روي فوستيل دي كولنج في كتابه «مصر في العصر العتيق» أن كاهنا دجالا من كهنة النواويس «الناووس مكان خلوة الكاهن الدجال الذي يدعي الطب والسحر للارتزاق» أوهم بسطاء قريته «إن ذلك النمر الذي يدور حول قريتهم ويخطف الأطفال والحملان والمعيز ما هو إلا «رب» في صورة نمر».. فبدأ البسطاء يقدمون حملانهم ومعيزهم للكاهن كي يرضي بها الرب النمر.. كذلك أهدي الناس الكاهن باللحوم ليقدمها إلي ذلك الرب الذي لا يشبع.. وحدثت معركة بين النمر والفيل، فسحق الفيل النمر.. وأعد الكاهن قصة جديدة تحسبا لأسئلة أهل القرية.. وقال لهم - لما سألوه عن مصير ربهم - إن الرب خرج من صورة النمر، وحل في جسد الفيل.. وقدم البسطاء الأعشاب الخضراء وأوراق الشجر للرب الجديد.. وأوهمهم الكاهن أن الرب الذي حل في جسد الفيل يحب اللحم، فعاد البسطاء لإهداء الكاهن بباكورة شياههم ومعيزهم ليقدمها لذلك الرب الذي تقمص صورة الفيل.. وفي العصور الوسطي المسيحية في أوروبا، سطت الكنيسة الكاثوليكية علي البشر وسلبتهم حرياتهم ومعتقداتهم، وفرضت عليهم آراءها، وسلبت النبلاء والملوك سلطاتهم.. وحاكمت العقلاء والفلاسفة والمستنيرين، وقتلت من قتلت، وأحرقت من أحرقت، ولكن البسطاء والعقلاء من الأوروبيين، قاوموا سلطان الكنيسة الطاغي.. روي المؤرخون أن جمعيات سرية شعبية تأسست لتترصد وتقتل جواسيس الكنيسة الذين كانوا يقومون باغتيالات للمستنيرين والمفكرين.. وظهر النبلاء والملوك، وأخيرا اندلعت الثورة الفرنسية التي أشاعت في أوروبا روح الحرية والمساواة .. ودخل رجال اللاهوت كنائسهم وعلمتهم أوروبا أن رجل الدين مكانه الكنيسة، ولا حق له في أن يفرض سلطانه وأفكاره علي عقول الناس. ولايزال مرتزقة الدين عندنا يصولون ويجولون، ويرفعون دعاوي «الحسبة» ضد كل من يفكر لصالح الشعوب ومستقبل الأبناء والأحفاد.. ويستشهد نصر أبوزيد مريضا غريبا بعد جهاده في سبيل رفع سطوة العصور الوسطي عن مصر، بكتبه الآخذة بيد الناس من البسطاء والمثقفين والمفكرين، والمناهضين للمتاجرين بالدين.. يكفي الشهيد نصر فخرا، أنه بالرغم من سطوة الظلاميين، أضاء النور لأمته بكتبه الرائدة: «التفكير في زمن التكفير» «النص والسلطة والحقيقة» «الاتجاه العقلي في التفسير» «المجاز في القرآن عند المعتزلة» «تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي» «مفهوم النص».. نعزي أنفسنا في وفاة الدكتور نصر.. ونعزي الدكتورة ابتهال يونس، رفيقة دربه، في وفاة أحد أعلام الفكر المصري المعاصر، الذي وضع مصابيح كثيرة لهداية أمته.. سيسجل التاريخ اسمه بحروف من نور.. بينما يحظي الظلاميون بأحقر صفحة، في مزبلة التاريخ.