عبّر محامي سوري معارض يعمل رئيساً لمركز دراسات للدفاع عن حقوق الإنسان، عن دهشته لهذه الضجة الكبيرة التي اعتبرها (مفتعلة) حول مبادرة وقف إطلاق النار بين السلطة السورية والمعارضة المسلحة خلال عطلة العيد، وقال أنه لمن المستغرب أن الأمين العام لهيئة الأممالمتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية ووزراء خارجية عرباً وأجانب من كل حدب وصوب، يطالبون بفرض هذه الهدنة ويعتبرون أن تحقيقها نصراً كبيراً ورأي أنها (أي الهدنة) هي في الواقع لا تساوي شيئاً، ولا تشكل أي خطوة إيجابية في طريق حل الصراع في سورية، بل إنها علي العكس من ذلك، تؤدي إذا حصلت إلي نتيجتين سلبيتين: الأولي أنها تنسي الجميع حقيقة الأزمة السورية وعنفها وأبعادها الكارثية المتمثلة في قصف البلدات والقري والمدن وقتل المدنيين الآمنين وتدمير سورية عامة، وتظهر إذا تحققت وكأن الحل الجدي قد بدا، بينما هي في الواقع لن تكون أكثر من إجراء ثانوي جداً، ولا معني له، في مسار الصراع، أما النتيجة الثانية فإنها قد تسمح للسلطة بإعادة ترميم أوضاعها وفك الحصارعن بعض قواتها المحاصرة، ووضع خطط جديدة لضرب المعارضة المسلحة، وبالتالي فإن هذه الهدنة إذا تحققت لم تعط إلا الأضرار والسلبيات بالنسبة للشعب السوري. تري جميع أطياف المعارضة السورية السياسية والمسلحة أن السلطة السياسية لن تطبق مثل هذه الهدنة، وهي وإن قبلتها أو ستقبلها نظرياً فإنها ستعرقل تطبيقها عملياً بألف طريقة وطريقة، أقلها أنها ستقصف القري والبلدات وأماكن التجمع السلمي والمسلح بحجة أن المعارضة المسلحة اخترقت الهدنة مما يتيح لها استئناف استخدام العنف، وعلي ذلك فنادراً ما نجد فصيلاً سياسياً أو اتجاهاً موالياً أو معارضاً يعتقد بإمكانية تحقيق هذه الهدنة، حتي لو تم الاتفاق عليها، وحتي لو دعمتها دول الأرض جميعاً. ربما كان الأخضر الإبراهيمي يعتقد أن تحقيق هذه الهدنة سيكون مقدمة لوقف إطلاق النار طويل الأمد، وبالتالي يكون أساساً لمرحلة مقبلة، وجزءاً من التراكم السلمي الذي يسعي لتحقيقه، ولكن المراقبين في سورية يعتقدون أن هذه الأفكار ما هي إلا أوهام أو خيالات، ذلك لأن النظام السياسي لن يقبل أي حل وسط أو أية تسوية، ولن يرضيه إلا الحسم العسكري واستسلام المعارضة المسلحة الكامل كي يستطيع الاستمرار في الحفاظ علي النظام السياسي الحالي بعجره وبجره، وترفض السلطة السورية في الواقع أي إصلاح أو تغيير أو تراجع عن امتيازاتها، وعن ممارسة سلطاتها الاستبدادية، وعن الاعتراف بأي من حقوق الشعب السوري. وبالتالي فأي حديث عن إمكانية حل يعتمد علي تسوية هي إمكانية بعيدة المنال وترفضها السلطة السورية مطلقاً. تري المعارضة السورية أن السيد الإبراهيمي بطيء الخطا في تنفيذ مهمته، كما يقولون إن أفكاره أقرب إلي الخيال منها إلي الواقع، وأنه لن يجد من يستمع إليه أو يتعاون معه لا من السلطة ولا من المعارضة، وبالتالي فإن نشاطه صرخة في واد، ولا تتوقع المعارضة بأطيافها كافة أن يحقق أي خطوة إيجابية في حل الأزمة أو الوصول إلي تسوية، وتري أن فشله هذا هو الذي أوحي له و(لغيره) بتضخيم مسألة هدنة العيد واعتبارها أمراً جللاً، بينما هي في الواقع لن تؤثر مطلقاً في مسار الأزمة السورية فقط، وإنما هو رأي المعارضة المسلحة أيضاً، والأهم من ذلك هو رأي عامة الناس في سورية التي أصبحت عندما تناقش آفاق الحل المقبل ومواقف الدول الأخري والمبادرات التي تطلق في هذا المجال، تنسي أن هناك مندوباً للأمم المتحدة والجامعة العربية اسمه الأخضر الإبراهيمي يطرح مبادرات (سرية) مع المعارضة والسلطة علي أمل الوصول إلي حل مناسب، ولذلك لدي الجميع قناعة كاملة أن هذا المندوب الدولي العربي فإنه سيبقي صفر اليدين وخالي الوفاض وعاجزا عن الوصول إلي أي مبادرة أو إلي أي اقتراح مناسب، وأخذ بعض السوريين يعتقدون أن كوفي عنان كان أكثر واقعية وفعالية من خلفه الإبراهيمي، الذي من المفروض أن يكون أكثر معرفة بالمنطقة وشئونها، وخاصة أن لديه خبرات في مجالات الوصول إلي تسوية للصراعات لا يتمتع بها لا عنان ولا غيره. ورغم اقتناعهم بإمكانيات السيد الإبراهيمي إلا أنهم يرون أن الأزمة السورية معقدة إلي درجة لا يستطيع معها حلها. إن هذا كله يوحي بصدق النظرية التي تقول إن اقتراح الهدنة هو هروب إلي الأمام من قبل الإبراهيمي والدول الإقليمية بل والدول العالمية، حيث ينتظر الجميع شيئاً ما، ويسعون إلي تمرير الوقت، وكلهم يعرفون أن الهدنة إما أن تكون صعبة التحقيق أو أنها إذا تحققت لن تفيد في إنضاج حل نهائي للأزمة ولن تشكل عنصر تراكم.