ضد التيار مغزى الاتفاق السعودى– الإيرانى أمينة النقاش لم يكن مفاجئا توسط الصين للتوصل إلى الاتفاق السعودى– الإيرانى. فالوساطة الصينية لحل الخلافات بين الطرفين بدأت قبل الآن فى عام 2017 أثناء زيارة العاهل السعودى الملك "سلمان" لبكين، وتجددت مع ولى العهد الأمير «محمد بن سلمان» عام 2019 وتواصلت حتى تم إنجازها قبل أيام. المفاجأة السارة هى نجاح الوساطة الصينية، بعد أكثر من عامين من مفاوضات ووساطات عراقية وعٌمانية للتقريب بين وجهتى النظر بين الدولتين، وربما البناء عليها. دلالات الاتفاق بين السعودية وإيران تتجاوز مضمون بنوده، لعل أهمها رفض السعودية ودول الخليج للمسعى الإسرائيلى– الأمريكى لشن حرب على إيران تستهدف منشآتها النووية والعسكرية، وهو هدف أنطوت عليه زيارة وزير الدفاع الأمريكى «لويد أوستن» لدول المنطقة قبل الإعلان عن التوصل للاتفاق بأيام قليلة، وربما بسسب توقع صدور ذلك الإعلان. فواشنطن كانت على علم بالوساطة الصينية من قبل أطرافها، ولعل زيارة «أوستن» كانت محاولة لعرقلة تلك الوساطة أو على الأقل التشكيك فى جدواها، بالتأكيد على مواصلة الإدارة الأمريكية التصدى للخطر النووى الإيرانى، لكى لا تمنح بكين فوزا فى منطقة تعد من وجهة النظر الأمريكية، مجالا تقليديا لنفوذها وتحالفاتها العسكرية، على امتداد معظم عقود القرن الماضى. فضلا عما تسميه واشنطن الخطر الصينى، منذ المبالغة فى تعظيمه، مع انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية عام 2001 وبدء صعودها الاقتصادى، بما يدفعها لسياسات عدوانية تسعى بالعقوبات والتحالفات العسكرية والضغط بملف جزيرة تايوان، ونشر الأكاذيب الدعائية لعرقلة نمو الاقتصاد الصينى المنافس الأول لها، وإضعاف نفوذها السياسى وقدراتها العسكرية. إنجاز الاتفاق يبشر ببروز الدور السياسى للصين بقوة، بعدما كان يخطو هذا الدور بحذر وبخطوات متحفظة فى صراعات المنطقة والعالم. وبعد المبادرة الصينية لوقف الحرب فى أوكرانيا، والبدء بالتوسط بين موسكو وكييف، يأتى الاتفاق السعوى– الإيرانى، بما يحمله من قلق للإدارة الأمريكية، الذى كشف عنه تسرع المتحدثين باسمها بإبداء تشككها فى امكانية إلتزام إيران بما تعهدت به فى ذلك الاتفاق! الانزعاج الأمريكى من الاتفاق لا تنقصه الأدلة، لأنه يكرس الدور السياسى للصين من جانب، فى حال تم الإلتزام بتنفيذ بنوده، ويعيد ترتيب الأوضاع السياسية فى المنطقة والإقليم المفعم بالأزمات والحروب والكوارث، من جانب آخر، لأجل صالح أطرافها، وهو ما لا تقبل به إسرائيل وحلفاؤها فى الغرب الأمريكى والأوروبى، الرابح الأول من ضعف دول المنطقة وزعزعة استقرارها، وعجزها عن التوصل لحلول داخلية لمشاكلها. الاتفاق يكشف عن جانب آخر لذكاء السياسة الخارجية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، ويلعب فيها ولى العهد الأمير «محمد بن سلمان» دورا مؤثرا. ففى الوقت التى تمنح فيه المملكة نصف مليار دولار مساعدات لأوكرانيا وترسل وزير خارجيتها لزيارة كييف، تعلن القيام بوساطة لوقف الحرب، والتوصل لتسوية سلمية بين طرفيها. فضلا عن رفضها فى المقابل طلب الرئيس الأمريكى بايدن بوقف الالتزام بسياسات تجمع أوبك بلس الذى يجمعها ودول أخرى مع روسيا، وينسق فى قضايا النفط وضمان أمن الطاقة. كما امتنعت الرياض عن زيادة انتاجها من البترول لتخفيض أسعاره، كما وثقت علاقاتها التجارية والاقتصادية مع كل من روسياوالصين على غير الرغبة الأمريكية. وخلال شهرين تعيد كل من السعودية وإيران فتح سفارتيهما واستنئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ سبع سنوات طبقا للاتفاق الذى يقضى بالتزام الطرفين بحل الخلافات بينهما بالطرق الدبلوماسية والحوار، والتمسك بميثاق الأممالمتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامى، التى تتضمن التأكيد على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية. أصبحت الكرة الآن فى ملعب إيران، التى تعانى من عزلة دولية وأزمات داخلية وتدهور اقتصادى، نجم من العقوبات الغربية المفروضة عليها. ومن الكلفة الباهظة لتدخلها فى أزمات المنطقة. وعلى طهران أن تدرك أن الخروج من أزماتها المتعددة، بات مرهونا بتنفيذ بنود ذلك الاتفاق، وبوقف دعهما للإنقسام الفلسطينى فى غزة، وتشجيع حرب الحوثيين للاستيلاء على اليمن، واختطاف حزب الله للدولة اللبنانية، وتحويل العراق ساحة للثأر من التاريخ ولتصفية حساباتها الإقليمية، فضلا عن تخليها عن طموحها فى تصدير ثورتها أو استعادة تاريخها الأمبراطورى. الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق، يشكل نجاحا لكل الأطراف، ويدعم كما قال الرئيس الصينى «شى جين بينج» السلم العالمى. والسؤال الذى لايمكن مغادرة تلك المساحة وتجاهله، وبات يطرح نفسه بقوة الآن، متى ياترى تعود العلاقات المصرية– الإيرانية؟.