لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلي دينه داني وقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعي لغزلان ودير لرهبان وكعبة طائف وبيت لأوثان وألواح توراة ومصحف قرآن أدين بدين الحب أني توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني هي كلماته.. الإمام الأكبر، سلطان العارفين، إمام المحققين البحر الزاخر «محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الأندلسي» أحد أشهر المتصوفين والذي لقبه البعض بالشيخ الأكبر لذلك ينسب إليه الطريقة الأكبرية للصوفية، ولد في محرسية بالأندلس في شهر رمضان الكريم عام 558ه الموافق 1164م وتوفي في دمشق عام 638ه الموافق 1240م ودفن في سفح جبل قاسيون. هو أحد كبار المتصوفة علي مر العصور، كان أبوه علي بن محمد من أئمة الفقه والحديث ومن أعلام الزهد والتقوي والتصوف وكان جده أحد قضاة الأندلس فنشأ نشأة تقية ورعة وعندما أتم العاشرة من عمره حتي كان مبرزا في القراءات ملهما في المعاني والإشارات، ذكر أنه مرض في شبابه مرضا شديدا وفي أثناء الحمي رأي في المنام أنه محوط بعدد ضخم من قوي الشر يريدون الفتك به ورأي شخصا جميلا قويا مشرق الوجه حمل علي هذه الأرواح الشريرة ففرقها ولم يبق منها أي أثر فيسأله محيي الدين من أنت؟ فقال له أنا سورة يس وعلي أثر هذا استيقظ فرأي والده جالسا علي وسادته يتلو عند رأسه سورة يس ثم برئ من مرضه وألقي في روعه أنه معد لحياة روحية. ارتحل بن عربي إلي كثير من البلدان وله قائمة مخطوطات تحتوي علي أكثر من 67 مخطوطا منها تفسير للقرآن وكتاب الفتوحات المكية والمكون من 37 سفرا و650 بابا وصف بأنه من النصوص الصوفية الموغلة في التعمق. أيضا كتاب «نصوص الحكم» والذي أثار جدلا كبيرا في وقته ومازال مصدرا للجدل. تمتزج لدي ابن عربي التصوف بالشعر والفلسفة وقد كتب ابن عربي قائلا «نحن قوم يحرم النظر في كتبنا» وذلك أن الصوفية تواطئوا علي ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها فمن حمل ألفاظهم علي معانيها المتفارقة بين أهل العلم الظاهر كفر كفرهم.. وقد حذر بن عربي من تداول الكتب بين «الجهلاء». المرأة إشارات بن عربي لمسألة المرأة مشبعة بالتخيل والقصد منها العبور إلي ما وراء الحجب الظاهرة للإمساك بالوجود الخفي في وحدته وكليته وطابعه المطلق، حيث يغدو التأنيث حاضرا في كل بعد من أبعاد الوجود، حتي أن الحق – الله نفسه يصبح ذاتا وعله، بما في المصطلحين في تأنيث بالمعنيين اللغوي والانطولوجي، وفي خطابه يتبادل الذكر والأنثي الأدوار في حيث الفعل والانفعال، علي النحو الذي يتمتعان فيه بنفس القيمة انطولوجيا، صحيح أن آدم هو الأول من حيث الوجود وعنه جاءت حواء ولكن في حال عيسي ومريم الأنثي هي الأولي والذكر هو الثاني فما أعطاه الحق لآدم – الذكر في الحالة الأولي أعطاه لمريم – الأنثي في الحالة الثانية وحتي عندما يتبع النص الديني مشيرا إلي ما تقوله بعض الآيات حول رفعة الرجل قياسا إلي المرأة فإنه يتدخل موؤلا فيصبح حب الرجل للمرأة حبا لنفسه، واحترامه لها احتراما لذاته إذ لا يتعلق الأمر بصراع بين قطبين متقابلين وإنما بوحدة مركبة من أجزاء يستلزم فيها كل جزء وجود الجزء الآخر. وكما أشرنا أسباب الهجوم علي بن عربي وتكفيره كثيرة أهمها إعماله لعقله وإحساسه معا وتأويله لما يراه صحيحا ففي كتاب «نصوص الحكم» يستفيض في شرح الحديث النبوي القائل: «حببت إلي من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة» ملاحظا أن النساء يسبقن في هذا الحديث الصلاة مبينا أن حنين نبي الإسلام إلي النساء هو حنين إلي نفسه بل إن حبه لهن هو حب لله مؤكدا أن الرسول أحب النساء لكمال شهود الحق فيهن فالمرأة صورة الرجل ووطنه مثلما الإنسان صورة الله وروحه فنحن أمام علاقة قائمة علي الترابط الوثيق بين الله والرجل والمرأة أساسها الحب والعشق.