عفاريت الخرابة ليست أرواحاً شريرة، ولا قوة خفية تلك التي نخرت أساس البناء وجدرانه وقوضت سقفه وأعمدته، البناء الذي كان عفيا، تسرب السوس إلي أركانه بفعل فاعل ومع سبق الإصرار والترصد وأصبح خرابة. والفاعل الذي دق معاول الهدم في البناء هو النظام الحاكم، الذي ترك البلد منذ ثلاثين عاما يتصدع وينهار حتي إنه لم يعد يصلح فيه ترميم ولا تنكيس ولا إحلال وتجديد ولم يعد يصلح سوي إزالة هذا النظام لسطح الأرض وإزالة الخرابات المسماة بمؤسسات دولته حتي سطح الأرض وإعادة بنائها علي «نضافة». لم يعد ينفع سد حنفية فشل النظام الحاكم ومؤسساته بجلدة حنفية أو بقلب حنفية جديد، المشروع علي بعضه خرب وصدأ وأكلته البارومة وثقوبه تطفح من كل جوانبه. فمنذ ثلاثين عاما والكل يقول الحقوا البلد، البلد بتضيع ولم يلحق ولم يحاول أحد إنقاذ ما تبقي من أقدم دولة عرفتها البشرية، وهؤلاء الأحاد هم من بيدهم القرار، فهم الحكام، هم السلطة. والآن وبعد أن كنا نقول الحقوا البلد بتضيع، نقولها الآن بعلو الصوت البلد «ضاعت». مؤسسات فاشلة قائم عليها فشلة بامتياز ومعايير فشلهم مرصودة وبالأرقام وبالمعايير العلمية فلا تنمية، ولا تعليم ولا زراعة ولا صناعة ولا ثقافة، لا شيء علي الإطلاق سوي الخراب. والخرابات لا يعيش فيها سوي العفاريت، وعفاريت خرابتنا الكبيرة يعيشون وينمون ويكبرون في مستنقع الفساد الذي هو من إنتاجهم كامل الصنع، وفسادهم طبعا لن ينتج سوي الفقر والجهل والمرض والبطالة والقهر والعنف. يظهر عفريت من عفاريت الخرابة، ونسمع صوته الآن في مجرد تلاسن ديني، وفي ظل هذا النظام الفاشل الرخو سوف يتحول التلاسن الديني بين إلي تراشق مادي، ونتمني ألا تروي الأرض بدماء المرضي والفقراء والمقهورين والمسروقين، نتمني مجرد أمنيات، فالزهور لا تنبت ولا العيش يخبز في الخرابات.