..الاختيار الصعب بين العالم الإسلامي وعدم الانحياز و الجمعية العامة سمير كرم العالم مقبل علي سلسلة من الاجتماعات علي مستوي القمة، تتميز كلها باتساع نطاق العضوية فيها. اليوم (الاربعاء) تعقد القمة الاستثنائية الاسلامية في السعودية لمدة يومين اثنين. ستعقد هذه القمة تحت عنوان”تعزيز التضامن الاسلامي ومواجهة الفتن والانقسامات بين الدول الاسلامية، بالاضافة الي عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الاعضاء”.وفي يوم 31 اغسطس الحالي تعقد في طهران قمة الدول غير المنحازة. وكان قد وصل الي القاهرة في منتصف الاسبوع الماضي حميد بغائي نائب الرئيس الايراني في زيارة تستغرق يومين التقي خلالها الرئيس محمد مرسي ورئيس الوزراء هشام قنديل حيث سلم دعوة رسمية من الرئيس الايراني الي الرئيس مرسي لحضور هذه القمة. وقد رجحت مصادر دبلوماسية اسلامية (حسب صحيفة “المصري اليوم” في 8 /8/2012) ان يحضر الرئيس المصري قمة الدول الاسلامية في السعودية، بينما استبعدت هذه المصادر ان يحضر الرئيس المصري قمة عدم الانحياز في طهران، وان يرسل شخصية رفيعة المستوي الي طهران لتمثيل مصر في هذه القمة. وتردد ان سبب امتناع الرئيس مرسي عن حضور قمة طهران هو ان هذه الزيارة ستثير كثيرا من التساؤلات بشان العلاقات بين مصر والجمهورية الاسلامية الايرانية. لقاء أوباما بعد ايام من انتهاء قمة عدم الانحياز في طهران ستبدأ الجمعية العامة للامم المتحدة دورتها الجديدة (السابعة والستين) علي مستوي القمة التي سيحضرها بالتأكيد عدد من رؤساء الدول، ولكن ليس مؤكدا بعد اذا كان الرئيس مرسي سيحضر هذه القمة وان كانت تشكل بالنسبة اليه اول فرصة للالتقاء بالرئيس الامريكي باراك اوباما، دون حاجة لانتظار دعوة من الرئيس الامريكي للذهاب الي واشنطن. وربما تشكل ايضا فرصة للالتقاء بالرئيس الايراني أحمدي نجاد دون حاجة للسفر الي طهران تلبية لدعوة من رئيس ايران. والامر المؤكد ان جداول اعمال هذه القمم المتتالية التي تضم غالبية دول العالم تضم اهم الموضوعات التي تشغل اهتمامات الحكام الجدد لمصر، لكن الامر غير المؤكد هو وزن الدور المصري في كل من هذه القمم الواسعة النطاق ومدي تأثيره علي طبيعة واهمية القرارات التي ستصدر عنها والتي ستتعلق يقينا بمستقبل الدور المصري في هذه الدوائر الثلاث: جبهة عدم الانحياز ومؤتمر الدول الاسلامية والجمعية العامة للامم المتحدة. فهل تتيح الظروف الداخلية في مصر للرئيس محمد مرسي ان يؤدي الدور المطلوب منه في هذه القمم المهمة والواسعة. ام ان الرئيس مرسي سيسلك الطريق نفسه الذي جعله يؤثر ان يبدأ زياراته الخارجية بزيارة للملكة السعودية فيما كانت ظروف مصر، وبالاخص ظروف العلاقات المصرية السعودية، لا تسمح بتوجيه الاهتمام كله نحو المملكة. نقول هذا بشكل خاص اشارة الي السياسات السعودية في المنطقة التي لا تتفق مع توجهات مصر ثورة 25 يناير. ونعني هنا الدور الذي لعبته ولا تزال تلعبه السعودية ضد ثورة الغالبية الشعبية في البحرين، وكذلك الدور المستمر للمملكة السعودية في احداث سوريا وقبل ذلك في احداث ليبيا. إزاحة مصر ان من الواضح ان السعودية تتصرف سياسيا في المنطقة علي اعتبار انها ازاحت جانبا دور مصر وتريد ان تبقي مصر بعيدة عن ممارسة دورها القومي والاقليمي لان ذلك لا يناسب مصالح المملكة ولا يناسب مصالح حليفتها الرئيسية، الولاياتالمتحدة. واذا تحقق ما هو متوقع من حضور مرسي القمة الاستثنائية الاسلامية في السعودية وغيابه عن قمة طهران للدول غير المنحازة فان هاتين العلامتين ستقدمان المزيد من التأكيد علي استمرار مصر في الوقوف خلف السعودية في القضايا القومية والاقليمية وكذلك العالمية. واذا اختارت مصر ان تحاول تعويض انكماش دورها بابعاده المختلفة بان يحضر الرئيس المصري قمة الجمعية العامة للامم المتحدة فان الامر سيكون محصورا في صور تلتقط للرئيس مرسي مع بعض رؤساء الدول في مقدمتهم باراك اوباما وربما الرئيس الفرنسي اولاند وربما من سيمثل المملكة السعودية في قمة الجمعية العامة لان من المؤكد ان حالة الملك عبد الله البدنية لا تمكنه من الذهاب الي نيويورك لحضور هذه القمة. اخفاق في أفغانستان علي ان توالي انعقاد هذه القمم الثلاث خلال فترة لا تتجاوز شهرا واحدا اواكثر قليلا يعطي فرصة لا تكاد تتكرر لتقييم هذه التكتلات الدولية بصورها الثلاث التي تعد الاكبر في مجال التكتلات الدولية. واذا بدأنا بمحاولة تقييم دور كتلة الدول الاسلامية فاننا لانجد صعوبة في ادراك حقيقة ان هذا التجمع الاسلامي لم يستطع ان يثبت وجوده علي الساحة الدولية في احلك ظروف تمر بها بلدان العالم الاسلامي سواء من النواحي السياسية او الاقتصادية او الاستراتيجية. فهو علي سبيل المثال لم يستطع ان يجد مخرجا او حلا لمشكلة مثل مشكلة الحرب الامريكية علي افغانستان وهي دولة اسلامية ترتبط بعلاقات اسلامية قوية مع دول اسلامية اخري مثل باكستانوايران ودول اواسط آسيا الاسلامية التي كانت في السابق بين جمهوريات الاتحاد السوفييتي. وقد طالت هذه الحرب لاكثر من 11عاما دون ان تتمكن كتلة الدول الاسلامية في مؤتمرها، بكل قممه واجتماعاته الوزارية وما دون الوزارية ومع كل ما تتكبده دوله من نفقات لمواصلة عقد هذه الاجتماعات، من اقناع الطرف الفاعل في هذه الحرب وهي الولاياتالمتحدة بان تنهي هذه الحرب او ان تترك مسئولية مراقبة سلوك افغانستان للكتلة الاسلامية. .. وفلسطين ولا يمكن الحديث عن مسئولية الكتلة الاسلامية دون الاشارة الي انعدام فاعليتها فيما يتعلق بقضية فلسطين. كما لايمكن الحديث عن هذه القضية دون الاشارة الي تراجع دور الكتلة الاسلامية بشأنها نظرا لتراجع سياسة المملكة السعودية نحو سياسة ترضي اسرائيل وامريكا اكثر مما تهتم باظهار التأييد حتي المالي وحده لنضال الشعب الفلسطيني. وهل تستطيع مصر ان تلعب دورا اكثر تأثيرا في هذه القضية في اطار المؤتمر الاسلامي في مثل ظروفها الراهنة وفي مثل توجهات حكامها الجدد؟ فاذا انتقلنا الي جبهة عدم الانحياز فاننا ندرك اننا امام لغز كبير ربما يزيد عمره الان عن عشرين عاما. لقد نشات جبهة عدم الانحياز نتيجة لواقع قديم كان يتمثل في وجود كتلتين راسمالية واشتراكية تتنافسان علي النفوذ في العالم الثالث. ووجد العالم الثالث مخرجا من هذا المأزق في تحويل الحياد الايجابي الي جبهة لعدم الانحياز. وقد تمكنت هذه الجبهة من فرض احترامها علي الكتلتين المتنازعتين ونما بقوة تيار الاستقلال السياسي والاقتصادي في العالم الثالث … ولكن الاوضاع العالمية لم تلبث ان تغيرت ب”سقوط” الاتحاد السوفييتي كدولة وتنامي سيطرة النفوذ الغربي – الامريكي خاصة – علي الاوضاع العالمية. وتبين في السنوات الاخيرة ان الولاياتالمتحدة – مع استثناءات قليلة في شرق آسيا وفي امريكا اللاتينية – تحقق هيمنة سياسية واقتصادية واستراتيجية كاملة او شبه كاملة علي العالم الثالث. وقد اظهرت النتائج التي انتهت اليها “ثورات الربيع العربي” مدي الحرية التي تتمتع بها الولاياتالمتحدة واداتها العسكرية – حلف الاطلنطي – في ترتيب الاوضاع في بلدان الشرق الاوسط. وهو امر قابل للتكرار في اي منطقة اخري في العالم، ربما باسثناء المنطقة التي قامت فيها نظم يسارية تقدمية في امريكا اللاتينية. كل هذا وجبهة عدم الانحياز عاما بعد عام تثبت عجزها عن مقاومة هذا التيار الامبريالي الذي ينفرد بالسلطة والنفوذ في العالم. فهل يمكن ان تختلف الاممالمتحدة في دورها الشامل؟ هل تستطيع الاممالمتحدة باي من اجهزتها ومنظماتها السياسية والاقتصادية والثقافية ان تقاوم الهيمنة الامريكية والغربية عموما علي العالم وعلي الاممالمتحدة ذاتها؟ أمم متحدة تحت الحصار تقول آخر الابحاث المتعلقة بالاممالمتحدة إن الشركات العملاقة الرأسمالية وكبار رجال الاعمال قد اخترقوا المنظمة الدولية بنفوذهم مع استخدام الفساد المالي وسيلة للهيمنة علي مؤسسات الاممالمتحدة ومجالسها ولجانها. فاذا ما تبين ان الرأسمالية العالمية استطاعت ان تصل الي هذا المستوي من التآمر علي المنظمة التي تضم كل دول العالم ووضعها تحت نفوذها المالي والسياسي هل نستطيع ان نعول علي الاممالمتحدة بالنسبة لما يواجهه العالم من مشكلات ومعضلات. ( وهذا موضوع آخر نؤجل تناوله لفرصة اخري) اليست هذه نظرة موغلة في التشاؤم؟ قد تكون، ولكن هل يمكن اخفاء ارتباك سياسات مرسي؟