لا يستطيع المعلق العربي النزعة ان يتخذ موقف امتناع عن الكتابة عن احداث سوريا لمجرد انتظار انضمام الولاياتالمتحدة الي القوي الخارجية العديدة التي تهاجم سوريا . ذلك لان الولاياتالمتحدة بدأت بالمشاركة في العدوان علي سوريا منذ أن بدأ في شهر مارس من عام 2011. أما ان الولاياتالمتحدة قررت أن تتدخل بالسلاح الجوي فهذا يعني انها ادركت ان كل أشكال التدخل الاخري -بما في ذلك امداد العصابات المسلحة التي تؤيدها أمريكا بكل اشكال الاسلحة الحربية الاخري – لم يات بنتيجة . الحقيقة هي ان سوريا اثبتت خلال الشهور الثلاثين التي مضت منذ بدء العدوان المسلح الكثيف عليها انها قادرة علي احباط هذا العدوان المشترك لنحو اربعة عشر تنظيما مسلحا ، وان كان ذلك قد كلف سوريا غاليا وترك آثار الدمار والقتل والتهجير علي المدن والقري السورية . واستطاعت سوريا ان تثبت انها قادرة طوال هذا الوقت علي الصمود بوجه الاعتداءات الخارجية الاجنبية التي تشارك فيها بالمال والسلاح دول عربية مثل السعودية والكويت والامارات المتحدة . اما ان الولاياتالمتحدة قررت ان تشارك بطائراتها الحربية المتقدمة فان ذلك ينبيء بانها ادركت مدي قدرة سوريا والنظام السوري علي تحدي هذه الحرب الخارجية ، وأدركت في الوقت نفسه انها لا تستطيع ان تترك نفسها تنشغل بسوريا عن معركة اكبر وأشد خطورة فتحت ابوابها مع مصر . شجاعة مصر ولعل اهم ما ينبغي التنبه اليه انه منذ اللحظة التي حولت فيها الولاياتالمتحدة موقفها من سوريا الي تهديد صريح بالاغارة جوا علي عدد غير محدود وغير محدد من الاهداف السورية اتخذت الحكومة المصرية موقفا صريحا وشجاعا معارضا لهذا التهديد ضد سوريا . ولا يكاد يكون هناك أدني شك في ان الموقف المصري – الذي من المؤكد انه يعكس ارادة الحكومة المدنية المصرية كما يعكس ارادة الجيش المصري بنفس الوضوح والقوة – قد فاجأ الولاياتالمتحدة . ذلك ان الولاياتالمتحدة ، وفق طريقتها في حساب مواقف الدول ، اعتقدت ان مصر ستؤثر الابتعاد عن الشان السوري معتبرة ان ما ينالها من ضغوط الولاياتالمتحدة كاف بحد ذاته . تصورت الولاياتالمتحدة وفقا للمعايير القديمة التي كانت سائدة ايام حكم مبارك وبعد ذلك ايام حكم الاخوان المسلمين ان مصر ستولي وجهها الي الناحية الاخري متناسية هذا التطور الامريكي في العدوان علي سوريا . لقد فوجئت الخارجية الامريكية فيما يشبه الصدمة بما أعلنه وزير خارجية مصر نبيل فهمي – في لقاء مع رؤساء تحرير الصحف المصرية الكبري الرسمية والخاصة – من موقف رسمي معارض للحل العسكري . وهو تعبير لا يمكن ان يفهم منه الا ان مصر تعارض تماما هذا التدخل الامريكي بالقوة العسكرية المباشرة ضد سوريا. بل ان واشنطن فوجئت ايضا بان الوزير المصري أكد انه لا يتوقع ان يؤدي هذا التدخل الحربي المباشر من جانب الولاياتالمتحدة الي تغيير في نتائج تلك الحرب وذلك في قوله "ان اي قرار عسكري بتوجيه ضربات لن ينتهي بهذه الضربات … ان اي قرار عسكري بتوجيه ضربات ستكون له تداعيات وعواقب كثيرة." بل ان نبيل فهمي لم يدع امر العلاقات التي تربط مصر بسوريا تاريخيا يمر وكأنه لا يدخل في الاعتبار ، وذلك عندما قال "ان وجود الدولة السورية قوية وفاعلة أفضل لنا كثيرا في مصر …ان الصراع في سوريا ليس مجرد صراع بين أطراف محلية بل هو صراع كبير علي المنطقة بأكملها ." مصر وسوريا لقد آثرت الادارة الأمريكية التي تعرف اهدافها في منطقة الشرق الاوسط جيدا ان تتجاهل – او علي الاقل ان تنحي جانبا – اهمية العلاقات التاريخية القومية التي تربط بين مصر وسوريا . او هي آثرت ان لا تري الا مصر مبارك ثم مصر الاخوانية . وهذا معناه انها قررت اغفال صعود الجيش في مصر الي دور اساسي في مقاومة حلفاء أمريكا الاخوان المسلمين . اغفلت ان الجيش يؤدي دورا وطنيا وقوميا اساسيا في مصر لا يمكن معه اغفال طبيعة وقوة العلاقات بين مصر وسوريا .وربما تكون الادارة الامريكية قد اعتقدت ان الموقف السعودي الاخير تجاه مصر – بوجهيه السياسي والمالي – من شانه ان يرغم مصر والجيش المصري بشكل خاص علي ان يتخذ موقفا سعوديا بحتا تجاه أحداث سوريا وخاصة تجاه القرار الامريكي بشن غارات جوية لمساعدة عصابات الارهاب المتدخلة في الشأن السوري . ولكن ما توقعته واشنطن والادارة الامريكية لم يأت مطابقا للموقف المصري كما عبر عنه وزير الخارجية نبيل فهمي. أشياء لا تشتري بطبيعة الحال فان الوزير المصري لم يذهب الي حد الدفاع عن النظام السوري انما ذهب الي حد الدفاع عن حق الشعب السوري في ان يقرر بنفسه دون تدخل خارجي تغيير النظام . ان الشعب السوري يملك وحده اذا شاء – دون مشاركة أميركية او سعودية او قاعدية او نصروية او غير ذلك – تغيير النظام الحاكم دون وجود فرق مسلحة من دول أجنبية تتلقي اموالا ومساعدات من أمريكا ومن دول الخليج النفطية الغنية . وبطبيعة الحال ايضا لم يكن منتظرا من السعودية ان تتخذ موقفا مماثلا ازاء سوريا . ذلك ان مصالح الاسرة السعودية الحاكمة ترتبط أكثر ما ترتبط بالولاياتالمتحدة سياسيا واقتصاديا وحتي ابعد من ذلك . ولان الموقف السعودي الجديد من مصر جاء قبيل التهديد الامريكي بشن غارات جوية علي اهداف سورية كان من الطبيعي ان يفسر الموقف السعودي انه بمثابة شراء لموقف مختلف من جانب مصر تجاه سوريا ، موقف يؤيد ما تفعله الولاياتالمتحدة والسعودية تجاه سوريا . لكن شيئا من هذا لم يتحقق . ولا نبتعد عن حقيقة الموقف المصري من أحداث سوريا اذا قلنا انه اثبت ان مصر علي الرغم من أزمتها الراهنة لايمكن ان تُشتري وان مليارات السعودية لا تستطيع ان تجبر مصر علي الوقوف في صف أمريكا والسعودية ضد سوريا . اما عن الموقف الامريكي الذي يقوم علي التهديد بالتدخل المباشر في سوريا فانه يمكن ان ينبيء بان واشنطن ظنت ان تهديدها ضد سوريا باستخدام القوة الجوية الامريكية يمكن ان يؤدي بحد ذاته الي تخلي بشار الاسد عن دوره والهروب من بلاده الي ايران وبهذا تنتهي المشكلة . ولهذا سارعت احدي الوكالات الاخبارية الامريكية الي نشر هذا علي انه نبأ صحيح. ولكن لم تلبث سوريا ان نفته ساخرة ولم تلبث الولاياتالمتحدة ان سكتت . ولهذا يمكن القول الان بان الشعب السوري ربما اصبح أكثر ادراكا لما يدبر له من التدخل الخارجي مما كان في اي وقت منذ بداية الازمة . دولة للإخوان وعند هذه النقطة لابد من ان نتساءل اذا كان القصف الامريكي لسوريا (الذي لايزال تهديدا حتي لحظة كتابة هذه السطور) يمكن ان يضطر الجيش المصري الذي يقوده الفريق اول عبد الفتاح السيسي لتغيير موقفه ازاء العدوان الامريكي علي سوريا . ولابد ايضا من التساؤل عما اذا كان تنظيم الاخوان المسلمين الدولي – الذي حل محل التنظيم الاخواني المصري في اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية – يدبر لعمل اخواني داخل صعيد مصر يتزامن مع الهجوم الامريكي المنتظر علي سوريا . فلقد سادت في الايام الاخيرة هذه الفكرة الخطيرة عن تدبير امريكي-اخواني مشترك حول تأسيس دولة للاخوان المسلمين في صعيد مصر . وهو تدبير يصل في خطورته الي مستوي خطورة ضرب سوريا بغارات جوية امريكية. غير ان اتخاذ الحكومة المصرية والجيش المصري موقفا وطنيا وقوميا ازاء المشروعين الامريكيين-الاخوانيين كفيل بحد ذاته باصابة هذين المشروعين بضربة حاسمة في الجانب المصري وفي الجانب السوري علي السواء . وقد برهن هذا الموقف المصري عن معرفة يقينية من جانب الحكومة المصرية بقيمة مصر الداخلية والخارجية علي السواء وأهمية موقف مصر السياسي ازاء الاخطار التي تهدد المنطقة العربية . وسوريا في القمة من هذه المنطقة وفقا للتقدير المصري الثابت . معارضة أمريكية يعزز الموقف المصري ازاء التهديد الامريكي لسوريا انه جاء موافقا لمواقف الرأي العام الامريكي من هذه التهديدات الامريكية . فقد تبين من الاستطلاعات ان غالبية الامريكيين تعارض الهجوم علي سوريا. كما تبين من مظاهرات قامت في لندن ان الراي العام البريطاني قد رفع لافتات تنادي بالاحجام عن مهاجمة سوريا . وقد كان من نتيجة هذه المعارضة الشعبية ان تراجعت ادارة اوباما الامريكية عن اهدافها من ضرب سوريا من الجو من القول بانها تريد القضاء علي حكم الاسد الي القول بانها " لاتريد اكثر من تلقين الاسد درسا وانها حتي لا تريد تغيير موازين القوي" . بل ان البيت الابيض اعلن ان ضرب سوريا "سيكون محدودا ومتعقلا جدا". ولايزال السؤال يتردد حتي هذه اللحظة عما اذا كانت أمريكا ستقدم علي هذه الخطوة الخطرة . وما اذا كان الهدف مزدوجا يقصد مصر بقدر ما يقصد سوريا (…).