..الفتنة الطائفية صناعة النظام ومطلوب تفعيل قيم المواطنة تحقيق: نجوي إبراهيم في ثورة 1919 كان الهتاف الشائع يحيا الهلال مع الصليب في مواجهة الاحتلال الإنجليزي، وعندما جاءت ثورة 25 يناير خرج جموع المصريين مسلمين ومسيحيين من أجل حرية وكرامة المصريين، وكان المسيحيون يقومون بحماية المسلمين وهم يؤدون الصلاة وكذلك فعل المسلمون. وفي ظل الأحداث الأخيرة خرج المصريون جميعا مسلمين ومسيحيين في مواجهة الإساءة للرسول والفيلم المسيء للإسلام. وتبرأ أقباط المهجر من الفيلم الأمريكي وأعلنوا إدانتهم وأكدوا أن «موريس صادق» لا يمثلهم وأن الهدف من الفيلم بث روح الفرقة بين المصريين.. هذه العلاقة الطيبة بين المسلمين والمسيحيين تدعونا للتساؤل عن كيفية نزع فتيل أي خلافات بينهما وتفعيل روح الوحدة الوطنية بين المصريين جميعا. بداية التفرقة د. كمال مغيث – الخبير التربوي – يؤكد أن المصريين نسيج واحد لا فرق بين مسلم ومسيحي فلم يتوقف المصريون طويلا عند تولي «بطرس غالي» وهو قبطي رئاسة الوزراء أو تولي «ويصا واصف» رئاسة البرلمان، أو حتي «يوسف قطاوي» وهو يهودي وزارة المالية في أول وزارة وفدية برئاسة «سعد زغلول». وأوضح «د. كمال مغيث» أن جلسات الصلح وموائد إفطار الوحدة الوطنية والمعالجات الأمنية لن تغني شيئا أمام ظواهر سياسية وثقافية وقانونية وتربوية مشيرا إلي أن الشعوب تعيش علي جناحين هما القانون والثقافة وإذا أردنا الاستفادة من الأحداث الأخيرة لتعطي لنا دفعة لتوحيد المسلمين والأقباط من جديد كما كان تاريخهم فلابد من إعادة النظر في الثقافة خاصة وأن مصر شهدت أشكالا من التمييز الثقافي بين المسلمين والمسيحيين فمنذ أن أطلق السادات العنان للجماعات الإسلامية التي انتقل تأثيرها إلي مؤسسات التعليم والإعلام والصحافة وغيرها.. ويستكمل «د. كمال مغيث» قائلا زاد من سوء الموقف أن هذه الجماعات لم تتوقف عند الدعوة للتمييز بين المسلمين والمسيحيين فحسب ولكنها تجاوزتها إلي العنف ضد المسيحيين العاديين وكان من المنطقي أن يردوا علي التطرف بتطرف مضاد، ولكن مع توحد المسيحيين والمسلمين من جديد وتحررهم من الضغائن التي بثها النظام السياسي القديم علي مدار ثلاثين عاما يتبقي دور الدولة والحكومة والرئيس محمد مرسي عليهم انتزاع هذه الفرصة والبناء عليها لتجاوز ما سلف من خلافات ووضع عدد من المعايير التي تكفل عودة الوطنية والتسامح مرة أخري خاصة وأن تطوير المجتمع يتطلب المسلمين والمسيحيين معا وهذا هو المقدم الثقافي، أما المقدم القانوني فأشار إلي أننا نحتاج إلي صياغات قانونية جديدة تقوم علي عدم التمييز بين المصريين سواء في العمل أو دور العبادة والتجنيد والواجبات. وأشار إلي أننا في حاجة ماسة إلي مرصد للمواطنة يقوم عليه مجموعة من الخبراء في المجالات المختلفة ينوي دراسة جميع مظاهر انتهاك حقوق المواطنة وتحليل ما يقدمه الإعلام والتعليم والخطب الدينية ويقترح الحلول ويضع مشروعات القوانين. شق المجتمع أما «جمال أسعد» – ناشط سياسي قبطي – فأوضح أن الأحداث الأخيرة كان الهدف منها شق المجتمع المصري وتغذية الفتنة الطائفية وإثارة المسلمين ضد المسيحيين إلا أنه حدث العكس تماما ورأينا كيف وقف المسيحيون بجانب المسلمين وحدث نوع من الائتلاف.. وأضاف جمال إذا كنا نريد استثمار هذا الموقف لابد أن نعطي رسائل للأقباط بإلغاء التمييز ضدهم عن طريق إعداد دستور جديد يعبر عن كل المصريين أساسه العدل والمساواة. أما «د. نادية رضوان» – أستاذ علم الاجتماع بجامعة بورسعيد – فأكدت أننا أمام ظاهرة غريبة الشكل هذا التلاحم الذي يظهر في مواقف متعددة بين المسلمين والمسيحيين خاصة عندما يكون العدو واحدا مثلما حدث في 25 يناير، ولكن بمجرد انسحاب الغمة كما يقول المثل القديم «ترجع ريمة لعادتها القديمة» لأن الأساس مريض لم يعالج. وأشارت د. نادية رضوان إلي الخطاب الديني في المساجد الذي يشعل فتيل الفتنة خاصة وأن هناك بعض الأئمة يستندون في خطبهم إلي مذاهب تكفر الآخر دون وجود رقابة فالمواطن يأخذ كلام الشيخ علي أنه حقيقة مؤكدة. الأمر الثاني الذي يحتاج إلي علاج المناهج الدراسية والكلام مازال ل د. نادية رضوان – فالمناهج الدراسية تزرع الفتنة خاصة في نفوس الأطفال مشيرة إلي أن التفرقة بين الأطفال عند تدريس مادة الدين يغرس بذرة الفتنة ولذلك لابد من إلغاء تدريس مادة الدين، وتعليم الدين يكون مسئولية البيت والجامع والكنيسة. ولابد من السماح للأقباط ببناء دور العبادة كما يتم السماح للمسلمين ببناء المساجد وأماكن الصلاة بجوار البيوت أو تحت البيت. رابعا: أن يتاح للمسيحيين نسبة تشغيل في الوظائف العامة تعادل نسبتهم المئوية في السكان ويكون ذلك بقوة القانون، وفي حالة حدوث خروقات لابد أن يطبق القانون ولا يستثني منه أحد، فالقانون كالموت لا يستثني منه أحد. وتنهي حديثها مؤكدة أن علاج الشروخ بين المسلمين والمسيحيين لا ينفع معه المسكنات أو الترقيع بل العلاج لابد أن يكون من الجذور. وتتفق معها د. سامية قدري – أستاذ علم الاجتماع – مؤكدة أن ما يحدث الآن صورة وقتية ثم تعود الأمور إلي مسارها القديم، واستغلال هذا الموقف يتطلب تفعيل مبدأ المواطنة وإلغاء التمييز. وأكدت أننا في حاجة ماسة إلي تغيير خطاب الدولة والخطاب الديني والإعلامي ومناهج التعليم وصياغة خطاب جديد للأجيال القادمة يعمل علي توحيدهم ويجعل الأساس هو مصلحة البلد ويلغي فكرة مسلم ومسيحيي بل الكل يد واحدة من أجل مصلحة مصر. وأشارت «د. سامية قدري» إلي أن التعليم هو الأساس أما باقي الأمور فيمكن حلها بقرار سياسي مشيرة إلي أن مناهج التعليم الحالية تغرس في نفوس الأجيال القادمة التفرقة وعدم التسامح.. وفيما يخص الدستور أكدت أن معظم الدساتير تنص علي المساواة والمواطنة إلا أنها لم تفعل علي أرض الواقع خاصة في مصر ولذلك نحن نحتاج إلي إرادة سياسية تقوم بتفعيل المواطنة والمساواة والعدل وعدم التمييز. الابتعاد عن الصياغات الدينية ويطالب د. إكرام لمعي – أستاذ مقارنة الأديان – بضرورة سن دستور جديد لمصر يبتعد عن أي صياغة دينية سواء مسيحية أو إسلامية بل يقوم علي مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان. وطالب «د. إكرام لمعي» بضرورة فتح حوار مع أصحاب القنوات الدينية المتطرفة سواء الإسلامية أو المسيحية مؤكدا أن بث التطرف والعصبية بداية لهدم أي مجتمع. وأوضح أن علينا وضع خطة طويلة المدي لتغيير مناهج التعليم وفتح مدارس مشتركة للمسلمين والمسيحيين بوعي جديد ورؤية متحضرة تغلب عليها النزعة المصرية وليست النزعة الدينية. نهضة اقتصادية أما المفكر الإسلامي «جمال البنا» فأوضح أن الخلاف بين المسلمين والمسيحيين أساسه الفقر والجهل وتخلف هذا البلاد ومعاناة أهلها، ولو أن القائمين علي البلاد أحدثوا نهضة اقتصادية وفتحوا المصانع والمدارس وقضوا علي البطالة والفقر وتقدمت البلاد سوف تنتهي الفتن الطائفية. تمييز مصنوع أما د. هدي زكريا – أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق – فأكدت أن التمييز بين المسلمين والمسيحيين مصنوع وليس جزءا من الحياة في مصر، ولكن صنع خصيصا لتمزيق المجتمع مشيرة إلي أن المجتمع المصري متعدد الديانات ولكنه ليس متناحرا فيما بينه، خاصة أن مصر رفضت التقسيم علي أساس ديني منذ بداية التاريخ، وهيردوت لم يقل مصر هبة النيل فحسب، بل قال وجدتهم شعبا متعدد الديانات شديد التسامح، وهذه طبيعة الشعب المصري وكل قصص التاريخ تؤكد أن الأقباط كانوا جزءا من النسيج المصري. وأكدت «د. هدي زكريا» أنها لا تخشي علي تمزيق هذا النسيج لأن الشعب المصري لديه جهاز مناعة يرفض التفكك وهذا يعد من عناصر القوة في علاقة المسلمين والمسيحيين وهو أيضا ما جعلهم يدركون مقصد موريس صادق الذي هدف إلي تمزيق مصر. وتناشد «د. هدي زكريا» المثقفين بقراءة تاريخ الشعب المصري والعلاقة الطيبة بين المسلمين والمسيحيين ومعرفة مواضع القوة ونشرها وتدريسها بمدارس الإعدادي والثانوي للطلبة مسلمين ومسيحيين. ومن ناحية أخري تطالب بضرورة محاربة الخطاب الديني المتشدد وتغيير مناهج التعليم بشرط تقديم رؤية حضارية جديدة تصاغ بها هذه المناهج. وتري «د. عزة كُريم» أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعي والجنائية أن تدعيم الموقف بين المسلمين والمسيحيين يتطلب إعادة النظر في القوانين الحالية والمساواة بينهما في بناء دور العبادة وسن قانون جديد للأحوال الشخصية بالنسبة للمسيحيين. وبالنسبة لمناهج التعليم لابد من اختزال المناهج وإعطاء وقت كاف للمدرس لتربية التلاميذ ولابد أن تشتمل المناهج علي جزء تربوي وإعداد دورات تدريبية للمدرسين حتي يستطيعوا تربية التلاميذ وتعليمهم تعليما صحيحا وزرع القيم والأخلاق في نفوس النشء. وأكدت أهمية تفعيل معيار الكفاءة عند الاختيار لشغل أي وظيفة دون اعتبار الدين أو الجنس، فضلا عن محاولة تغيير الثقافة السائدة داخل المجتمع لأنها المعوق الرئيسي لتفعيل المواطنة علي أرض الواقع وهذا من خلال وسائل الإعلام.