فتوي من سيد قطب تنتهي بإعدام خميس و البقري وسجن آخرين أصدرت منظمة «حدتو» الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني نشرة مطبوعة علي الاستنسل تضمنت وقائع اعدام العاملين المناضلين البقري وخميس بعد فتوي من سيد قطب سرعان ما قامت قيادة يوليو بتنفيذها وكانت حدتو كمنظمة شيوعية سرية تعمل في ظل حصار بغيض وهذا ملخص للوثيقة. إلي أمنا الكبري.. التي أنجبت وتنجب في كل يوم أبطالا، إلي الطبقة العاملة المصرية.. أم الشهيدين خميس والبقري والشهداء المجهولين في كفر الدوار والإسكندرية والمحلة والقاهرة. إليها – وهي تنظم صفوفها وتحشد قواها المادية والمعنوية وتبني – مع طليعتها «حدتو» – حزبها الثوري. إليها.. في كفاحها المشترك مع شقيقتها الطبقة العاملة السودانية أم الشفيع وسلام وقاسم وأمين. إليها.. وهي تتأهب للثأر للأبطال من شهدائها في المعركة الفاصلة بينها وبين أعدائها الاستعماريين وكبار الرأسماليين الخونة وحماتهم العسكريين. إليها.. وهي علي رأس الطبقات الشعبية والفئات الوطنية في كفاحها الوطني الديمقراطي. إليها.. وهي تتآخي وتتحد مع العمال والمخلصين كافة في العالم في الطريق إلي أنبل أهداف الإنسانية.. الحرية والخبز والديمقراطية والسلام. إليها.. هذه التحية المخلصة في ذكري الشهيد البطل خميس وزميله البقري، لقد انضم إلي خميس والبقري بعد 7 سبتمبر شهداء وشهداء من عمال في كوريا والهند الصينية، في كينيا وإيران، في مراكش والعراق، وفي كل مكان يحكمه المستعمرون المستغلون. ولقد انضم إلي خميس والبقري بطلا السلام الشهيدان «جو واتيل روزنبرج» في كفن من قلوب الشعوب. وإنا لنهتف من أعماقنا بحياة الذكري العاطرة، ذكري لشهيدينا والشهداء في كل أرض ونجدد العزم علي تحقيق ما شنقوا في سبيله من معان نبيلة. قسم بكفاح عمالنا وشعبنا الباسل، نقسم بتضحيات زملائنا المعذبين في السجون والمعتقلات، نقسم بشرف راية «حدتو» أن نصحح أخطاءنا ونسير موحدين إلي الأمام.. لبناء حزبنا – حزب الطبقة العاملة المصرية.. لتدعيم التحالف والاتحاد بين العمال والفلاحين وجماهير الوطنيين.. لتدعيم التعاون والصداقة مع شعوب العالم وعلي رأسها والاتحاد السوفيتي والصين الجديدة والديمقراطيات الشعبية.. لتحقيق النصر علي أعدائنا الاستعماريين والعسكريين قاتلي العمال في سبيل التحرر والديمقراطية والسلام. «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني» عام لهم.. لكن المستقبل لنا! مضي عام علي الجريمة.. عام كامل ولايزال المجرمون القتلة مطلقي السراح، لم ينلهم بعد قصاص الشعب ولكن مهما انقضي من الزمن، فإن الأيدي التي تقطر منها دماء خميس والبقري دماء اثنين من خيرة أبناء الشعب – لن تفلت من العقاب. وإذا كان القتلة السفاحون يظنون أن جريمتهم قد طواها التاريخ فقد وهموا، فإن قلوب شعب بأسره هي التي انطوت من جرائها علي جرح ينضح بالحقد المقدس ويقطر في العروق المطالبة بالقصاص، والتصميم علي دحر العصابة الآثمة وتخليص البلاد من حكمها الإرهابي الدموي. للذكري تفصيلات القضية.. علي طريقة ترعة المحمودية، عند مرورها بمركز كفر الدوار، تقع ثلاثة مصانع ضخمة تملكها ثلاث من أكبر الشركات الاحتكارية، المتداخلة تداخلا كاملا مع رأس المال الأجنبي، والتي تواصل منذ عشرات السنوات استنزاف دماء العمال وتحقيقها أرباحا تصدر إلي خزائن الاستعماريين في لندن وواشنطن، تلك هي شركات «البيضا» و«الحرير الصناعي» و«مصر للغزل والنسيج الرفيع». وفي 9 أغسطس من العام الماضي، تقدم عمال «شركة البيضا» بمطالب عادلة واضحة أهمها زيادة أجور وتشكيل نقابة لهم، ولم يكتفوا بتقديم عريضة بالمطالب، وإنما لجأوا إلي سلاح الطبقة العاملة التقليدية – سلاحها الذي يعبر عن وحدتها وقوتها – وهو الإضراب، ولم تجد الشركة ثغرة تنفذ منها، فالمطالب عادلة والعمال متحدون، فلم تر مفرا من التخفيف من حدة استغلالها – مؤقتا – وأجابت معظم مطالب العمال. وكان من الطبيعي أن تنتقل الحركة المظفرة إلي عمال المصانع الأخري وتمت بالفعل بعض المحاولات في شركة الحرير الصناعي يوم 11 أغسطس، لكنها لم تنته إلي نتيجة إيجابية. وفي مساء اليوم التالي – 12 أغسطس – تم بنجاح الإضراب الكبير بين عمال الشركة الثالثة مصر للغزل والنسيج الرفيع، فتوقف العمل، وانضم عمال دورية الليل الداخلين إلي عمال دورية النهار الخارجين، وقاموا بمظاهرة سلمية تهتف بمطالبهم. مطالب متواضعة فماذا كانت أهداف ذلك الإضراب؟ قال أحد شهود الإثبات الذين استحضروا أمام المجلس العسكري لسوق العمال الأبطال إلي المصير الذي كان مبيتا لهم، وهذا الشاهد هو «محمد السيد نعام» مساعد الضبط المدني بالمصنع. «سألتهم عن مطالبهم لعرضها علي المسئولين فناولني أحدهم ورقة أجبروني علي قراءتها بصوت مرتفع، وكان علي رأس المطالب فصل الأستاذ عبدالرحمن حلمي سكرتير الشركة، وفصل الأستاذ عبدالغفار الجزار رئيس مكتب العمل، وإخراج مقر النقابة في خارج المصانع، وزيادة الأجور، وتقديم منحة سنوية للعمال أسوة بالموظفين، فهي إذن مطالب عمالية عادية، من نوع المطالب التي يتقدم بها العمال في جميع المصانع وفي جميع العهود، وهي ليست ثورة وانقلابا، ولا تخريبا وتدميرا. وقال اليوزباشي محمد راشد حنفي، ضابط مباحث مديرية البحيرة، أمام المجلس العسكري، وهو يتحدث عن مصطفي خميس، «سمعه يهتف هتافات يرددها المتظاهرون ومن هذه الهتافات علي ما أذكر – يحيا اتحاد العمال – ومطالب العمال عادلة – ويسقط الجمال «مدير الشركة». وسأل نائب الأحكام «هل كانت هناك هتافات أخري غير التي ذكرتها؟» فأكد لم تكن هناك اهتافات غير التي ذكرتها. هذه إذن هي مطالب العمال وهذه هتافاتهم، من واقع شهادات رجال البوليس الذين استحضروا خصيصا للشهادة ضدهم، وهي مطالب لا نقول عادلة ومشروعة فحسب، وإنما هي مطالب متواضعة شديدة التواضع وخاصة إذا قيست بالأرباح الاستثنائية الفاحشة التي تحققها تلك الشركات الرأسمالية الاحتكارية وهي مطالب لا يمكن أن تكون جريمة إلا في نظر المستغلين الاستعماريين، وخدمهم من رجال العصابة المغامرة التي تحكم مصر اليوم. استفزاز حقير وسئل نفس الضابط عن رأيه في الأسباب التي أدت إلي الحوادث فقال: «… إذا كان قد حدث إضراب في شركة البيضا فإن ذلك كان بسبب حالة الكبت التي كانت مسيطرة علي الموظفين والعمال في العهد الأخير». وسأل محمد الجمال مدير المصنع نفسه فقال بصفاقة وقحة: «إن العمال ما كانوا ليقدموا علي ما أقدموا عليه لولا أن أثيرت مشاعرهم بمن يشاع من أني قلت لعمال شركة البيضا إني سأجعلهم نساء كعمال كفر الدوار. وكأنما نسي ذلك الخادم الحقير أنه آخر من يجوز له أن يتكلم عن الرجولة والرجال وأن حذاء أصغر عامل من رجال كفر الدوار أشرف وأطهر من رأس ذلك الدنس الذي يتمرغ في تراب الاستعمار. ومن العجيب أنه وجد الصفاقة أيضا ليضيف: «وتحت أيدينا عديد من الشهادات من أمريكيين وبريطانيين قرروا أن العناية بالعمال في كفر الدوار تكاد تكون بلا نظير». العمال لا يخافون ومضي يوم الحوادث وبدأت التحقيقات.. وفي صباح اليوم التالي أثبت العمال مرة أخري صلابة معدنهم وشجاعة قلوبهم، فتألفت مظاهرات عديدة ضد الآلاف منهم، وكان مطلبهم في هذه المرة الإفراج عن زملائهم المقبوض عليهم. ومرة أخري استخدمت الحكومة أسلوبها الدموي، الأسلوب الذي يبدو أنها لا تعرف غيره في مواجهة ا لعمال: إطلاق النار. وسقط ثلاثة من الشهداء، وقبض علي خميس. جريمة المجلس العسكري سقط الشهداء وقبض علي خميس عصر يوم 13 وفي صباح يوم 14، كان المجلس العسكري مؤلفا ومنعقدا ومستعدا لمحاكمته! يا للنشاط، يا للحزم والسرعة، بل يا للإجرام والخيانة! في نفس المساء اجتمع مجلس الوزراء برئاسة الرجعي العجوز الخبيث علي ماهر ويجب أن نذكر اسمه حتي لا يفلت من المسئولية اجتمع اجتماعا طارئا وتمت إضافة مادة جديدة إلي قانون الأحكام العرفية، خاصة بتكوين المجالس العسكرية لمحاكمة المدنيين. وفي نفس المساء وقع الاختيار علي الجلاد بل الجلادين وعين المجلس العسكري واختير لرئاسته البكباشي عبدالمنعم أمين. وعبدالمنعم أمين بالذات هذا الجاسوس الخائن الذي لا يحاول أن يتستر، ولا أن يداري خيانته، إنه حلقة الوصل بين العصابة الحاكمة المغامرة والسفارة الأمريكية بالقاهرة! هو رسول السفارة للقيادة، وهو رسول القيادة للسفارة، ومن المعروف أن بيته مفتوح في كل وقت علي مصراعيه للسفير، يزوره وقتما يشاء، وسواء كان حضرة البكباشي المحترم موجودا أم غير موجود! فخميس يحاكم بلا محام، وفي آخر لحظة يظهر كمحام متطوع من بين المتفرجين! ومحامو المتهمين الآخرين يطلبون التأجيل، وقد قال أحدهم للمجلس بالنص: «عندما وصلت كفر الدوار كنت أعتقد معكم وجوب سرعة المحاكمة، ولكن تبين لي أن هناك متهمين آخرين غير هؤلاء المتهمين، ويجب أن نطلع علي التحقيق والمستندات لنعرف التهم المنسوبة إليهم، ولكي نعد شهود النفي حتي يقدموا لكم المدير الذي تضرر من قوانين تحديد الملكية، ونحن لا نطلب أكثر من يومين لنستعد لذلك ولكنهم رفضوا». كانت تلك المحاكمة مهزلة المهازل، انتهت بإعدام شابين مصريين مكافحين، من أبناء الطبقة العاملة هما مصطفي محمد خميس، ومحمد حسن البقري، وبالحكم علي 11 آخرين بالأشغال الشاقة، بين سنة وخمس و8 و9 و10 و15 سنة. تسقط عصابة الإرهاب والخيانة وتحيا ذكري البقري وخميس ويحيا كفاح الطبقة العاملة، قائدة الشعب كله في طريق الديمقراطية والتحرر الوطني ولتحيا الجبهة الوطنية الديمقراطية