يواجه ابناء الاسكندرية ما يعتبره البعض التحدي الأخطر في تاريخ المدينة.. مع ظهور بوادر مشكلة الانتشار السرطاني للغابة الأسمنتية الذي استشري في ربوع المدينة دون رقابة أو تراخيص والذي افرزه الانفلات الأمني في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير المجيدة.. أصابع الاتهام تشير إلي فساد المحليات.. تواطؤ الشرطة.. فساد المقاولين.. واستثمارات البلطجية وشركائهم.. السؤال الذي بات يتردد كثيرا الآن. هل هناك فاتورة حساب لخدمات المقاولين لبعض قيادات الشرطة، خلال مرحلة ما بعد الثورة؟ وهل يمكن أن يتحمل اعباءها الفقراء من محدودي الدخل؟ اسئلة كثيرة لابد أن يجيب عنها المحافظ الجديد؟ فالإسكندرية تحتاج إلي محافظ لديه فكر واضح ورؤية عن ماهية أوجاع عروس البحر الأبيض المتوسط ولاسيما ملف «البناء دون ترخيص» فقد بات خطرا يهدد أرواح الآلاف وربما أكثر من أبناء الشعب السكندري. توالت السبت الماضي 14 يوليو سلسلة من الانهيارات لخمسة عقارات متلاصقة بشارع القبو الغربي بمنطقة الجمرك.. وقد ارتفع عدد الضحايا إلي 18 ضحية بينهم طفلان.. فضلا عن ثلاث جثث متفحمة دفنت تحت الانقاض داخل الفرن الذي يقع اسفل أحد العقارات المنهارة! يروي شهود العيان بالمنطقة، أن (أحمد اكبر) صاحب العقار المنهار والذي بلغ ارتفاعه أحد عشر طابقا.. لم يحصل علي تراخيص بناء ولم يستعن بأي مهندس انشائي.. وأنه وضع يده علي الأرض التي تملكها سيدة تدعي «أم خليل» وقام ببناء أربعة أعمدة فوق الأرض لبناء تلك البناية والتي سقط أحد العمال من أعلاها أثناء قيامه بأعمال المحارة فيها، ويؤكد عدد من سكان المنطقة المنكوبة علي استخدام صاحب العقار وشركائه للبلطجية حيث تم بناء الأحد عشر طابقا، مما أدي إلي انهيار العقار علي ثلاثة عقارات أخري لتنهار بدورها ثم يضطر جهاز الحماية المدنية إلي هدم عقار آخر حتي يتمكن من رفع الأنقاض بسبب ضيق الشوارع بمنطقة الجمرك وشارع البطارية وفروعه شارعي الشيخ اللقاني ومصطفي عسل لصعوبة وصول المعدات الثقيلة إلي الموقع.. وقد تم إخلاء السكان من منازلهم ليلا.. فيما اكتشف بعضهم سرقة مدخراتهم المالية وبعض القطع الذهبية التي كانوا يحتفظون بها للظروف القاسية. وقد سجلت الحاجة «انصاف محمد إبراهيم» وتقيم بالعقار 53 ش مصطفي عسل محضرا يوم الأحد الماضي بقسم الجمرك لاثبات ما سلف ذكره؟ وحول عدم قطع شركة الكهرباء للتيار الكهربائي عن العقارات المخالفة والامتناع عن عمل مقايسات للمباني دون تراخيص؟ يقول «علاء الدين سعيد» مسئول فني بإدارة شبكات توزيع الجمرك أنه لا يمكن تطبيق أي قوانين في ظل حالة البلطجة التي نعيشها منذ عام ونصف العام. ويضيف إننانقوم بعمل معاينة ومقايسات وتركيب عدادات من أربعة إلي ستة أدوار علي الأكثر للبناء المرخص، حسب الأوراق علي حد قوله، أما بالنسبة للمباني المخالفة فمقوم بعمل مقايسة تمهيدية بحد أقصي دورين، أما المخالف والعشوائي فنقوم باعطائه عدادا مخالفا بمقايسة مخالفة حتي يصدر الحي قرارا باستكمال المقايسة أو إزالتها. في نفس السياق بعض أهالي المنطقة المنكوبة، أكدوا عدم امتناع شركة الكهرباء عن مد التيار إلا في حالة واحدة لمساندة ملاك العقارات الذين يريدون طرد السكان للقيام بأعمال الهدم وبناء الأبراج والمباني الشاهقة للتربح؟ دور الشرطة الحماية والتأمين مسئول الأمن «بهاء حامد» نائب مأمور قسم الجمرك. أجاب عن تساؤلات «مراسلة الأهالي» عن صعوبة تنفيذ قرارات الإزالة؟ وإلي أي مدي يمكن أن تستمر علاقة بعض القيادات الأمنية بالمحافظة ببعض المقاولين الذين قاموا بمساندتهم واخفائهم بمدن الصعيد من غضب الشارع بعد الثورة، كما يردد بعض المقاولين للتباهي؟ يقول إن قرارات الايقاف الجبرية لا نقوم بها بمفردنا.. فلابد أن يأتي إلينا مع الشاكي، مهندس الحي ومسئول الإدارة الهندسية لطلب قوة لحمايتهم لتنفيذ قراراتهم. وكذلك يقع البناء دون تراخيص والهدم دون تراخيص والتعلية إلخ في دائرة اختصاص الحي وأجهزة المحافظة. ولا توجد علاقات بين قيادات الشرطة والمقاولين، بدليل إننا قمنا بإخلاء عقار 14 طابقا بحارة النعناعي للمقاول اسماعيل الجرية منذ ثلاثة أشهر. ويضيف أن المشكلة باتت في أن تطبيق القانون يواجه بالعنف من الخارجين علي القانون، ومن ثم يحتاج إلي مواجهته بالعنف، مما يؤدي إلي ما لا يحمد عقباه. علي صعيد آخر تم انتداب لجنة من هندسة الاسكندرية لتحديد أسباب الانهيار وتحديد مكونات المبني والتصريح بدفن الجثث . وقد أمد المستشار عبد الجليل حماد رئيس نيابة غرب الكلية بضبط واحضار أحمد محمد أحمد بركات وشهرته أحمد أكبر صاحب العقار ومساعديه ابراهيم معوض ابراهيم رزق ومحمد محمد ابراهيم. وطلب الأدلة الجنائية وتصوير الضحايا للتعرف علي وجود مجهولين في موقع الحادث، واستدعاء رئيس حي الجمرك والمختصين به وبعض شهود العيان، ومازالت إدارة الحماية المدنية بمديرية أمن الاسكندرية تعمل علي رفع الانقاض بمشاركة فرق تأمين القوات البحرية ومرفق اسعاف الاسكندرية. جدير بالذكر أن منطقة الجمرك تعد من أكثر مناطق الاسكندرية فقرا وتنتشر بها كثير من السلوكيات السلبية ويتدني بها نصيب الفرد من الطعام والصحة والحصول علي فرص عمل وتعليم ويغلب علي مساكنها ضيق المساحة، وتعتبر المنطقة برمتها قديمة ومتهالكة وقد زادت مشكلة البناء المخالف بارتفاعات تجاوزت ثمانية عشر طابقا في حواريها وأزقتها التي لا تزيد علي ثلاثة أمتار في خطورة الموقف وتداعياته، والمؤسف أن الاسكندرية بها عدة مناطق مشابهة مثل اللبان وكوم الدكة والساعة كرموز واسماعيل صبري.