حتي الساعة لم تقتنع السلطة السورية، وأهل النظام، وأصحاب القرار، والرؤوس الحامية في الجيش والأمن، (بل وحتي الرؤوس الباردة) بأن أي حل للأزمة السورية، وأي خلاص للبلاد من محنتها يقتضيان تخلي رئيس الجمهورية عن صلاحياته، وتكليف حكومة انتقالية بها، يكون لها الحق بإدارة الدولة والمجتمع في مرحلة انتقالية، وصولاً إلي وضع دستور جديد وإجراء انتخابات نيابية أو رئاسية حسب الاتفاق. فضلاً عن إطلاق سراح المعتقلين، ووقف العنف وإطلاق النار، وبدء عمليات إغاثة للاجئين السوريين خارج البلاد والنازحين داخلها، وربما بلغ مجموع هذين الطرفين حدود الأربعة ملايين، دُمرت بيوتهم ورحّلوا. ومازال أهل السلطة والنظام يدورون حول هذا المقترح الذي قدمه الموفد العربي الدولي الأخضر الإبراهيمي، ويلفون حوله، ويخاتلون ويخادعون،ويعتقدون أنهم سينجحون يوماً باستبداله بحكومة يتخلي لها الرئيس عن بعض صلاحياته وليست حكومة كاملة الصلاحيات، أو مطلقة الصلاحيات كما تطلب المعارضة، وربما كان أهل السلطة يعتقدون أن شعار الحوار الذي طرحوه في بدء الثورة بدون قيد أو شرط لايزال صالحا، والذي كانوا يعنون به أن تأتي إليهم المعارضة صاغرة وتحاورهم علي تسلم بعض الصلاحيات، وتكتفي ببضعة وزارات، وببعض الإصلاحات التجميلية، وكفي الله المؤمنين شر القتال. أما الأمر الآخر، الأشد خطورة وأهمية في أي حل مقبل للأزمة السورية، وأعني بها تنحية الرئيس خلال فترة قريبة علي أن يبقي من الآن وحتي التنحية بدون صلاحيات، ثم من يشرف علي الجيش والأمن خلال مرحلة الانتقال، وهل هناك هيكلة لهما، ومن يهيكلهما، فتلك أمور يعتبرها أهل النظام من حقهم ولادخل للحكومة الانتقالية بهما، وبالتالي سيبقي النظام كما هو: رئيس بيده السلطة كلها، سواء من حيث عدم التخلي عن جميع الصلاحيات، أم من حيث الإشراف علي الجيش والأمن، ويعرف السوريون أن صاحب أصغر رتبة في جهاز الأمن هو أقوي من أي وزير ويخيفه، وبالتالي تكون هذه التسوية المفترضة لاتسوية ولا تاريخية، بل هي أقل من أي حوار بين قوي وضعيف، وعلي أية حال لايبدو في الأفق أية إمكانية لقبول أهل النظام السياسي مثل هذه الحلول، والأمر برمته تقطيع للوقت، بل ربح للوقت، علي أمل أن تحقق قوات الجيش والأمن الحسم العسكري المنشود علي المعارضة المسلحة، وينتصر حلها العنفي والأمني، الذي مازالت تعتقد بإمكانية انتصاره، رغم أن أكثر المحللين (غباء) يؤمنون باستحالة مثل هذا الحسم. إذن تقف سورية والأزمة السورية والدول المهتمة بها، والمنظمات الإقليمية والدولية عاجزة في الواقع عن الوصول، ضمن الظروف الموضوعية القائمة عن أي حل، ويري بعض المراقبين المطلعين أن كل هذا الدوران، وتلك الجولات، ماهي إلا حراك بلا فائدة، وخداع للنفس يطيل معاناة السوريين، ويفرض استمرار سيل دمائهم،وتدمير بيوتهم وحرقها، وفرض حياة يومية عليهم لم يشهدوا أسوأ منها، ناهيك عن الغلاء وفقدان المواد والأدوية، بما في ذلك فقدان الماء والكهرباء والفيول والغاز وحتي الهواء النظيف. لقد حسمت المعارضة السورية موقفها نهائياً، فرفضت من خلال تصريحات قادتها بقاء الرئيس ساعة واحدة، أو تأخير إعادة هيكلة الجيش والأمن، وأبلغت رأيها لكل ذي علاقة، ويبدو أن أهل النظام حسموا موقفهم بدورهم دون أن يعلنوا بأنهم لن يتراجعوا عن الحل الأمني العنفي، ويأملون بأن جيشهم سيحسم الموقف، رغم أن المعارضة المسلحة تؤكد بدورها أنها ستحسم لصالحها، وبين هذا وذاك يركب الإبراهيمي مكوكه، آملاً أن يبلغ هدفاً، ويبدو أنه لن يصادف أي هدف. مازال أهل النظام يأملون استمرار حكمهم وظلمهم وممارسة معظمهم الفساد والإفساد،ومازالت المعارضة تأمل بالانتصار القريب، وعلي رأي مظفر النواب الذي خاطب علي بن أبي طالب (مازالت شوري التجار تري عثمان خليفتها وتراك زعيم السوقية).