عين أوباما «سوزان رايس» مستشارة للأمن القومي بعد أن كانت قد نقلت موقع مندوبة أمريكا في الأممالمتحدة، وكان الرئيس الأمريكي يريد تعيينها وزيرة للخارجية قبل ان يغير رأيه ويقع اختياره علي وزير الخارجية الحالي جون كيري. وهذه اشارة كافية الي ان اوباما انما يريد ادخال بعض التغييرات علي ملامح سياسته الخارجية. اما السبب في تراجع اوباما عن تعيين رايس وزيرة للخارجية خلفا للوزيرة هيلاري كلينتون فهو انه استشعر درجة عالية من الخطورة في تهديدات اعضاء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي الذين اعلنوا بكل وضوح معارضتهم تعيين رايس وزيرة للخارجية. اما منصب مستشار الامن القومي فليس لمجلس الشيوخ كلمة فيه لأنه شأن رئاسي بحت. وبطبيعة الحال فان السؤال الاول بشان هذا التعيين هو اي تغييرات ينوي اوباما ادخالها علي السياسة الخارجية الأمريكية، وهل تدل شخصية رايس علي طبيعة هذه التغييرات؟ ولعل اكثر ما يهمنا نحن العرب في هذا الشأن هو ان اوباما يلوح بسياسة جديدة ازاء القضية الفلسطينية. وقد أعطي من التطمينات لحكومة السلطة الفلسطينية ما جعلها تتردد كثيرا في ابداء اي معارضة للمسار الأمريكي. فهل يعني هذا ان اوباما ينوي ايضا تغيير الموقف الأمريكي تجاه اسرائيل. الاجابة علي هذا السؤال هي: لا ولكن … بمعني ان لاتغيير في سياسة اوباما تجاه اسرائيل الاّ من حيث الشكل والاسلوب في طريقة التعامل مع السلطة الفلسطينية. اما الهدف فهو التوصل الي حل الدولتين دون مزيد من التأخير مع اقناع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي برسم المواءمات الضرورية لتحقيق ذلك. ولابد هنا من التسليم بان ثمة اختلافات بين التصور الأمريكي والتصور الاسرائيلي لحل الدولتين. ولكنها اختلافات شكلية. اما اذا تساءلنا وما دخل ذلك بتعيين رايس فان الجواب من شقين اولهما ان ولاء رايس لاوباما اعمق واقوي من ولائها لاسرائيل. هذا امر يدركه اوباما جيدا. اما الشق الثاني فهو ان اوباما يعتزم ان يعهد الي رايس بدور اكبر من المعتاد في هذه القضية في موقعها الجديد. انه بذلك يكون قد رد علي تحدي الحزب الجمهوري. ويمكن ان يضاف الي هذا ان اوباما يعتزم ايضا ادخال تعيينات جديدة – من نوع لا يخضع لسلطة وصلاحيات الكونجرس – تساعده علي تنفيذ حل الدولتين في مواجهة معارضات السلطة الفلسطينية واعتراضات الحكومة الاسرائيلية. وسترأس رايس هذه التعيينات الجديدة وسيكون لها دور التوجيه. في الوقت نفسه فان اوباما يعتزم انتهاج سياسة اكثر تأثيرا فيما يتعلق بالتوجيه الأمريكي لدول النفط الغنية العربية. وقد تبدو رايس هنا قليلة الخبرة بالعالم العربي وخاصة بالقسم النفطي الغني منه الذي يرتبط استراتيجيا وسياسيا بالولاياتالمتحدة اكثر من غيرها. ولكن ميزة رايس هنا هي كونها صفحة بيضاء بالنسبة للسعوديين والقطريين والاماراتيين. والصفحة البيضاء اكثر قابلية لتلقي التأثيرات الجديدة والسير بها في اتجاهات غير مسبوقة. والظاهر ان اوباما يريد ان تكون أمريكا موجودة ومؤثرة في التغييرات التي ستطرأ في المنطقة النفطية الخليجية حتي وان كانت أمريكا تتجه نحو فترة تكون فيها اقل اعتمادا علي النفط العربي. فالمنطقة نفسها ذات اهمية استراتيجية كبيرة كموقع جغرافي. ان اوباما لايقل رغبة في تحقيق سيطرة أمريكية ذات نطاق عالمي، ولهذا فانه سيحاول ايضا استخدام رايس وكل التغييرات القادمة في وقف اتجاه أمريكا اللاتينية الذي بدا خلال السنوات القليلة الماضية نحو نظم اكثر اهتماما بالعدالة الاجتماعية منها بالعلاقات مع الولاياتالمتحدة كدولة مهيمنة. ان من المتوقع ان يبذل اوباما اقصي ما بوسعه لربط أمريكا اللاتينية بسياسة امن قومي تكون اكثر ارتباطا بالولاياتالمتحدة منها بتكوين رابطة لاتينية داخلية وعلاقات خارجية متحررة. والسؤال الاعم هو هل ستستطيع رايس ان تترك بصماتها علي خريطة السياسة الخارجية الأمريكية لتساعد اوباما علي ان يكون رئيسا أمريكيا ناجحا وليس مجرد اول رئيس افروأمريكي؟ تحليل أخباري س. ك