أما وقد أعلن المستشار وليد حمزة رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات الجدول الزمنى لإجراء الانتخابات الرئاسية، وبات معلوما أنه مع الخامس من أكتوبر يتم فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية، فقد بدأت الأسئلة والتكهنات والتحليلات لمن يترشحون لخوضها ولوصف البيئة السياسية التى تجرى فى ظلها الانتخابات الرئاسية، وفى القلب من كل ذلك برز سؤال كبير : من هو الرئيس المصرى القادم؟ والسؤال مطروح فى الساحة المصرية من قبل نخب ثقافية وسياسية حزبية ومستقلة و من صحفيين عرب وأجانب، ومن معارضين للرئيس السيسي في الداخل والخارج . وهو سؤال مشروع مع تعهد الدولة بأن تكون الانتخابات تنافسية وبمعايير محايدة، ومع عدم إعلان الرئيس السيسى عن ترشحه حتى الآن ،ومع مبادرة عدد من رؤساء الأحزاب الإعلان عن نيتهم خوض الانتخابات، كان أولهم رئيس حزب الوفد " عبد السند يمامة " وآخرهم الناشر ورئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى " فريد زهران ".هذا فضلا عن رفض بعض أعضاء ممن يطلقون على أنفسهم القوى المدنية لترشح الرئيس السيسىي، وهم يرفعون شعار :دورتان رئاسيتان .. كفاية، بما تنطوى عليه كلمة "كفاية" من دلالات تعيد التذكير بالحركة الاحتجاجية التي حملت نفس الاسم، وانتهت مع غيرها بإسقاط نظام "حسني مبارك"و ما أعقبه من صعود جماعة الإخوان للمرة الأولى فى تاريخها، إلى السلطة لتولى حكم مصر. لا يخفى على أحد ،أن معظم من يطرحون السؤال لا يرغبون في عودة الرئيس السيسي للترشح للمرة الثالثة .أما الأسباب فهى متباينة، بينها وفى القلب منها معابثة شعبوية لمشاعر الجماهير الغاضبة من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تمر بها البلاد، والتى أسفرت عن موجة غلاء فاحش، لم تعد الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة قادرة علي تحمل تكلفتها المعيشية .وبينها من يعترضون على ما يسمونه الخلل في أولويات مشروع الرئيس السيسى لتحديث الدولة المصرية، بما ابتعد بالمشروع عن النشاط الاقتصادي الإنتاجى في مجالي الصناعة والزراعة، في مقابل مضاعفة الاستثمار العقاري، وهو ما أثقل الدولة بزيادة الديون الخارجية، واضطرها للاستجابة للشروط المتعسفة التى يفرضها صندوق النقد الدولى لنيل قروضه ، مما فاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية . قد يكون كل ذلك صحيحا، لكنه يتجاهل عوامل أخري صنعت الأزمة ، أقلها االتكلفة المادية والمالية والاجتماعية الباهظة، التى تحملتها مصر في التصدي للإرهاب ولداعميه، والمتغيرات الدولية المتلاحقة وأثرها على الاقتصاديات الناشئة ، والأهم من هذا وذاك أن مصر لم تشهد وضعا اقتصاديا مستقرا منذ هزيمة يونيو 1967، وحتي اليوم . لكن المشكلة أن أغلب هؤلاء لا يكفون عن الربط بين توسيع الحريات فى المجال العام، وبين الإفراج عن المحبوسين من جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسى، والمطالبة بعودة جماعة الإخوان للنشاط العلنى الذي يبتعد عن السياسة، ويقتصر على الدعوة، وأبرز ممثليهم فى ذلك النائب السابق والمرشح الحالى للرئاسة أحمد طنطاوى. لكن المؤكد أن خيطا رفيعا،غير ذلك الذي تحدث عنه إحسان عبد القدوس فى روايته الشهيرة، يربط بين كل هؤلاء وبين جماعة الإخوان التي تعد – وهي محقة في ذلك – الرئيس السيسي العدو الأول لها فى السلطة المصرية . ولأن الجماعة لن تستطيع أن تخوض الانتخابات الرئاسية بمرشح ينتمى إليها صراحة، فقد عدلت مخططها، من الدعوة إلى عودة الشرعية و إسقاط الإنقلاب العسكري في مصر الذى قاده السيسى، إلي القيام بحملة دعائية هائلة من تصريحات لقادتها فى الخارج، تعلن تشكيل لجان للمراجعة وتصحيح أخطاء الجماعة، وتزعم أن ليس لها مرشحا فى الانتخابات .فضلا عن حملة شائعات تروج في المجتمع المصري علي نطاق واسع، أن حوارا سريا يجرى بين ممثلى الجماعة وبين الرئيس السيسى، لعقد صفقة بينهما، تلتزم فيها بدعوة أنصارها للتصويت له فى الانتخابات، في مقابل السماح لها بالعودة إلي المشهد السياسي أو الدعوي ، وهي شائعات لا تتعارض بالطبع مع هدفها الرئيسي المتمثل في إزاحة السيسى من المشهد السياسى المصرى من الآن وإلي الأبد، بزعم أن الغرب الأمريكى والأوروبى لا يرغب فى بقائه فى السلطة ! سقط الإخوان من قيادة حكم مصر، لكنهم مازالوا يسيطرون على مفاصل المجتمع المصري فى المواقع التنفيذية، واحتكار تجارة الجملة والعملة والتحكم في أسواق السلع الاستهلاكية والدواء وغيرها من مستلزمات الحياة اليومية، وهم أحد أبرز صناع الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تعيشها مصر الآن ، انطلاقا من المنطق الذي لم يتحرجوا من قوله " إما نحكمكم أو نقتلكم "فضلا عن قدرتهم علي السيطرة، عبر إسلوب الرشاوي الانتخابية، بغالبية المصوتين الذين يبلغ عددهم 65 مليون ناخب، لإشباع هوسهم الذى لايخبو ولا يتراجع، بالعودة إلى السلطة . الأغلب أن الرئيس السيسى سوف يعلن ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية للمرة الأخيرة وفقا لما يقضي به الدستور، والمؤكد أنه سوف يدخل التاريخ بوصفه القائد الذي تحمل بفروسية وشجاعة، مخاطرة الانحياز إلي إرادة المصريين للتخلص من حكم جماعة إرهابية مسلحة تتاجر بالدين منذ نشأتها .المؤكد كذلك أنه الرجل الذى أرسي قواعد إعادة بناء الدولة الوطنية المصرية الحديثة، تلك التي تمهد البلاد لبناء نظام تعددي، يفصل بين السلطات، ويوازن بينها ويحقق العدل الاجتماعي ويحترم حقوق المواطنة ويفصل بين الدين والسياسة، وهي مهام وطنية لم تستكمل بعد، وستذهب إلي المجهول، ما لم يواصلها الرئيس السيسى.