تزامن تطوران في ال24 ساعة الأخيرة بواشنطن، يحملان ملامح توجه جديد، أو بالأحرى يوحي بالجديد، تعتزم إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما اعتماده في سياستها الخارجية الشرق أوسطية. وبالتحديد تجاه سوريا. ليس بما يمس الجوهر، بل بما يؤدّي إلى مغادرة سياسة «الجمود والتفرج»، لأنه لم يعد بالإمكان الاستمرار بها. البديل الذي يجمع بين عدم التدخل وبين «الانخراط الفعّال»، ما زال موضع بحث وبلورة. وتمثلت هذه المؤشرات في تعليق وزير الخارجية جون كيري بأن واشنطن «تأخرت كثيراً» في الدخول على خط الأزمة السورية. كما انعكست في تعيين السفيرة سوزان رايس كمستشارة للرئيس في شؤون الأمن القومي، بدلاً من توم دونيلون. ملاحظة الوزير استوقفت المراقبين، لما تنطوي عليه من اعتراف ضمني بأن المقاربة التي استند إليها الموقف كانت في غير محلها. عندما يقول «جئنا متأخرين» إلى العملية السياسية، فهو بدا وكأنه يقول إن هناك خطأ وقع من الأساس في قراءة الأزمة السورية، وأدّى بالتالي إلى التعامل المتباطئ معها. وبما انتهى إلى التفرّج عليها. يعني أنها كانت سياسة خاطئة، وأن هناك من يتحمل الملامة، ناهيك بالمسؤولية. استطراداً، إن هناك حاجة لمغادرة هذا الخط. طبعاً الإدارة نفت أن يكون كيري قد أراد من ملاحظته أي شيء من هذا النوع. «ما أراده كان الإشارة إلى التحديات التي تطرحها الأزمة»، على ما قالت الناطقة الرسمية في الخارجية، جين بساكي في ردّها على استفسار «البيان».
لكن هذا النفي لم يضع حدّاً لتأويلات المراقبين، التي ذهب بعضها إلى طرح تساؤلات عما إذا كانت ملاحظة الوزير تؤشر إلى خلافات داخل الإدارة، قد تكون هذه بداياتها، بخصوص الشأن السوري. والمعروف أنه في أواخر ولاية أوباما الأولى، حصل تباين في الإدارة بين الثلاثي: وزير الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا، ورئيس ال «سي آي ايه» ديفيد بتريوس، الذي دفع باتجاه تسليح المعارضة السورية، وبين البيت الأبيض الذي رفض هذا الخيار. يومذاك بقي التباين داخل الجدران ولم يكشف عنه إلا بعد انتخابات الرئاسة.
التطور الثاني، أخذ هذا الطابع ولو أنه كان متوقعاً: تعيين سوزان رايس في منصب مستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومي. وهي كانت مرشحة لمنصب وزيرة الخارجية. لكن الجمهوريين في مجلس الشيوخ اعترضوا بقوة، بسبب الدور الذي قيل أنها لعبته في التغطية على التقصير الأمني في حادثة مقتل السفير الأميركي، ومعه ثلاث دبلوماسيين، في بنغازي ليبيا، في أكتوبر الماضي. المنصب الجديد لا يحتاج إلى موافقة الشيوخ، وبالتالي تعيينها مضمون.
رايس محسوبة على جناح المتشددين في الإدارة، تجاه عدد من الملفات، منها السوري. وخاصة موضوع التسليح. والموقع الذي تحتله يلعب دوراً مهماً في صياغة السياسة الخارجية. وعندما كان صاحبه من وزن كيسنجر أو بريجنسكي، تمكن من صنع سياسات ارتبطت باسمه: الانفتاح مع الصين للأول ومواجهة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، التي صاغها الثاني. رايس ليست من هذا الوزن. لكنها مرشحة لتترك بصماتها. خاصة وأنها تحظى بمكانة خاصة لدى الرئيس.
من هنا فإن صدور التعيين في أعقاب ملاحظة كيري، ولو بالمصادفة، وضعه المراقبون في سياق محاولة الإدارة «إعادة تموضعها» إزاء هذا الملف. لكن ليس من بين المتابعين من يرى في هذه المؤشرات دليلاً على تحول جذري في سياسة أوباما الخارجية عموماً والشرق أوسطية بخاصة. الأرجح هذه مقدمات للخروج من حالة «باهتة» ما عاد بالإمكان تسويقها أو تسويغها.
ثمة حراك مختلف في فريق السياسة الخارجية الأميركية. الظاهر منه بات معروفاً. أما مضمونه كنقلة نوعية، فهو في أحسن الأحوال غير مضمون.
تعيين سوزان رايس مستشارة لشؤون الأمن القومي
أعلن مسؤول اميركي ان الرئيس باراك اوباما عيّن أمس، سفيرة الولاياتالمتحدة في الاممالمتحدة سوزان رايس التي طرح اسمها لحقيبة الخارجية في بداية ولايته الثانية، مستشارة له لشؤون الامن القومي. وستعين رايس في هذا المنصب خلفا لتوم دونيلون الذي سيستقيل من منصبه.
وتابع ان اوباما سيعين أيضا المستشارة السابقة والخبيرة في قضايا الابادة سامنتا باور، سفيرة للولايات المتحدة في الاممالمتحدة خلفا لسوزان رايس.
وكانت سوزان رايس رشحت لخلافة هيلاري كلينتون في وزارة الخارجية، ما أثار خلافا حادا مع الجمهوريين في الكونغرس بعد تصريحاته عن الهجوم الذي استهدف القنصلية الاميركية في بنغازي في 11 سبتمبر 2012. ويعتبر تعيين رايس في منصب مستشارة الأمن القومي تحدياً للجمهوريين، حيث إنه لا يحتاج إلى مصادقة من مجلس الشيوخ على الرغم من كونه منصباً رئيسياً.
وتعد رايس دبلوماسية رفيعة المستوى تحمل شهادات علمية عالية ومعروفة بصراحتها. وكانت مساعدة لوزير الخارجية في ادارة الرئيس الاسبق بيل كلينتون ومستشارة الرئيس باراك أوباما حول السياسة الخارجية في حملته الاولى قبل تعيينها في 2008 سفيرة للولايات المتحدة في الاممالمتحدة.
وتولى توم ديلون القريب من أوباما، منصب مستشار الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي في اكتوبر 2010 خلفا للجنرال جونز. وديلون احد مخططي انسحاب القوات الاميركية من العراق وافغانستان قبل 2014 وشخصية اساسية في ملاحقة اسامة بن لادن.
اما سامنثا باور فهي مستشارة سابقة للرئيس الاميركي حول الشؤون الدولية وحقوق الانسان. وقبل ان تعمل في الادارة الاميركية فازت بجائزة بوليتزر تقديرا لكتاب ألفته حول السياسة الخارجية الاميركية.
ويمكن لخلفية باور كمدافعة عن حقوق الانسان ان تجعلها صوتا قويا داخل الادارة الاميركية يطالب بدور أكبر للولايات المتحدة في حماية حقوق الانسان في دول مثل سوريا والصين والسودان. واشنطن الوكالات