت أزمة القمح الروسي الأخيرة لتؤكد مدي أهمية وضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الاستراتيجي الذي نستورد ما يزيد علي 44% من احتياجاتنا منه من السوق العالمي. أما فيما يتعلق بالسياسة التي وضعها الحزب الوطني للتعامل مع محصول الارز ، فيقول النجار إنها أثارت جدلا كبيرا ، حيث يري الحزب الوطني أن تخفيض المساحة المزروعة من الارز الي 1.6 مليون فدان في عام 2009 يعد نجاحا كبيرا.. ولكن بالتعمق في هذه السياسات نجد أنها قد تنطوي علي تدمير تدريجي للزراعة.. وقرار الوزير الذي ينص علي استمرار حظر تصدير الأرز المصري حتي أكتوبر 2010 ثم قرار الحكومة بعد ذلك السماح بتصدير كميات محدودة للحفاظ علي استقرار الأسعار.. وخلق ما يسمي بتجارة أذون التصدير وهذا نظام جديد للتربح علي حساب مزارعي الأرز. فكر خاطئ - أما بالنسبة للادعاء الخاص بخفض مساحة الأرز من أجل الحفاظ علي الموارد المائية المحدودة فقد أكد العديد من الخبراء أن هذا الفكر خاطئ، موضحا أنه توجد عدة بدائل لدي الحكومة لدعم هذه الزراعة وتنمية محصول استراتيجي لا يقل أهمية عن القمح والقطن خاصة أن شعبة الأرز بغرفة الحبوب باتحاد الصناعات أرسلت مذكرة لرئيس الوزراء بشأن استغلال رسم الصادر علي الأرز، والذي يبلغ 560 مليون جنيه لكمية 420 ألف طن تصدر سنويا للاستفادة منه في إجراء بحوث ودراسات لاستنباط أنواع جديدة من الأرز لا تستهلك مياها. وإنشاء محطات تحليه لإعادة مياه الصرف الزراعي مرة أخري لإعادة ري الأراضي الزراعية. ودعم معهد البحوث الزراعية. - كما أكد الخبراء أن المساحة التي حددتها وزارة الري لزراعة الأرز والتي تقدر ب 1.1 مليون فدان ينتج عنها محصول يقدر ب 3.6 مليون طن أرز شعير، ينتج منه أرز أبيض يقدر ب2.2 مليون طن أرز فقط، في حين أن استهلاك الشعب المصري يقدر ب3.2 مليون طن أرز أبيض، وبالتالي سينتج عن هذا القرار عجز يقدر بمليون طن، وقالت المذكرة إنه نتيجة هذا العجز ستتحول مصر من دولة مصدرة إلي دولة مستوردة للأرز خلال 3 سنوات فقط. سعر الأرز المصري الأعلي عالميا - هذا كله فضلا عن وجود خطورة فيما يتعلق بالقدرة التنافسية للارز المصري في ظل ارتفاع أسعاره عالميا وهو ما يؤكده نائب رئيس البرنامج العالمي للأرز أن سعر الأرز المصري هو أعلي سعر في الأرز العالمي إذ يصل سعره إلي ألف دولار للطن_، _ في حين يباع في مصر من المزرعة بنحو خمس هذا السعر، _ قبل أن يتضاعف سعره لدي البيع للمستهلكين بسبب الأرباح الاستغلالية للقائمين علي عمليات الضرب والتبييض للتجار، مما يعني أن الربح الأكبر يذهب للوسطاء والسماسرة والمصدرين وليس للمنتجين. ج- السياسات المتعلقة بمحصول الذرة وتوفير آليات محفزة للفلاح لزراعته : يسعي الحزب الوطني الي الحد من زراعة المحاصيل الشرهة للمياه وايجاد بدائل لزراعتها ومن أهم هذه البدائل التوسع في زراعة الذرة وعلي الاخص الذرة الشامية كبديل للارز " رغم تفنيد الادعاءات الخاصة باستهلاك الارز للمياه " ونظرا للصعوبات الراهنة التي تواجه التوسع في زراعة الذرة الصفراء فان الخيار البديل هو زراعة الذرة الشامية. - ذلك فضلا عن الاختلاف الكبير في أسعار توريد المحصولين ففي الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن سعر الذرة ب200جنيها يتراوح فيه سعر توريد الارز لهيئة السلع التوينية بين 2690 جنيها و 2839 جنيها. ومن ثم فإن هناك غياب للحافز الذي يمكن أن يغري الفلاح بزراعة الذرة. أزمات السكر يقول أحمد النجار إن الحكومة ممثلة في وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي قامت برفع أسعار تسلم المصانع لطن قصب السكر من 200 جنيه للطن إلي 432.5 جنيه تمشياً مع ارتفاع الأسعار العالمية للسكر، و رغم أن القرار لاقي ترحيبا واسعا من قبل مزارعي القصب في الصعيد.. لكن السياسة لم تتناول بشكل واضح ومفصل كيفية التعامل مع عدد من القضايا الشائكة المتعلقة بمحصول قصب السكر وأهمها كيفية السيطرة علي أسعار بيع السكر في الاسواق المحلية، مع غياب الرقابة الحكومية.. وذلك بطرح التسعيرة الجديدة مع احتكار السكر في السوق .. أما القضية الأخري فتتعلق برفع سعر طن الأسمدة النترات بنسبة 40% دفعة واحدة تحت دعوي ارتفاع الأسعار العالمية و هي الحجة التي لايوجد ما يبررها. عصابات السكر القضاء علي الاحتكارات الموجودة أو ما يمكن تسميته بعصابات السكر، يعد ضرورة لبناء سوق عاقلة تتحرك بناء علي العوامل الأساسية وليس علي المضاربات أو النزوع لتحقيق أرباح احتكارية. كما أن هناك ضرورة لوضع بعض الضوابط علي عملية استيراد السكر أو السلع الغذائية لضمان جودتها بجانب التحكُّم في الأسعار التي تشتري بها الحكومة من الخارج، خاصةً أن أسعار الغذاء اليوم في العالم عند مستوي منخفض حتي ولو كانت قد ارتفعت قليلا عن مستوياتها البالغة التدني في عام 2009. وهناك ضرورة لأن تقوم الدولة بدور التاجر المرجح الذي يحدد مستوي أسعار السلع الاستراتيجية من خلال القدرة علي التدخل بسرعة ومرونة لضخ تلك السلع في السوق بأسعار معتدلة عندما ينزع المنتجون أو التجار إلي رفع اسعارها بلا مبرر بغية تحقيق أرباح احتكارية. ويذكر أن محكمة القضاء الإداري قدمت تقريرًا قانونيا، طالبت فيه بتحديد أسعار السلع الغذائية الأساسية والمنتجات الاستراتيجية.