مع انتشار شبكات الجيل الخامس فى العديد من بلدان العالم، ومنها بعض بلدان القارة الإفريقية، وتحقيق تلك الشبكات لشهرة عالمية متزايدة، يثير السباق العالمي لنشرها القلق بسبب ما نعتقده من أن جميع شركات الاتصالات حول العالم لم تتمكن حتى اللحظة من استغلال الإمكانات الكاملة لشبكات الجيل الرابع، وعدم تحقيقها العوائد الاستثمارية الكافية منها. وقد استمعت شخصيا للعديد من المسئولين فى شركات المحمول المصريين والأفارقة، خصوصا خلال المؤتمر العالمى لمنظمى الاتصالات الذى انعقد بمدينة شرم الشيخ فى الفترة من 5 إلى 8 يونيو الماضى، ووجدت أنهم يؤكدون هذه الحقائق، موضحين عدم تحمسهم للإسراع فى نشر شبكات الجيل الخامس، خصوصا فى البلدان التى تتمتع بنسب نمو أقل، ومعدلات دخل منخفض. إذا، لماذا يشتد حماس البعض لنشر شبكات الجيل الخامس على الرغم من عدم الاستفادة الكاملة من الإمكانات التى تتيحها شبكات الجيل الرابع؟ نعتقد أن بعض أسباب الحماس المتزايد لنشر شبكات الجيل الخامس تتعلق بما يلى: أولا: بالنسبة لبعض الدول والشركات هناك اعتقاد أن نشر شبكات الجيل الخامس سيبقيهم فى ساحة المنافسة العالمية وداخل سباق التفوق التكنولوجي. ومن الصحيح أن شبكات الجيل الخامس تعتبر تطورا مهما فى هذا المجال، إلا أن مجاراة صيحات الموضة فى عالم الاتصالات لا يعتبر مستحسنا إذا كان يتجاهل الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية، وقدرتها أو عدم قدرتها على تحقيق الاستفادة المتوقعة أو الاستغلال الأمثل لكافة إمكانات الجيل الخامس. ثانيا: يتعلق التسرع في نشر شبكات الجيل الخامس أيضا بالرغبة في استغلال العوائد الاقتصادية المحتملة، إذ تتوقع العديد من الحكومات والشركات الحصول على عوائد مرتفعة من استثماراتها في شبكات الجيل الخامس، وبالتالى يتسرعون في نشرها دون التركيز على تحقيق أقصى استفادة من شبكات الجيل الرابع. على الرغم من أن هذا التسرع يمكن أن يؤدي إلى تجاهل الفرص المتاحة للمزيد من التحسينات والابتكارات في الأجيال السابقة. ثالثا: يسود الاعتقاد أن دخول عصر المدن الذكية يرتبط ارتباطا وثيقا بالتقنيات والتطبيقات التى يدعمها الجيل الخامس. ومع ذلك، فإن دخول عصر المدن الذكية لا يرتبط فقط بنشر شبكات الجيل الخامس، بل يستلزم الأمر بني تحتية ومرافق مؤهلة للتعاطى مع معطيات الجيل الخامس، فضلا عن العناصر البشرية المؤهلة والقادرة على الابتكار، وتعظيم الفوائد والفرص التى يتيحها الجيل الخامس. رابعا: يترتب على التسرع في نشر الجيل الخامس أيضا زيادة فى الاستثمارات التى تضخها الدولة والشركات جنبا إلى جنب لتحقيق التكامل لفائدة المجتمعات والمواطنين، إذ تتطلب شبكات الجيل الخامس تحديثا شاملا للبنية التحتية، وإعادة توزيع الأبراج، وتثبيت معدات جديدة، مما يترتب عليه تكاليف عالية، وتعقيدات تقنية هائلة، الأمر الذى سيزيد من الأعباء المالية على الشركات المقدمة لخدمات الاتصالات، التى تشكو بالفعل من انخفاض هائل فى عوائدها بسبب ما تقول إنه عدم عدالة السياسات التسعيرية المطبقة على أرض الواقع، وهو ما قد يؤثر على قدرتهم على توفير خدمات متقدمة وفعالة للمستخدمين. ومع إقرارنا بأن نشر شبكات الجيل الخامس، يمكن أن يسفر عن فوائد كبيرة، وأن يمهد الطريق نحو التقدم التكنولوجي والاقتصادي، إلا أنه من المهم أن نؤكد وجوب الحذر والوضع بعين الاعتبار أن نشر شبكات الجيل الخامس سيعمل على تعميق الفجوات الرقمية القائمة بالفعل داخل المجتمعات، خصوصا فى ظل الظروف الاقتصادية التى نعيشها حاليا، مما يستوجب التأنى فى دراسة إمكانية طرح تراخيص الجيل الخامس فى مصر، خصوصا بعد الأنباء التى ترددت بشأن قرب موعد طرح تراخيص الجيل الرابع فى مصر. وأعتقد أن يجب على الحكومة ممثلة فى وزارة الاتصالات، والجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، وشركات المحمول الأربع، أن يعملوا معا لدراسة سبل تحقيق توازن بين الفرص التى قد يتيحها نشر الجيل الخامس، وتحسين وتطوير القدرات الكامنة فى شبكات الجيل الرابع الحالية.