أثبتت الأحداث الدامية بعد ثورة 30 يونية أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية؛بما لا يدع مجالاً للشك.كما أثبتت أيضاً تشبث الولاياتالمتحدةالأمريكية بتأييد الجماعة و تأليب حلفاءها الأوروبيين للتدخل الدبلوماسي"المحموم"لإنقاذ الجماعة من محنتها؛بل و عودتها إلي الحكم بزعم"الشرعية"و الدفاع عن الديمقراطية المأسوف عليها. من أجل ذلك؛تعامي هؤلاء و أولئك عن ما اقترفته الجماعة و ميليشياتها المدجنة من شتي صنوف الإرهاب_من قتل و تعذيب و إحراق دور العبادة من مساجد و كنائس و متاحف و مكتبات؛فضلاً عن الهجوم علي أقسام و مراكز الشرطة و حرقها بعد سفك دماء رجالها و التمثيل بجثثهم …إلخ؛ بما يعيد إلي الأذهان بشاعة المغول و التتار_و الأنكي؛ما شنته وسائل الإعلام الغربي_و لا تزال_من حملات دعائية زائفة لإيهام الشعوب_علي طريقة"جوبلز"النازية_بتحويل الجناة إلي ضحايا..!! خيال مريض أثبتت تلك الوقائع الدامية أيضاً؛أن الجماعة كانت و لا تزال"مخلصة"لأفكار مؤسسها و من بعده منظرها"سيد قطب"الإرهابية و الإجرامية التي أودت بها إلي "المحن"_في الأربعينات و الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضي_بما يؤكد أن"الإرهاب"تحول من"مخيالهم"المريض إلي"عقيدة"تحت مسمي"الجهاد".و السؤال:جهاد من؟ و الإجابة عنه تكشف عن اعتقادهم"الدجمائي"بأن المسلمين من خارج الجماعة يجب التعامل معهم؛باعتبارهم من أهل الضلالة و الشرك؛كما نصت علي ذلك أدبياتهم. كما كشفت الأحداث الأخيرة الدامية أيضاً عن حقيقة غابت عن الكثيرين من الدارسين الذين ميزوا بين جماعة الإخوان_المعتدلة في نظرهم_و بين الجماعات الأخري المتطرفة؛كالجماعة الإسلامية و تنظيم الجهاد,و السلفية الجهادية..و غيرها.إذ أثبتت الأحداث أن تلك الجماعات المتطرفة كانت"تقاتل"جنباً إلي جنب الجماعة الأم.و لم لا؟ و كلها مازالت تترحم علي روح "الإمام الشهيد". و حسبنا أن معركتها"الأخيرة"في مصر_و سيناء خصوصاً_شارك فيها الكثيرون من إرهابي"حماس"و"القاعدة"و"طالبان"و"الشيشان"و غيرهم. يبقي السؤال الأهم :كيف و لماذا تبنت الولاياتالمتحدة مشروع الإسلامويين؛و هم من كانوا بالأمس القريب أعدي أعدائها؟ لقد أجبنا عن هذا السؤال في عدة مقالات سابقة,و نكتفي الآن بتأكيد أن المشروع الإسلاموي المزعوم لا يتعارض ألبتة مع المشروع الأمريكي عن"الشرق الأوسط الجديد"؛الذي سبق لنا_و لغيرنا_الكتابة عنه. الخصم البديل لإثبات هذا"الوفاق"بين المشروعين؛أفردنا هذا المقال الذي يؤصل_و لو في إيجاز_لجذوره التاريخية؛و هو ما بسطناه مفصلاً في كتاب"الإسلام السياسي بين الأصوليين و العلمانيين".علي إثر انهيار و سقوط الاتحاد السوفييتي و الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية.ذكر المرحوم "إدوارد سعيد" في كتابه Covering Islam_"تغطية الإسلام"؛حسب ترجمة الدكتور محمد عناني_أن الإمبريالية الغربية رشحت جماعات"الإسلام السياسي"لتكون خصماً بديلاً للاتحاد السوفيتي بعد سقوطه ؛لأسباب سياسية و إستراتيجية و حتي اقتصادية أيضاً؛تتضافر جميعاً لإطالة عمر النظام الرأسمالي؛في التحليل الأخير.و ذلك لأن انتهاء"الحرب الباردة"بين القطبين الأعظم كانت تعني فقدان موارد اقتصادية هائلة تتمثل في تجارة السلاح.لذلك؛كان الأمر يقتضي شن سلسلة دائمة من الحروب؛خصوصاً في الشرق الأوسط الغني بأموال البترو_دولار. و عندنا أن تلك الإستراتيجية كانت سابقة لسقوط المعسكر الشرقي.فعلاقة الولاياتالمتحدة بجماعة الإخوان المسلمين ترجع جذورها إلي عهد جمال عبد الناصر؛خصوصاً بعد تصديه_مع نهرو و تيتو_لمواجهة الأطماع الإمبريالية فيما عرف بجبهة"العالم الثالث"التي تدعو للحياد الإيجابي و عدم الانحياز. إزدادت تلك العلاقة وثوقاً بعد نجاح الثورة الإيرانية التي قدمت أنموذجاً لما أطلق عليه الغرب الإمبريالي"الإسلام الثوري"Revolutionary Islam , و تعويل إيران علي"تصدير الثورة"للدول الإسلامية المجاورة؛و خصوصاً دول الخليج؛بما يشكل تهديداً مباشراً لأهم موارد البترول. تعاظمت العلاقة مع الإخوان المسلمين باعتبارهم المنبع الأساسي للأصولية الإسلاموية_نتيجة لتدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان عسكرياُ لدعم نظامها الثوري الاشتراكي الجديد.لذلك تمثل رد الفعل الأمريكي في تجنيد جماعات"الإسلام السياسي"_بمساعدة بعض دول الخليج_لخوض"معارك الجهاد"في أفغانستان ضد السوفيت"الزنادقة الملحدين". في هذا الصدد؛قامت مراكز البحث و أقسام الاستشراق في جامعات الولاياتالمتحدة و أوروبا بجهود دائبة للترويج لتلك الجماعة"الجهادية"؛فأطلقت عليهم مصطلح"الأصوليين"Fundamentalistsبما يعني كونهم حماة الإسلام الصحيح_أو الأرثوذكسي؛حسب الصديق المرحوم محمد أركون_ضد الإسلام"الشيعي_الذي أطلقوا عليه مصطلح"الإسلام الجديد "Neo Islamism" بهدف بذر بذور الشقاق بين السنة و الشيعة الذي بلغ ذروته حالياً بما يهدد بحروب إقليمية ضارية قد تتحول_فيما نري_إلي حرب عالمية ثالثة تمهيداً لتنفيذ مخطط"الشرق الأوسط الجديد". المظلة الأمريكية مصداق ذلك؛ما جري من التدخل العسكري الإمبريالي في العراق الذي انتهي بدمار الجيش العراقي, و تعاظم الخطر"الأصولي"إلي درجة تكوين"إمارة إسلامية"تتطلع لتوسيع رقعتها في سوريا التي تعارك الآن حرباً أهلية ضارية يشارك فيها كافة الجماعات الإرهابية الإسلاموية تحت مظلة أمريكية؛بهدف تحطيم الجيش السوري ليلحق بنظيره العراقي؛بما يضمن أمن إسرائيل شرقاً و شمالاً. في ضوء تلك الأحداث المتسارعة الجسام_حالياً بعد انتقال عدوي الحرب بين السنة و الشيعة إلي لبنان_يمكن تفسير المشهد السياسي الآني في مصر؛و تشبث الولاياتالمتحدة و حلفاؤها بإجهاض الموجة الثورية الثانية التي جري اعتبارها_في نظرهم_مجرد انقلاب عسكري يستوجب ردعه.ذلك لأن نجاح الثورة في مصر يعني_بداهة_استئصال شأفة كافة التيارات الإسلاموية في العالم العربي,و نجاح جميع ثورات"الربيع العربي"قاطبة؛بما يضع نهاية تراجيدية للمشروع الأمريكي و تعرض حدود إسرائيل مع مصر لجحافل الإرهابيين الإسلامويين_علي اختلاف فصائلهم_من ناحية,و عربدة مليشيات الإخوان"المنبوذين"و أذيالهم في مدن مصر و حتي قراها؟ دعاوي المصالحة ينسحب السؤال نفسه علي الموقف الأمريكي بطبيعة الحال؛حيث تستهدف الولاياتالمتحدة من وراء دعم الإسلامويين في مصر تحقيق عدة مقاصد؛نوجزها فيما يلي : أولاً: القضاء علي الجيش المصري الوطني لتأمين إسرائيل_إلي ما شاء الله_ ؛و من ثم وأد الثورة المصرية,كذا ثورات"الربيع العربي"بداهة. ثانياً: أن عودة الحلم الإسلاموي إلي مصر يعني تحقيق حل نهائي لمشكلة فلسطين علي حساب التراب الوطني في سيناء. ثالثاً: في حالة الفشل؛يمكن للولايات المتحدة و إسرائيل تحويل سيناء إلي بؤرة تجمع للإرهابيين الإسلامويين_بعد إمدادهم بالسلاح و العتاد_ليكونوا شوكة في ظهر مصر بما يحول دون نهضتها من ناحية؛و تحولهم من العداء للولايات المتحدة إلي الولاء. خلاصة القول؛أن إرهاب الإسلامويين ليس إلا"صناعة"أمريكية بامتياز,و أن تشبثها بدعمه آنياً ما هو إلا حلقة من سلسلة طويلة قد تمتد لعدة عقود؛ما لم يتصدي العالم العربي لمواجهته,و استئصال شأفته. لذلك تسقط كافة دعاوي"المصالحة"التي يطلقها بعض عملاء الغرب الإمبريالي في مصر_صباح مساء_تحت شعارات جوفاء عن"حقوق المواطنة",و"عدم الإقصاء"؛و هلم جرا.و من أسف أن يتلقف بعض وزراء الحكومة الحالية_اللا ثورية_تلك الدعاوي ,و يروجون لها ؛بل منهم من تهافت علي البدء في إجرائها بالفعل.و تلك كما اعتقد_و يعتقد الثوار كافة_ليس خيانة للثورة فقط؛بل خيانة للدم و للوطن أيضاً.