زيارة أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الألمانية بالقاهرة للعاصمة برلين    غدا.. قطع المياه عن مدينة الباجور في المنوفية    5 شهداء في قصف إسرائيلي على خان يونس ومدينة غزة    مصر تتوج ب 6 ميداليات في البطولة الأفريقية للسامبو    بعثة منتخب مصر تغادر إلى المغرب للمشاركة في الدوري العالمي للكاراتيه    الزمالك يُعلن انتهاء موسم أحمد الجفالي    غدا.. انطلاق امتحانات الثانوية الأزهرية بمشاركة أكثر من 173 ألف طالب وطالبة    البوستر الرسمي لفيلم "عائشة لا تستطيع الطيران" ضمن الأفضل بجوائز لوسيول    «الخطيب مش هيوافق».. كيف تفاعلت جماهير الأهلي مع أنباء اقتراب كريستيانو؟    لوكهيد مارتن تكشف مفاتيح بناء قبة ترامب الذهبية.. وتصفها ب"رؤية رائعة"    «التخطيط» تعلن حصول قرية «الحصص» بالدقهلية على شهادة «ترشيد» للمجتمعات الريفية الخضراء    ديو جديد مع الشامي.. هل تُفيد الديوتوهات المتكررة تامر حسني جماهيريا    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    رومانو: تاه يخضع للفحص الطبي تمهيدًا للانتقال إلى بايرن ميونخ    تقارير تكشف.. لماذا رفض دي بروين عرضين من الدوري الإنجليزي؟    مسئول أوروبي يتوقع انتهاء المحادثات مع مصر لتحديد شرائح قرض ال4 مليارات يورو أواخر يونيو    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في بني سويف    ابتعد أيها الفاشل، قارئة شفاة تكشف سر صفع ماكرون على الطائرة    الحزمة الأولى من مبادرة التسهيلات الضريبية.. مجلس الوزراء يوافق على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على العقارات المبنية.. التعديلات تستهدف تخفيف الأعباء الضريبية مراعاة للبعدين الاجتماعي والاقتصادي    تيتة نوال خفة دم مش طبيعية.. وفاة جدة وئام مجدي تحزن متابعيها    هيئة فلسطينية: فرض النزوح القسرى واستخدام التجويع فى غزة جريمة حرب    9 عبادات.. ما هي الأعمال المستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة؟    نائب وزير الصحة تتابع مستجدات توصيات النسخة الثانية للمؤتمر العالمى للسكان والتنمية    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    الرقابة المالية: التأمين البحري يؤدي دور محوري في تعزيز التجارة الدولية    أكاديمية الشرطة تُنظم الاجتماع الخامس لرؤساء إدارات التدريب بأجهزة الشرطة بالدول الأفريقية "الأفريبول" بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولى GIZ    حرام شرعًا وغير أخلاقي.. «الإفتاء» توضح حكم التصوير مع المتوفى أو المحتضر    زيارات ميدانية ل«نساء من ذهب» بالأقصر    الإمارات تستدعي السفير الإسرائيلي وتدين الانتهاكات المشينة والمسيئة في الأقصى    الاتحاد الأوروبي يعتمد رسمياً إجراءات قانونية لرفع العقوبات عن سوريا    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    اليونيفيل: أي تدخّل في أنشطة جنودنا غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان    نسرين أسامة أنور عكاشة ل«البوابة نيوز»: مفتقد نصيحة والدي وطريقته البسيطة.. وأعماله تقدم رسائل واضحة ومواكبة للعصر    الحكومة تطرح 4 آلاف سيارة تاكسي وربع نقل للشباب بدون جمارك وضرائب    سليمة القوى العقلية .. أسباب رفض دعوى حجر على الدكتورة نوال الدجوي    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    ألف جنيه انخفاضا في سعر الأرز للطن خلال أسبوع.. الشعبة توضح السبب    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    الاتحاد الأوروبي: يجب عدم تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية إلى غزة    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    تفاصيل الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من "حقوق السوربون" بجامعة القاهرة    بالصور- إقبال على المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة ببورسعيد    لمواجهة الفكر المتشدد.. "أوقاف الفيوم" تنظم دروسًا منهجية للواعظات    وداعاً تيتة نوال.. انهيار وبكاء أثناء تشييع جنازة جدة وئام مجدى    روبوت ينظم المرور بشوارع العاصمة.. خبير مرورى يكشف تفاصيل التجربة الجديدة.. فيديو    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية ويوجه بسرعة إعلان نتائج الامتحانات    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    صحة أسيوط تفحص 53 ألف مواطن للكشف عن الرمد الحبيبي المؤدي للعمى (صور)    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطر.. بين بلدان الربيع العربي وتخوم الجزيرة إمكانات “إمبراطورية” قطر لإجهاض ثورات الربيع العربي ودعم الإخوان والسلفيين
نشر في الأهالي يوم 20 - 02 - 2013


رئيس تحرير ” المدي ” العراقية
( 1 )
عند انطلاق قناة الجزيرة القطرية ، عُدَّت من وجهة اعلامية وسياسية ، خرقاً صادماً ، يؤسس لعلاقة جديدة بين الشعوب العربية وحكامها ، لما توفرها من مساحة مفتوحة للرأي الآخر المقموع من النظام العربي الرسمي .
وبسبب القهر والمصادرة المطلقة للحريات وتحكم الانظمة الشمولية الاستبدادية في العالم العربي ، لم تواجه المحطة والقيمون عليها بما عند اوساط سياسية وثقافية ناقدة ، من تحفظات وتساؤلات حول سياسة الجزيرة ونهجها والاهداف المرسومة لها ، ولم تكن تلك الملاحظات والتحفظات ، مجرد مُشاكسَة اعلامية او سياسية مغرضة وحاسدة .
لقد كشفت قناة الجزيرة ، فجأة المستور من فضائح الانظمة العربية ، التي تستر عليها الاعلام الرسمي ، واظهرت الي العلن المطمور من مفاسدها وتعدياتها علي شعوبها ، وبددت مثل فقاعة ، خرافة حصانة حدودها ، واستعصاء عفة سلطتها علي الانتهاك ، واسرار اقبيتها وسجونها ووسائل تعذيبها من الافتضاح والتعري .
وظلت الجزيرة ” القناة ” تنتشر في ارجاء العالم العربي ، وتتحول منذ الاشهر الاولي الي ظاهرة فريدة ، تقتحم الاسوار المنيعة ، وتَهد البني المترهلة ، المستبدة ، وتقوض شرعيتها الاخلاقية والشعبية ، وتستثير احزان الشعوب المنكوبة بحكامها ، وتكثف من اشجانها المطمورة .
انها لم تكن مجرد قناة تلفزيونية في فضاء ظل مُحْكَم الاغلاق ، بل قذائف من نوع خاص ، تخترق الحدود ، وتتسرب الي البيوت والاندية ومهاجع الجنود والطلبة ، وتفك لهم بالصوت والصورة ، مشاهد سَبْيهم وتجريدهم من ارادتهم وانتزاع حناجرهم ، والتلاعب بمقدراتهم وتبديد ثرواتهم .
والمفارقة العجيبة في ظاهرة ” قناة الجزيرة ” انها لم توفر يميناً ولا يساراً ، الا وتناوشت الذمم فيها ، وهتكت ما خفي في المخادع وما تواري خلف جدران المكاتب والدواوين .
واصبح للجزيرة ، بحكم قدرة صنع الفضائح فيها ، وكشف المستور، حظوة دولة عظمي ، وبفضلها اصبحت ” قطر ” الجزيرة الملتمة علي نفسها ، كقطرة في محيط ، مساحة ممتدة ، مفتوحة علي كل فجٍ عميقٍ ، تتطاول حتي لا يتسع لها مكان .
( 2 )
لم يلتفت يومها احد او يتوقف ، عند تناقضات ظاهرة الجزيرة . ولا آثار الاهتمام ، المخفي من وظائفها واهدافها وفلسفتها ، كما لم يتمعن ، حتي من كان عارفاً ببواطن الامور ، في من يقف وراءها ويخطط لها ويرسم خطوطها ، ويستميل انحناءات خطوطها ، وهي تغوص في البحر تارة ، وتخرج مثل ألقٍ مزهوٍ بنفسه تارة أخري . لقد ظل كل ذلك مؤجلاً ، ومقيداً في سجلات مجهولٍ يتمنع ، يبدو احياناً كما لو انه يعتمر طاقية إخفاء .!
لقد دوخت القناة الملوك والرؤساء العرب ، وحاروا بدنياهم ودينهم الذي جردتهم منه الجزيرة وبلغ الحنق ببعضهم حد الشكوي لدي الولي الاعظم وراء المحيط ، لعله يفك لهم اسرار حروف الجزيرة التي تغتسل كل يوم بالمياه الحارة لتستعيد عذريتها .
ومع ان النازلة كانت أشد وقعاً علي زعماء التحرر الوطني وقادة دول الممانعة والصمود والتصدي ، فإن تعويذتهم ” التقدمية ” لعبت دور المسكّن ، ضد وباء القناة وما يحوم حولها من شبهات الاستعمار والصهيونية .
وخلال الفترة الممتدة من لحظة اطلاقها ، حتي السابع من نيسان عام الفين وثلاثة ، واصلت قناة الجزيرة دورها المزدوج ، وهي تتقدم علي سُلَّم اولوياتها السياسية ، متشبثة بحصانتها ، الا في اوساط محدودة ، ضعيفة التأثير في مواجهة اتهامات ينال من صدقيتها ونظافة ذيلها .
وفي خطٍ متوازٍ مع سقوط صدام حسين ، ودخول القوات الامريكية الي العراق واعلان احتلاله رسمياً بمباركة رسمية عربية ” كُلية ” ، بدأت الجزيرة القناة ، والجزيرة المشيخة ، دورها ” القومي ” ضد الولايات المتحدة المحتلة ، وشنت حملة ” جهادية ” واسعة النطاق ضد العراقيين ، ومهدت عبر التمويل ، والاسناد المعنوي والاعلامي ، لغزو الاراضي العراقية من قبل قتلة تكفيريين وأفاقين من شتي البلاد العربية ، يتوشحون بلباس الجزيرة العربية ، ويتنكرون تحت لافتة ” المقاومة ” المتهرئة ، ويتمنطقون بالاحزمة الناسفة ، وهم يفجرون انفسهم وسط تجمعات العراقيين العُزل المسالمين ، النابذين للاحتلال ، المتفائلين بسقوط الطاغية .
وفي الوقت الذي كانت فيه قناة ” الجزيرة ” تسجل جرائم الارهابيين ، وتبثها كمآثر جهادية ، كانت القوات الامريكية والمتعددة الجنسية تجدد حيويتها في ربوع الجزيرة لتدخل بأمان الي العراق ، تواصل مهامها الاحتلالية ، بعد ان انتهت مهامها العملياتية المنطلقة من قاعدتها العسكرية الاكبر في قطر .
ولأول مرة ، انكشف الغطاء عن التناقض الحاد ، بين قطر ” الحاضنة ” للمركز القيادي العسكري والمخابراتي العملياتي للولايات المتحدة الامريكية في المنطقة ، والحليفة الاثيرة لها ولاسرائيل ، ودورها الجديد في تامين الدعم المالي والاعلامي واللوجيستي للجهاد ولامريكا في ذات الوقت .
( 3 )
ولم يقتصر التناقض علي مزدوجي ” الجهاد وأمريكا ” بل تعداهما الي طائفة من التناقضات العسيرة علي الهضم . فالمشيخة القطرية ، مدينة في حضورها للولايات المتحدة التي ترتبط بها بتحالف استراتيجي ، وصفها ذات مرة ، الشيخ حمد بن جاسم نائب ، رئيس الوزراء ، وزير الخارجية القطري ، بانها ” تثير حسد الملوك والرؤساء العرب ويسيلُ لعابهم ” ! وهو سبب عداوتهم في هجومهم علي دولة قطر . كما ان شيخ قطر الذي انقلب علي ابيه واغتصب السلطة منه ، يدينُ بفضل لإسرائيل عليه ، لا أقل من فضل ادارة المخابرات الامريكية ، لمدها يد العون اليه خفية ومساعدته في انجاح عملية الاغتصاب السياسي ، وتوفير الغطاء والحماية غير المرئية لمشيخته .
واظهر تفجير القاعدة لبرجي التجارة الدولية في نيويورك عام 2001 ، تناقضاً سافراً ، بين ” تبعيتها ” لواشنطن وتحالفها مع اسرائيل ، وسياسة الجزيرة ” الحاضنة ” للاخوان المسلمين ومركزهم الدولي ، وانفرادها الاثير لتسجيلات بن لادن الجهادية وسبقها الاعلامي في بث وقائع عمليات القاعدة وانتحارييها في شتي اصقاع وامصار العالم .
وبدت قطر المشيخة ” النانوية ” من حيث المساحة علي خارطة العالم ، كما لو انها تخوض معركة ” تحدٍ قومي”
ولي اذرع مع الادارة الامريكية ، وهي الرابضة في احضان اقوي معسكر أمريكي في العالم خارج الولايات المتحدة ، لجهة تكنولوجيا اسلحتها المتطورة الضاربة ، وعُددها ، وعديد قواتها ، وكثافة نيرانها ،
ولم تأبه للانتقادات اللاذعة التي وجِهَت لها من القيادات الأمريكية ، بل خاضت ضدها معركة ” كفالة حرية الاعلام الدولي ” ! . ودخلت في تدرج مدروس علي خط التنافس الاعلامي السياسي ، بدءاً من احتلال العراق مع ” جوهرة واشنطن ” CNN ” و ” CBC ” واخذت تتواجد علي خطوط النيران ، في كل حدثٍ وتفجيرٍ وعملية انتحار . وسجلت كاميراتها ، وقائع انتحارية و ” جهادية ” مع لحظة وقوعها ، مما كان يشي ، بتنسيق مع القائمين علي العمليات الارهابية ، وعلي الاخص القاعدة وامتداداتها .
( 4 )
وغرائب جزيرة قطر ” النانوية ” تتسع رقعتها السياسية ، لتكون لتؤمّنَ وفي الوقت نفسه ، حاضنة محميةً للشيخ القرضاوي ، امير مؤمني الاخوان المسلمين في العالم ، بجوار المعسكر الأمريكي العملاق ، ومكتب التنسيق الاسرائيلي !. وفي فصل سياسي غرائبي مثير ، تستضيف المشيخة وتُكرم اسرة المقبور صدام حسين ورموز نظامه من القيادات والكوادر البعثية ، وتضعهم تحت تصرف عرابَيها ، الأمريكي والاسرائيلي ، للاستفادة من خدماتهم في صولاتها ومعاركها في العالم العربي . دون ان تبخل بخدماتها ، لكل المعارضات ، سواء بالدعم المالي او بعقد المؤتمرات او الايواء ، او ما تراه مناسباً لتمكينها من بلوغ اهدافها .
وبفعل دورها ، استحقت بجدارة لقب امبراطورية قطر ، وخرجت بذلك من واقعها ” النانوي ” .
( 5 )
لم يكن المشهد ليكتمل دون بزوغ الربيع العربي ، ودور مشيخة قطر ، في تحويلها الي خريف صيفي قائظٍ ومكّدر . فالحركة الشعبية التي انطلقت بمبادرة الشبيبة ، وتوسعت لتُخرِجَ الملايين من صمتها وتنخرط في مظاهرات مليونية في تونس ثم تمتد الي مصر وليبيا فَتُسْقِط انظمتها ورؤسائها ، اصطدمت بدخول قطر علي خطوط التكوين الهش الجديد ، وتضع كل امكاناتها لاجهاض الثورة ، وتمكين الاخوان المسلمين والسلفيين ، للاستيلاء علي السلطة فيها . وفي سياقٍ متصل ، بدأت المشيخة تتحرك سرياً ، بدعم اخوان مصر لتشكيل نواتاة اخوانية في بلدان خليجية ، وتعزيز دور التنظيمات التكفيرية الطائفية في سوريا ، واضفاء طابعٍ اخواني – قاعدي علي تشكيلات ” جبهة النصرة ” وغيرها من التنظيمات ” الجهادية ” الوافدة ، محولة انظار الرأي العام الحذر من تطورات الاوضاع في سورية والمنطقة وغلبة مسحة الاسلام السياسي عليها ، ومستفزة المكونات الملوَّعَة والقلقة من النتائج التي يمكن ان تترتب علي اي تغيير قادم ، يتشابه مع تدهور الحالة في مصر وتونس .
ان تدخلها في سورية بشكل خاص ، ينعكس سلباً علي المعارضة الوطنية والقوي المناصرة لها داخلياً وعربياً ودولياً ، ويؤدي في الواقع العملي الي اضعافشها ومحاصرتها بشبهة الاسلام السياسي المتطرف ، مما يفضي الي اطالة معاناة الشعب السوري ويضّيق من حرية حركة القوي المناضلة لتحقيق التغيير الديمقراطي ، واقامة الدولة المدنية التعددية ، وتكريس التنوع المكوني في اطار الوحدة الوطنية . وفي كل اتجاهات تحركها ، تتبني مشيخة قطر ، وقناة الجزيرة نهجاً سافراً لإشاعة اجواء الفتنة الطائفية ، وحرف نزعات التغيير الوطني الديمقراطي اينما امكنها ذلك ، في هذا الاتجاه . وهذا ما حصده العراقيون بعد التغيير وحتي الان من تطاولها علي الارادة العراقية الشعبية المستنفرة ضد النهج والسياسة الطائفية ومحاصصاتها المقيتة . ولم يتوان شيخ قطر عن التلويح بمنع اقامة دورة الخليج الكروية في البصرة اذا لم يجر تغيير الحكومة وفقاً لما يشتهي ، لا بما يسعي العراقيون لتحقيقه ديمقراطياً .
( 6 )
امام كل هذه الوقائع وتناقضاتها ، يبرز اكثر من تساؤلٍ ، لِنَقُلْ انه مُحير ، مع انه ليس كذلك ، اذا ما توغلنا في عمق التركيبة القطرية الحاكمة ، وما يحيطُ بها .
ومن بين التساؤلات المنطقية ، التي يجري تداولها ، ما يخص سر عدم احتراز وقلق مشيخة قطر من واقعها السياسي المجافي لسلوكها وتدخلاتها في محيطها العربي والاقليمي . فهي اولاً شبه دولة ، من حيث جمعها بين المشيخة ونصاب الدولة الحديثة . وهي في هذا التوصيف تفتقر لكل مظاهر الحياة السياسية المبنية علي ارادة سكان الجزيرة ، ولو بالحدود الدنيا لما تنطوي عليها الارادة من تمثيل ومشاركة في القرار وتصرف في الموارد وتعبيرٍ عن الرأي الاخر . فالجزيرة القطرية معفية كلياً من المساءلة عن الحريات الديمقراطية والانتخابات التشريعية الحقيقية والسلطات السيادية المستقلة ، خارج تمثيل وارادة وتصرف العائلة الحاكمة واضيق حاشية منتفعة حولها . ولكنها اذ تتجاهل حقائق تكوينها السياسي غير الشرعي ، اذا انطلقنا افتراضاً من شرعية قاعدة التوارث العائلي ، تتمادي في دعواتها للديمقراطية والمقاومة والجهاد ، وهذا ما يشكل العقيدة المرائية لقناة الجزيرة ، ولا تتنبه الي ان سلطتها القائمة مغتصبة من الوالد المنفي بانقلاب عسكري ، بدعمٍ من الموساد الاسرائيلي ” كما يشاع “. والتساؤل الاكثر اثارة في واقع الدولة القطرية ومشيختها ، يدور حول كيفية الجمع الايجابي بين نظامها الشمولي الخالي من اي نسمة ديمقراطية ، ومرابطاتها في بلدان الربيع العربي المُتَخَرِف بفضلها . وكيف امكنها توفير ” مساكنة ” آمنة ، بين الشيخ القرضاوي ، وقيادة القوات الأمريكية المركزية ” السنتكوم ” التي تولي ادارتها الجنرال فرانس ، اثناء غزو العراق ، ثم ابا زيد وبترايوس ؟ واين موقع مكتب التنسيق الاسرائيلي من مكتب شئون الارشاد العالمي الذي يتولاه الشيخ القرضاوي ؟
( 7 )
يكتَبُ لقطر فَضلَ الريادة الاعلامية في العالم العربي ، بكسر ” الجزيرة ” للتابوات التي احاطت بالانظمة الشمولية ، وهدم الاسوار الافتراضية العازلة بين البلدان العربية ، كما لا ينسي لها فضلٌ علي اسرائيل لفتحها الفضاء السياسي العربي الاعلامي امام قيادتها والانفتاح علي واقعها ومساعدتها في انزياح الحساسيات المفرطة بالتعامل معها ومقاطعتها .
ويكتب لها الفضل علي الولايات الأمريكية ، لتأمين سلامة مقر قيادة ” السنتكوم ” من هجمات القاعدة والمنظمات الاسلامية المتطرفة والتعرض لمعسكرها الاخطر ، بضمانة بن لادن والقيادات المسلحة وتطمينات من الشيخ القرضاوي ، وهم يعبرون سلوكياً عن حرص شديد بالامتناع عن اي نشاط ارهابي داخل قطر ، لانهم يرون فيها ” ملاذهم الآمن ” وسندهم المكين ، وولي امرهم في المنعطفات ، والا كيف يستقيم تفسير هذا التناقض التناحري بين كل هذه المكونات المجتمعة في جزيرة تُحْسَب المسافة بين زواياها بمناظير المهندسين المساحين ؟
ُُيحسبُ لقطر انها تستطيع احتواء معارضاتٍ عربية تبحث عن تحقيق ذاتها ، وتثور علي استبداد انظمتها ، دون ان تلتفت الي واقع القطريين الذين يتحكم في مصائرهم وثرواتهم ، حفنة شيوخ وشيخة واحدة متنفذة .
ويكتب لها ايضاً ، عنفوانها في فضح انتهاكات العسكريتارية الغربية ، وبفضل مشترياتها تُحَدِّث خزين الاسلحة والطائرات والدبابات الأمريكية الفتاكة كلما لزم ذلك ، وتشكل غِطاء قومياً لقاعدتها وتحركاتها في المنطقة .
ويكتب لقطر ، تحولها من دولة عالم ثالثية ، الي دولة ” مانحة ” بما تهبه لمصر ، تعزيزاً لسلطة الاخوان المسلمين وما تقدمه من مشورة ” لأخونة الدولة العميقة ” المصرية ، والتسلل من خلال منحتها الي العصب الاقتصادي الاستراتيجي لها بالاستيلاء الشرعي علي قناة السويس ، لتستكمل بذلك عناصر هيبتها كامبراطورية ، وربما قيامها بدور الدولة العظمي .
ومع تراجع الدور العربي لمصر ، تتقدم قطر الي صدارة المشهد العربي الفلسطيني ، لتقوم بدور الراعي والوسيط بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، نظراً لحظوتها لدي القيادة في تل ابيب . ولكنها اذ تنهض بهذه ” المهمة القومية ً في العلن ، تتحرك من وراء الكواليس ، بالتنسيق مع الاخوان المسلمون ، حكام مصر الجدد ، لإقناع الولايات المتحدة ، بافضلية التعامل مع حماس ، بدلاً من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني .
لقد امتدت اذرع مشيخة قطر ، لترسم خطوط التماس والفصل ، بين قوي الحراك السياسي في بلدان الربيع العربي ، وتساهم في تحديد حظوظ من يتبوأ المواقع القيادية فيها ، وبالتالي تقرر مصائرها وتوجهاتها ، او هكذا تسعي ، خفيةً أو علانية .
وليس في ما تفعله حرج عليها ، ما دامت تلتزم باصول وقواعد اللعبة السياسية في ظل فراغٍ سياسي ، دون ممانعة او اعتراضٍ جدي ، وتحت سمع وبصر الجامعة العربية ، واحياناً بتفويض منها .
( 8 )
الي جانب ذلك كله ، بالوجهين ، لابد من الاقرار بان مشيخة قطر ، الطائفية حتي النخاع ، الموالية بفخر لأمريكا واسرائيل والاخوان المحسودة علي حظوتها ، المتعالية علي العرب كلهم ، ملوكاً ورؤساء ومشايخ ، يحسبُ لها التفاتها لسكان الجزيرة وتحقيق القدر المناسب من متطلبات تجسيد انسانيتهم ، من حيث تأمين المعاش ورغد العيش والاستقرار . ولا يهم بعد ذلك حسابات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ، ف “ليس بالحرية وحدها يحي الانسان “! .
ثم …. واحسرتاه
( 9 )
قد يتبادر الي الذهن ، ان هذا السياق في الدخول علي الواقع العربي وربيعه وتناقضاته ، محكومٌ هو الآخر بالتناقص ، اذ يتعرض لتدخلاتِ دولة تتطوع في الدفاع عن حرية شعوب تتحكم في مصائرها انظمة استبدادية ، بتطرفٍ وغلوٍ لا مثيل لهما .
ومن واقع هذا التناقض ، يمكن اثارة كومة من التساؤلات عن واقعنا الطائفي ، وانحيازاتنا الطائفية خارج الحدود ، وقبولنا بالوصاية الطائفية ، مع مفارقة كوننا كشعبٍ ، لا حرمة لكراماتنا ، نعيش مستلبين ، بلا ماء صالح للشرب ، ونخَوّض في فيضانات امطارنا ، لان مدننا بلا مجاري صرفٍ صحي . نتعثر ببعضنا في ظلام شوارعنا وبيوتنا ، لاننا تعاشرنا، ونحن في القرن الواحد والعشرين مع عجز دولتنا عن انها عجز الطاقة الكهربائية لدولتنا النفطية .
ومع اننا نمتلك اكبر احتياطي نفطي ومصادر لثروات متنوعة لم تستخرج من باطن الارض بعد ، نقبل بصمت مخزٍ ، بقاء الملايين من مواطنينا يعيشون ” شبه امواتٍ ” تحت خط الفقر . وفي الحد الفاصل بين موتهم وحياتهم المهينة للكرامة الانسانية ، يعتاشون علي زبالة لصوص الدولة ونهابيها .
ودون مبالاة ، يموت اطفالنا من المرض وفقر الدم .
ويضيع طلابنا وطالباتنا في مدارس ومعاهد وكليات ، بلا مناهج تنقلهم من عهود الجاهلية الاولي الي رحاب العلوم ومعارف العصر ، تعشعش في اروقتها ، اساطير الجن والخرافات وكتب الاستخارة
وتلاميدنا الصغار يزدحمون في مدارس بلا سقوف تحميهم ، يخَوّضون في الاوحال ويرتجفون من البرد ، تمضي سنوات تعليمهم الابتدائي والمتوسط ، وقد تزاحمت في عقولهم ، التعارضات بين التلقين البليد وما تحويه مناهجها المقررة ، وما يشاهدونه ويطلعون عليه في وسائط التواصل الاجتماعي والثقافي ، ومن خلال الالعاب والترفيه المعرفي والتعليمي ، التي توفرها الشبكة العنكبوتية وبرامجها المتاحة .
وفي الوقت الذي نقتل فيه من قبل الانتحاريين والارهابيين ، وتتزايد فيه عديد قواتنا الامنية والعسكرية والمخابراتية ، تستمر الفوضي الضاربة اطنابها في كل حدبٍ وصوب ، وتتضاعف اعداد العاطلين من الخريجين واصحاب الكفاءة ، تغيبهم البطالة الحقيقية والمقنعة ، وتجرفهم مسالك التشرد والضياع .
وتظل رغم ذلك كله ، دولتنا لا دولة ، ومصيرنا معلقٌ في كف القدر والعفاريت ، وحيتان الفساد والتسلط .
ورغم ان تعدادنا نفوسنا بلغ الاربعين مليوناً ، ومواردنا النفطية لوحدها تتراوح او تفوق المائة والعشرين ملياردولار ، فإن تسلسلنا في سلم الفساد ومستويات الفقر وانتهاك حقوق الانسان والحريات ، يحتل مراتب متقدمة علي جميع الامم المصرة علي التخلف بفضل حكامها ، وربما يقع في المسافة الفاصلة بين الصومال وابعد دويلة افريقية غير مرئية علي الخارطة العالمية ، متناهية الصغر والثروة .!
( 10 )
وبعد كل هذا ، وغيره مما لا يقال ، الا يحق لدولة قطر ، ان تتعالي علينا ، وتعبث في ملاعبنا ، وتعيرنا بالعيب الذي فينا ، وتجور علينا ، وهي تتوعدنا بحرمان ” رياضيينا ” بدورة كروية خليجية ، علي لسان الشيخ حمد ، اذا لم ترتدع حكومتنا الرشيدة ، وتستهدي بالمشيخة بدلاً من الرحمن ..
اوليس من حق ” الجزيرة ” ان تَسخََرَ من تخلفنا وفساد ذمتنا ، ، ونحن نقف عاجزين امام حالتنا ، كبلدٍ عالم ثالثي ، نزداد املاقاً وفقراً وفساداً ، نغرق في الخلاف والاختلاف علي تعريف ومفهوم الطائفية والمحاصصة والقسمة الضيزي بين فرقاء حاكمينا ، ونظل ابعد ما نكون من عتبة الحداثة والتقدم والحضارة الانسانية التي بلغتا اوجها اممٌ وشعوب ، لا تمتلك خزائن النفط ، ولا الثروة البشرية والعمق الحضاري التاريخي ، ولا القدرة علي العطاء والصبر .
مع ذلك ، لا شماتة ، ولا بأس من اوضاعنا المزرية وتدنيها ، ولا ضير في احوال حكومتنا ، اذ لابد من تغير الاوضاع والاحوال ..
ولا بأس من حالة تخلفنا المؤقت عن ركب التقدم والحداثة والحضارة الانسانية ، التي بلغتها ، رغم كل ما قيل ، مشيخة قطر ..
ولا بأس من كل ما نُعَير به من قبل الشيخ حمد ، من نهجنا السياسي الطائفي ، وعجزنا عن استكمال بناء دولتنا ، ومظاهر الخراب والتدهور وسوء الاحوال ، وقلة الحيلة ازاءها ..
لا بأس من ذلك ، فقد جربنا العيش في اتونها ، ولنا قوة الارادة والتجربة علي التجاوز ، حيث يستعصي الحل. علي ان احوال الشعوب والامم تظل في حراكٍ وتبدلٍ دائم ، وليس بالربيع وحده تتفتح الورود وتتضوع بعطرها الحياة .
واذا استطاع الربيع العربي المُجهَض ان يعصف بانظمة الاستبداد والتوارث الجمهوري ، فمن الحكمة تجنب الوقوع في افخاخ اوهام السلطة المستدامة وتداعياتها
فالربيع الحقيقي الكسير والمُجهَضْ ، مؤجلٌ الي حينٍ ومرتجي ..
واذا ما حل اوانه فلابد له من ان يتفتح عن موسم ٍ زاهر ، كما لم يكن عليه يوم تناوشته معاول التخريب والاغتصاب ، واذ ذاك لاسبيل لاستثناء دولٍ ولا مشايخ ، من نسائمه وعبيره ..
ومن كثرة تفاعل المشيخة القطرية مع الربيع العربي ، فقد بات العشق يلمهما علي بعض ، ومن العشق ما قتل ..!
لقد احتفت جزيرة قطر ، من شدة ولعها بالغرائب والاساطير ، ب ” صندوق بندورا ” ..
وشياطين بندورا ، تترقب لحظة تقوم قيامتها بتدبير فاعلٍ غشيم ، او هاوٍ لكشف المستور ..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.