من خوَّلكَ حقَّ الإمامةِ هنا، وفيكَ ما فيك! كأنكَ عادي، كأنكَ لستَ من الشُّذَّاذِ الذين قطعوا علينا السِّكك، كأنكَ لستَ من المصدورينَ الذين التمسوا أنفاسَهم في رئاتِ النَّاس، أو كأنكَ السَّليمُ الذي أطلَّ علي حُطامِ المعاني من شُرفتِه، ومسحَ بالحنانِ فوق انكسارةِ المجاز. من خوَّلكَ، حقَّ تسريبِ النَّارِ تحتَ جلدِ الآمنين، لتهدمَ ما هدمتَ من بيوتٍ علي رؤوسِ أصحابِها، وأنتَ ما أنت: إلهٌ ضَجِرٌ، خرجَ عن العائلةِ مُغاضبًا، ليفسدَ خُطَّةَ الأعمامِ والأخوالِ. إلهٌ ضَجِرٌ، أضمرَ أن يعيدَ ترتيبَ الحكاياتِ وفقَ شهوتِهِ، ويقلبَ المقاديرَ علي نفسِها: فيردَّ الحبيبَ إلي قيدِ عاذلِه، ويمنحَ العاذلَ حظَّ الحبيب. ها أنا.. أفهمُ الآنَ بالأثرِ الرجعي بعد أن صار الفهمُ عبئًا، كيف أن قطاراتِ الدلتا تبقي مسئولةً عن هدمِ سُمعةِ الشِّعرِ، بما جلبتْهُ علينا من آبقةٍ ومطاريد. تبقي مسئولةً عن الدَّنسِ الذي لحِقَ بفَرشتِهِ الناصعة، وعن إدراجِهِ بقوائمِ الممنوعينَ من التجوالِ، والممنوعينَ من المبيتِ في مراقدِ العُشَّاق. أفهمُ الآنَ بالأثرِ الرجعي بعد أن صار الفهمُ عبئًا، كيف حَمَلْتَ السبعينياتِ إلينا فوقَ الكتفِ الهشَّةِ كسيفٍ ذي حدَّين، أو كمرآةٍ، يطلُّ المرءُ فيها فيطالعُ سحنةَ قاتلِه. أفهمُ الآنَ، كيف جررتَها خلفكَ كصليبٍ إلي باحتِنا، لنقيسَ -في الصبا- قاماتِنا بقامتِها، وأذرعَنا علي ذراعيها. أفهمُ الآن، كيف صارتْ علي يديكَ بعدَها، مثابةً للضائعين. وأنتَ ما أنت، صلِّيلٌ لا يكفُّ عن زراعةِ التذكاراتِ حولَ منازلِ العشيرةِ؛ كحقلِ ألغامٍ، وراءَه حقلُ ألغام. من خوَّلكَ حقَّ الإقامةِ في قلبِ خصمِكَ، وفي خيالِهِ! وكيف ارتضيتَ أن تقتصَّ لنفسِكَ مرَّتينِ، وتُمرِّرَ نصلَكَ فيهِ مرَّتينِ، متَّخذًا إهابَ القاتلِ تارةً، وتارةً إهابَ القتيل! أعرفُ: الموتُ لن يكونَ آخرَ ضحاياكَ يا حِلمي، ولا آخرَ المفتونينَ بِك، ولا آخرَ المتورِّطِينَ في صوتِك وهو يتسلَّقُ أسوارَ الحدائقِ، وأسوارَ السرائرِ، من أجلِ أن يقسِّمَ بالعدلِ وسواسَكَ بينَ الجميع. علِّمْنا إذن، ما الذي فعلتَ، حتي تُوقِعَ به في شرِّ أعمالِه؟ وماذا، سوف يصنعُ المسكينُ بالقصائدِ التي تركتَها في حِجْرِهِ، مفطورةً علي الشَّهيقِ والزَّفير؟ .. بعبارةٍ أخري: ما الذي سوف يعملُهُ ذاتَ يومٍ، حين تنكشفُ المكيدةُ، ويصبحُ الفهمُ عبئًا .. لا يحتمَل؟