عقد المجلس الوطني السوري دورة اجتماعات لمدة أربعة أيام في الدوحة عاصمة قطر في الأسبوع الماضي، وكان هدف دورة الاجتماعات المعلن إعادة هيكلة المجلس. وكان المجلس قد شكل لجنة قبل بضعة أشهر، لدراسة هيكليته وتقديم مشروع لدورة الاجتماعات هذه، بعد أن توضح أن المجلس يعمل في الواقع بدون أنظمة ولا معايير ولا ضوابط، ووقع بيد بضعة أشخاص سموا أنفسهم المكتب التنفيذي، وكان واضحاً أن جماعة الإخوان المسلمين يهيمنون علي هذا المجلس. قبل انعقاد دورة الاجتماعات هذه، صرحت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية بأنه ليس للمجلس وجود حقيقي في داخل سورية، وأنه فشل في تحقيق وحدة المعارضة، وأن أخطاءه وضعف أدائه أدت إلي تقوية المتطرفين المسلحين في سورية، وبالتالي فإن المجلس لا يستحق أن يكون ممثلاً للشعب السوري، وعندما نتذكر أن الولاياتالمتحدة هي التي هيأت مؤتمرين دوليين باسم أصدقاء سورية، أحدهما في تونس ضم ستين دولة والثاني في اسطنبول ضم أكثر من مئة وعشر دول، واتخذ كل من المؤتمرين قراراً بأن المجلس الوطني ممثل للشعب السوري، وكان واضحاً أن الولاياتالمتحدة هي الدافع لعقد هذين المؤتمرين وهذا القرار، وقد باركت أعمال المجلس وقامت بحملات إعلامية لدعمه وإشهاره، وحرضت عديداً من وسائل الإعلام لوضع إمكانياتها تحت تصرفه، عندما نتذكر ذلك، نستغرب ما قالته كلينتون مما أدي إلي الذعر داخل المجلس، الذي أدرك أن الولاياتالمتحدة رفعت يديها عنه من جهة وحملته أخطاء المعارضة السورية وتشرذمها في المرحلة السابقة من جهة أخري. انتخب المجلس المجتمع في الدوحة حسب الهيكلية الجديدة أمانة عامة من (41) عضواً ليس بينهم امرأة . وبلغ عدد الإخوان المسلمين في هذه الأمانة 23 عضواً، أي أصبح واضحاً أن الإخوان المسلمين هم الذين يسيطرون علي المجلس الوطني السوري سيطرة كاملة، وهذا ما كانت تقوله هيئة التنسيق (المعارضة الداخلية) طوال الإثني عشر شهراً الماضية دون أن يأخذ أحد كلامها بعين الاعتبار، وهيمنة الإخوان المسلمين تذكرنا برفض المجلس طيلة الفترة السابقة كلها أي وحدة مع المعارضة الداخلية، التي تتألف من عشرة أحزاب قومية ويسارية. وقد حصلت عدة اتفاقات بين المجلس الوطني وهذه المعارضة، كان المجلس الوطني يلغيها بعد يومين أو يعلن عدم التقيد بها، وكان منها اتفاق في شهر ديسمبر 2011 بإشراف الجامعة العربية وقعه رئيس المجلس الوطني وبعض أعضائه حيث أعلن المجلس بعد يومين أنه لن يتقيد به، والأمر نفسه فيما يتعلق باجتماع المعارضة في الجامعة العربية أيضاً في 2 و 3 يونيو الماضي حيث جري الاتفاق علي العهد الوطني والمرحلة الانتقالية مع جميع فضائل المعارضة، وتشكيل لجنة متابعة، ما لبث المجلس الوطني أن رفض قبولها مع أنها لجنة إشراف علي وحدة المعارضة منطلقاًُ من وحدانيته في المعارضة وذلك كله لأن الإخوان المسلمين المهيمنين علي المجلس يرفضون أي وحدة مع الأطراف الأخري، لأنها جميعها أطراف قومية ويسارية. وفي الوقت نفسه، كان الإخوان المسلمون منذ تأسيس المجلس يرفضون إيداع المساعدات المالية في صندوق موحد بل يضعون المساعدات المرسلة إليهم في صندوقهم الخاص، وفي الوقت نفسه كانوا يقدمون مساعدات باسمهم وللموالين لهم في الداخل السوري أفراداً وجمعيات. لا يريدون أي شريك طوال هذه الفترة حاول المجلس الوطني تشويه جميع تيارات المعارضة الأخري وأحزابها، واستغل وسائل الإعلام العربية الموضوعة تحت تصرفه لتحقيق هذا الهدف، ونجح إلي حد بعيد بإلقاء الشبهات علي هذه المعارضة الداخلية بأنها حليفة للنظام سراً. وكل ذلك لئلا تتحقق وحدة المعارضة، وتتنوع أطرافها، ويصبح الأخوان طرفاً من عدة أطراف، وإذا لم تتحقق هذه الوحدة يبقي الأخوان المسلمون هم القوة الفاعلة في المجلس الوطني، وهذا ما أدركه الغرب الأوروبي والأمريكي والعرب الذين كانوا يدعمون المجلس الوطني. لذلك قامت أطراف خارجية عدة عربية ودولية بالاستجابة لمبادرة من بعض أطراف المعارضة لتشكيل هيئة جديدة باسم المبادرة الوطنية والتي قررت الاجتماع في الدوحة أيضاً في اليوم الثاني بعد انتهاء أعمال المجلس الوطني، وعرضت علي المجلس الوطني أن ينضم ممثلون منه إليها، وخصصت لهم مقاعد، كما خصصت لأطراف المعارضة الأخري، وقضت المبادرة تشكيل مكتب تنفيذي تناط به قيادة المعارضة، ووضع استراتيجية سياسية وبرنامج والقيام بمهمات الحكومة ريثما يتم تشكيل حكومة تكنوقراط فيما بعد، ومن المفروض أن يتلقي اعترافاً من عشرات الدول خلال مدة قريبة جداً. في الخلاصة صار المجلس الوطني جزءاً من المعارضة كما يجب أن يكون وليس ممثلاً للشعب السوري. وفي الوقت نفسه أدرك السوريون في الداخل تكتيك المجلس الوطني أهدافه الذاتية البعيدة عن الأهداف الوطنية الكبري وانفض عنه. انكشف الغطاء عن المجلس الوطني وعاد فصيلاً من فصائل المعارضة الأخري يقوده الإخوان المسلمون حتي لو اختار مسيحي رئيس له لمدة ستة أشهر. وهكذا وقع المجلس بسرعة كما طار. ومن المهم أن نتذكر أنه أسس وأعلن عنه خلال ثلاثة أيام بمن حضر لأن من أسسه كان يعرف ما يريده.