يعتبر قطاع الزارعة هو احد القطاعات المهمة والاساسية للاقتصاد المصري. فقطاع الزراعة هو المسئول الأول والاخير في توفير احد اهم مقومات الامن في اي وطن وهو الامن الغذائي. وبالنظر إلي اهمية قطاع الزراعة يتبين ان هذا القطاع يوفر العديد من فرص العمل نظراً لطبيعة النشاط الزراعي في مصر. حيث يعمل في هذا القطاع نحو اكثر من 6 ملايين مواطن من إجمالي 21 مليونا اي بنحو 28.6%، من إجمالي العمالة وهو يعتبر من اكبر القطاعات التي توفر عمالة في قطاعات الاقتصاد القومي. بالإضافة الي ان حجم الإستثمارات في قطاع الزراعة يبلغ نحو 5371 مليون جنيه من إجمالي 246068 مليون جنيه خلال عام 2011/2012 أي بنسبة 2.2% من إجمالي الاستثمارات خلال ذلك العام. وقد بلغ إجمالي مساهمة قطاع الزراعة في إجمالي الناتج المحلي نحو 218216 مليون جنيه من إجمالي 1475326 مليون جنيه خلال عام 2011/2012 اي بنسبة بلغت نحو 14.8%، الامر الذي يشير إلي عدم تناسب حجم الاستثمارات المقدمة الي قطاع الزراعة مع مساهمة هذا القطاع في حجم العمالة، الامر الذي يشير الي اهمية زيادة الاستثمارات المقدمة الي ذلك القطاع، ويمكن ان يؤدي هذا إلي زيادة الإنتاجية الفدانية وزيادة جودة المنتج الزراعي بالتالي المساهمة بشكل اكبر في الحد من الفجوة الغذائية التي تعاني منها مصر. هذا بالإضافة الي مساهمة قطاع الزراعة لقطاع الصناعة بالعديد من المواد الخام مثل القطن الذي يبني عليه جميع الصناعات النسيجية والقصب والنباتات الطبية والعطرية والكتان وغيرها من المنتجات والصناعات الغذائية التي تعتبر من الصناعات الرائدة في مصر. بنك التنمية يمكن ان يتبين من تلك المقدمة الخلل الذي يعاني منه قطاع الزراعة والذي يعود إلي إلي عدم التخطيط السليم لذلك القطاع، مع عدم وجود رؤية وإستراتيجية واضحة ومحددة المعالم والاهداف ومتفق عليها مجتمعياً بشكل كبير، حيث إن إستراتيجية الزراعة المصرية حتي عام 2030، التي تم وضعها في خلال عام 2010 هي أقرب الي سياسات وبرامج وأهداف للزراعة المصرية يراد تحقيقها في 2030، أكثر من أن تكون رؤية واستراتيجية للزراعة المصرية. الامر الذي يحتم علي المهتمين بهذا القطاع التعامل والتكاتف علي وضع رؤية وإستراتيجية لهذا القطاع وفتح حوار مجتمعي حول تلك الرؤية. والرؤية لابد أن تحتوي علي اجابة عن تساؤل: هل لابد لقطاع الزراعة ان يحمل في طياته اهدافا اجتماعية، ام انه قطاع لا يحمل اهدافا إجتماعية ويترك يعمل طبقا لآليات السوق واحتياجات السوق المحلي والعالمي. فإذا ما اعتبر ان قطاع الزراعة لابد ان يحمل في طياته أهدافا اجتماعية، ففي هذه الحالة يجب ان يعاد النظر في السياسات والبرامج الزراعية المطبقة في ذلك القطاع منذ اواخر الثمانينيات اي ان يعاد النظر في الدعم مرة اخري علي الاخص دعم الاسمدة الكيماوية والتقاوي مع إعادة النظر في قانون العلاقة بين المالك والمستأجر للأراضي الزراعية مع إعادة النظر في اهمية عودة العمل بالدورة الزراعية، مع التركيز في تلك الدورة علي المحاصيل الاستراتيجية المهمة التي يستهلكها الفقراء وهي محاصيل الحبوب والبقوليات والزيوت والسكريات، بالإضافة الي اعادة النظر في دور بنك التنمية والائتمان الزراعي حيث لابد ان يضم ويعود لدوره الاساسي وهو تمويل المشروعات الزراعية وعلي الاخص لصغار المزارعين وباسعار فائدة لا تتجاوز ال 3% وليس 7% كما هو الحال الان. شروط السوق أما إذا كانت الرؤية لقطاع الزراعة انه قطاع لابد ان يدار طبقا لآليات السوق ويستجيب طبقا لآليات العرض والطلب واحتياجات السوق المحلي والعالمي، ففي تلك الحالة فلابد ان تكون سياسات ذلك القطاع سياسات حرة بمعني لا يوجد اي شكل من أشكال الدعم وتترك أسعار مستلزمات الإنتاج تتحدد طبقا لآليات العرض والطلب مع ترك الحرية للمزارع في ان ينتج ما يشاء من المحاصيل الزراعية بدون توجيهه، وان تتحدد اسعار المنتجات النهائية طبقا لاسعار السوق ولا تتدخل الدولة نهائياً في تحديد أسعار التوريد وان يدخل الدولة مشترية لتلك المنتجات إن ارادت طبقا لاسعار السوق مع السماح للقطاع الخاص بالدخول في تسويق مستلزمات الإنتاج وشراء المنتج النهائي طبقاً لآليات السوق، مع اهمية ان تترك تحديد القيمة الإيجارية للأراضي طبقا للطلب عليها مع تحويل بنك التنمية والإئتمان الزراعي بان يكون بنكا تجاريا بالدرجة الاولي تتحدد فيه اسعار الفائدة علي القروض والودائع طبقا لاسعار الفائدة السوقية. ومن هذا المنطلق يري كاتب هذا المقال أهمية ان الرؤية الزراعية لقطاع الزراعة بان تكون لهذا القطاع أهداف إجتماعية ويعمل في إطار خطة مجتمعية يشارك في وضعها مع الدولة المنتجون الزراعيون من خلال روابطهم وإتحاداتهم الفلاحية والتعاونيات. يتبين من تلك الرؤية أهمية تكوين المؤسسات الفلاحية التي لابد أن تشارك في وضع الخطط الزراعية في كل منطقة زراعية بما يتناسب مع اهداف المجتمع المحلي الزراعي بها والذي يحدد تلك الاهداف واولوياتها طبقا لما يراه. وهذا الامر يتطلب التطرق إلي الإستراتيجية التي لابد ان يتسم بها قطاع الزراعة. الامر الذي يشير الي إنه لا يمكن تحقيق تلك الرؤية بدون إستراتيجية تحتوي علي أهداف تحقق الرؤية السابقة. ضعف الاستثمار الجزء القادم من المقال سوف يتم التطرق إلي إستراتيجية قطاع الزراعة والنقاط المهمة التي تحتويها تلك الإستراتيجية، والتي يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط أساسية. اولي تلك النقاط هي البنية الاساسية حيث ان قطاع الزراعة يتسم بضعف البنية الاساسية وإهلاكها حيث لا توجد اي نوع من أنواع الصيانة الدورية للبنية الاساسية التي تخدم الزراعة المصرية التي تهالكت نظرا لقدم إنشاء تلك البنية الأساسية. ويرجع هذا الإهمال في صيانة تلك البنية الاساسية إلي ضعف الاستثمار وعلي الأخص الاستثمار الحكومي، حيث تبلغ تلك الاستثمارات الحكومية نحو 2672 مليون جنيه خلال العام المالي 2011/2012 وقد أنخضت تلك الاستثمارات خلال هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة حيث بلغت نحو 3695 مليون جنيه خلال العام المالي 2001/2002 اي بمعدل انخفاض بلغ نحو 27.7% خلال 2011/2012 مقارنة 2001/2002، الامر الذي ادي إلي عدم الإهتمام بتطوير البنية الاساسية من تطهير الترع والمصارف وتبطين الترع وتغطيتها حتي لا يتم فقد او هدر المياه سواء بالتسرب او التبخر، وبالتالي لابد ان تكون أولي تلك الإستراتيجيات هي تطوير تلك البنية الاساسية وعلي الاخص المياه والاراضي حيث ان هذين الموردين هما المحددان الاساسيان لقطاع الزراعة المصري، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالانفاق وزيادة الإنفاق الاستثماري وعلي الاخص الحكومي علي تحسين الجدارة الإنتاجية لكل من المياه والارض حيث انه بتطوير البنية الأساسية سوف يؤدي إلي تحسين في مورد المياه بشكل أساسي من خلال تطوير اساليب الري وتحسين المصارف والترع. الامر الذي يؤدي إلي زيادة إنتاجية وحدة المياه وبالتالي كفاءة استخدام هذا العنصر المهم، وكذلك تحسين مورد الاراضي وبالتالي زيادة العائد الاقتصادي من وحدة الاراض. وبالتالي وقف او الحد من التعدي علي الاراضي الزراعية والتي تعتبر احدي المشاكل الساسية التي يعاني منها قطاع الزراعة المصري حيث ان العائد الاقتصادي سوف يزيد والتالي يحد من التعدي علي الاراضي الزراعية نظراً لزيادة العائد الاقتصادي علي وحدة الاراضي. بالإضافة إلي تحسين نوعية الاراضي من خلال عمليات الاستصلاح للاراضي الصحراوية وإضافة مساحات جديدة الي المساحة المزروعة. البحث العلمي النقطة الثانية التي يمكن من خلالها بناء استراتيجية للزراعة المصرية وهي الإنفاق علي البحث العلمي والتكنولوجيا حيث ان الإنفاق الحالي بما يجب ان يكون عليه حيث لا يتعدي الإنفاق علي البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر اقل من 1% من إجمالي الناتج المحلي، الامر الذي يستدعي زيادة الإنفاق علي البحث العلمي حيث ان زيادة الإنفاق علي البحث العلمي والتكنولوجيا سوف يؤدي إلي تطوير التقاوي والسلالات النباتية والحيوانية الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلي زيادة الإنتاجية الفدانية وإنتاجية الوحدة الحيوانية، وبالتالي زيادة الإنتاج الغذائي والزراعي. هذا بالإضافة إلي ان البحث العلمي والتكنولوجيا يمكن أن يكونا أحد الاسباب الرئيسية التي يمكن ان تستنبط سلالات سواء نباتية او حيوانية تساعد علي الحد والتكيف مع التغيرات المناخية من خلال إستنباط سلالات تتكيف من الملوحة وزيادة درجات الحرارة وبالتالي يكون هناك حد او تقليل من اثر التغيرات المناخية علي الإنتاج الزراعي بشكل عام والإنتاج الغذائي بشكل اساسي. النقطة الثالثة والتي يمكن من خلالها بناء إستراتيجية للزراعة المصرية وهي المؤسساتية، حيث لا يوجد في قطاع الزراعة المصري اي مؤسسات فاعلة وقادرة علي الدفاع عن المنتجين الزراعيين او تنظيم هؤلاء المنتجين الزراعيين او العاملين في الزراعة من عمال زراعيين، وبالتالي وجود مثل تلك المؤسسات الفلاحية سواء اتحاد فلاحين او تعاونيات او روابط فلاحين او روابط مستخدمي المياه. وعلي هذا لا يمكن أن يكون هناك قطاع زراعي قوي بدون وجود فلاح قوي ومنتج زراعي قوي حيث ان المنتج الزراعي او الفلاح هو أساس العملية الزراعية. هذا بالإضافة إلي ان وجود مؤسسات فلاحية قوية سوف تؤدي إلي وجود سيادة غذائية حيث ان المقصود بمصطلح السيادة الغذائية هو سيطرة المجتمع المحلي علي ادوات وطرق الإنتاج مع إنتاج المنتجات الزراعية التي يراها ويرغبها المجتمع المحلي بالطريقة التي يري انها تعمل لتحقيق مصالح افراده، مع سيطرة المجتمع المحلي علي السلالات البرية للنباتات والحيوانات البرية. ومن ذلك التعريف يتبين انه لكي تتحقق السيادة الغذائية فلابد من وجود مشاركة مجتمعية للمجتمعات المحلية، ولكي تتحقق المشاركة المجتمعية السليمة في المجتمعات الزراعية لابد من وجود مؤسسات فلاحية قوية تعبر عن مصالح أعضائها. انعاش التعاون ولا يتوقف الحال عند المؤسسات الفلاحية ولكن أيضا التعاونيات والتي هي احد أشكال المؤسسات التي لابد من النهوض بها وتقويتها إذا ما اريد النهوض بالزراعة ووجود استراتيجية للنهوض بالزراعة المصرية، حيث لابد من العمل علي إعادة تطوير التعاونيات من خلال وجود قوانين جديدة تعطي دفعة للتعاونيات بان تكون معبرة عن أعضائها بشكل كبير ولا تكون معبرة عن كبار الفلاحين فقط ولكن أن تعبر عن جميع الفلاحين وعلي الاخص الصغار منهم. مما يستعدي إنشاء تعاونيات علي اسس سليمة وفصل التعاونيات عن الدولة وعن تدخل الاجهزة التنفيذية في عملها. لكي يتم تحقيق كل ما سبق فإن هذا يتطلب إرادة سياسية حقيقية ودورا رئيسيا للدولة وإعادة النظر في دور الدولة وعلاقة الدولة والقطاع الخاص بقطاع الزراعة. مع وجود دور حقيقي للدولة في توفير مستلزمات الإنتاج وتوفير التمويل اللازم لصغار وفقراء الفلاحين والعمل بشكل حقيقي علي حل مشاكل الفلاحين وعلي الاخص في تملك الاراضي في الأراضي الجديدة والصحراوية، وفي حماية فقراء الفلاحين في تنظيم انفسهم في اتحاداتهم وروابطهم الخاصة بهم. وفي تبني الدولة لمفهوم السيادة الغذائية الذي يشجع علي المشاركة المجتمعية بدلا من مفهوم الامن الغذائي حيث ان السيادة الغذائية مفهوم اعم واشمل واوسع من مفهوم الامن الغذائي. ومفهوم العدالة الإجتماعية ليس فقط مطلبا اجتماعيا ولكنه مطلب اقتصادي إذا ما اريد النهوض بقطاع الزراعة والقطاعات الاخري.