تشير الدلائل الواقعية القائمة علي الأرض والشروط الموضوعية الموجودة في سورية، إلي أن الجسور بين النظام السياسي وفصائل المعارضة المسلحة هُدمت نهائياً، ولا يبدو أنه بالإمكان وصلها مجدداً إلا إذا استجدت ظروف استثنائية أعادت بناءها، وعليه فإن الدعوة إلي الحوار أو التفاوض بين أهل النظام والمعارضة باتت متعذرة حسب هذه الظروف، ذلك أنه فات الوقت علي إمكانية التواصل بين الطرفين منذ أن ولغ النظام باستخدام العنف والسلاح، بل ذهب بعيداً في استعمال القصف المدفعي والصاروخي والدبابات وقصف الطيران. وبعد أن بلغ عدد القتلي حوالي مائة ألف قتيل، وضعفهم من الجرحي والمشوهين والمعاقين، وأكثر منهم من المعتقلين والمفقودين، وبعد نزوح أربعة ملايين سوري عن بيوتهم إلي بلدات سورية أخري، حسب تقديرات الأممالمتحدة، ولجوء مليون وربع المليون إلي الدول المحيطة. بعد أن طرح النظام مشروع حوار موارب ،وكررت فصائل المعارضة المسلحة والسياسية في الداخل والخارج وأكدت عشرات المرات أن الخطوة الأولي للحل هي تنحية الرئيس، ثم بعد ذلك يتم تشكيل حكومة مؤقتة تعطي كل الصلاحية. وقد تعمق الحقد علي أهل النظام في نفوس المعارضين السياسيين والمسلحين ومعظم جماهير الشعب حتي صار بدون قرار. والملاحظ أن الجميع يلقون المسئولية علي الرئيس شخصياً سواء كانت نتيجة قرار أم نتيجة ممارسات السلطات العسكرية والأمنية، خاصة أن هذه السلطات هي التي تقصف عشوائياً، وتواجه عمليات المعارضة المسلحة بالقصف المدفعي والصاروخي والطيران من بعيد، دون أن تجعلها مقتصرة علي المسلحين أنفسهم. وبذلك يصيب هذا القصف بيوت المدنيين فيهدمها ويقتل المئات منهم أطفالاً ونساءً ورجالاً. كما تقوم القوات المسلحة والأمينة عندما تداهم المنازل بنهبها وحرقها أحياناً. وعلي ذلك تراكم الحقد تجاه النظام، وانقطع التواصل. إن أقصي ما طرحه النظام لحل الأزمة هو إجراء حوار (مع المعارضة) لكنه حدد هذه المعارضة بالموالين له فعلياً، والتي يشارك قادتها في الحكومة، إضافة إلي النقابات المهنية التي هي في الواقع من صنع النظام. وفي الوقت نفسه ومن خلال ممارسات النظام تبين أن هذا الحوار يعني ، بنظر السلطة ، إلقاء السلاح وقبول جميع فصائل المعارضة الجلوس تحت أجنحة النظام ومحاورتهم، وبالتالي فإن أهداف هذا الحوار لا تتجاوز الاتفاق علي بعض الإصلاحات، ولم يقل النظام يوماً إن الحوار أو التفاوض يهدف إلي إقامة نظام ديمقراطي تعددي تداولي، كما رفض حتي الاستماع لمطلب محاكمة الذين ارتكبوا جرائم بحق الشعب أو أرباب الفساد ، وهكذا فإن هذه الطروحات التي طرحها النظام، والتي يعرف جيداً أنها ليست حوارا ولا مفاوضات، إنما هي لذر الرماد في العيون، ولنشر فكرة أنه مستعد للتخلي عن الحل الأمني، لكن ممارساته طوال السنتين الماضيتين أكدت أنه يراهن حتي الآن علي هذا الحل الأمني رهاناً مطلقاً، ومازال يستخدم جميع صنوف الأسلحة الثقيلة لقصف المدنيين حتي أن بعض البلدات التي قُصفت لم تكن ايوجد فيها أي مسلح، هذا إضافة إلي نشر مئات الحواجز الأمينة التي أقامها في المدن مما يؤكد بالإجمال أن النظام يرفض في الواقع أي حل حواري أو تفاوضي أو سياسي، ومازال موهوناً بأنه سيحسم الصراع مع المعارضة حسماً عسكرياً وأنها سوف تستسلم في نهاية المطاف. من جهة المعارضة، ومنذ أن استعمل النظام السلاح أصبحت أية مفاوضات غير مقبولة إلا بعد تنحية الرئيس. وبالتالي فإن شرط التنحية سابق لأية مفاوضات . وهكذا أمام إصرار النظام علي الحل الأمني العسكري بل (الحربي) الذي يخالف أي قانون أخلاقي أو محلي أو دولي، وبين إصرار المعارضة علي التنحية المسبقة للرئيس، أصبح صعباً علي جميع الذين تدخلوا لحل الأزمة السورية ، بما فيهم الأممالمتحدة والجامعة العربية وأوروبا وروسيا وغير هذه الجهات. تحقيق أي تقدم في مجال الحوار أو المفاوضات. خاصة أن الموقف الروسي مازال يرفض مطلب التنحية المسبقة، ومازال الموقف الأمريكي غامضاً، والأوروبي متردداً. وعلي ذلك صارت الأزمة أكثر تعقيداً، وأصبح حلها شائكاًً. ويبدو أنه علي السوريين أن ينتظروا مزيداً من سيل الدماء وتدمير البيوت والتهجير واللجوء. إضافة إلي غلاء الأسعار والخراب الاقتصادي والبطالة، وتوسع هامش الجوع الحقيقي الذي بدأ ينتشر بين السوريين، وذلك قبل الوصول إلي حل ، إلا إذا حدث اتفاق طارئ بين الدول الكبري، أوالتجمعات الإقليمية الأخري، وأصدر مجلس الأمن هذا الاتفاق بقرار ملزم، ويبدو أن جميع الفرقاء السوريين (سلطة ومعارضة) استمرأوا أن يتم حل أزمتهم خارج الحدود، ويئسوا من أي حل داخلي يمكن أن يتوصلوا إليه وحدهم وبمعونة الآخرين ولكن ليس بقرار هؤلاء الآخرين.