خبراء يضعون روشتة نحو اقتصاد قادر على مواجهة التحديات : * جودة عبدالخالق: أوجاع الاقتصاد المصري ظاهرة للعيان.. ومجتمعنا يأكل ب«الدين» *الاقتصاد القوي يقوم على الزراعة والصناعة ويجب التعلم من خبرات وتجارب الدول للنهوض بهما *التضخم في مصر هيكلي وناتج عن ارتفاع التكاليف *الاقتصاد المحلي تابع وليس مستقلًا.. وضعيف في مواجهة الصدمات الخارجية *ضرورة ربط الجنيه بسلة عملات.. ووضع قيود على الأموال الساخنة **أحمد جلال: هيكل الاقتصاد يعاني من هشاشة القاعدة التصنيعية *نصيب الإنتاجية فيما يتحقق للنمو لا يتخطى 14% *الحزم التحفيزية لتحسين مناخ الاستثمار بها خلل كبير *ضرورة تشجيع المواطنين على الإنتاج وتغيير سياسة حماية الصناعات *أفضل وسيلة للعمل على تكافؤ الفرص هو الاهتمام بالصحة والتعلي *متابعة محمد مختار أكد الدكتور جودة عبدالخالق، المفكر الاقتصادي، ووزير التموين والتضامن الأسبق، ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع، أن أوجاع الاقتصاد المصري أصبحت ظاهرة للعيان، وتفاعل المجتمع مع التداعيات الحالية للاقتصاد نتيجة أنه مرتبط بجميع مناحي الحياة. وتابع وزير التموين الأسبق، خلال الندوة التي نظمتها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع،منذ ايام قليلة بعنوان «نحو اقتصاد مصري قادر على مواجهة التحديات»، أن برنامج الإصلاح الاقتصادي، نتج عنه ارتفاع كبير في معدلات التضخم، والعدالة أصيبت في مقتل نتيجة لهذا البرنامج، وأنه بعد المشاورات الأخيرة بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، فنحن أمام برنامج جديد، وهنا نتساءل، كيف يدار الملف الاقتصادي، وعلى أي أساس يتم اتخاذ القرارات؟. إهمال القطاع الإنتاجي وأضاف أنه يوجد عجز كبير في الموازنة، وكذلك تراكم كبير للدين وهي مشكلة كبيرة، في ظل تزايد النفقات وانخفاض الإيرادات العامة، وكذلك نواجه مشكلة كبيرة أيضًا في سعر الصرف الذي ارتفع من 39 قرشًا عام 1975، إلى 13 جنيهًا في عام 2016، إلى أن وصل الآن لسعر الصرف فوق 18 جنيها. وأشار المفكر الاقتصادي، إلى زيادة قطاع الخدمات على حساب قطاع الإنتاج، خلال الفترات الماضية، وأصبح يمثل حوالي 60% في حجم الاقتصاد، موضحًا أنه وفقا للإحصائيات، نجد أن قطاع الزراعة في هبوط كبير، ووضح الإهمال الكبير لهذا القطاع مع بداية في الحرب الأوكرانية، فالمجتمع وجد نفسه في مأزق شديد لتوفير القمح، قائلا إن الزراعة هي أمن قومي ويجب الاهتمام بهذا القطاع. وأضاف أن قطاعي الزراعة والصناعة بحاجة إلى أن يتصدروا المشهد، وليس قطاع العقارات أو قطاع المشروعات القومية، بجانب أنه يجب أيضا الاهتمام بالادخار، قائلا: «أصبح الادخار أو الاستثمار لا يأتي إلا عن طريق الاستدانة وهي أزمة كبرى»، وتم استبدال كلمة الدين ب«التمويلات». مقارنة بين مصر والهند واستعرض الدكتور جودة عبدالخالق، مقارنة بين الوضع الاقتصادي في مصر والهند، والتى تم الإعلان مؤخرا عن استيراد الأقماح منها عقب الأزمة الروسية الأوكرانية، موضحا أن دخل الفرد في مصر ضعف مستواه في الهند، ولكن معدل الادخار في مصر نصف نظيره في الهند، وكذلك فإن معدل الاستثمار نصف نظيره في الهند، ومعدل التضخم ضعف نظيره في الهند، وأيضا معدل البطالة 3/4 مثيله في الهند. الإصلاح الاقتصادي وفيما يخص الإصلاح الاقتصادي قال إن تعويم الجنيه، هو أهم مكونات برنامج الإصلاح الاقتصادي، وأنه وبعد 6 سنوات، نتحدث حول ضرورة العودة لصندوق النقد والذي يتعامل بمشروطية مسبقة. وأكد أن أزمة الاقتصاد المحلي، أنه ريعي بصورة كبيرة، وليس إنتاجيا، وهو «ريع الموارد أو ريع للموقع الاستراتيجي»، ومصر أهم بقعة في الشرق الأوسط، وهكذا ينظر إليها الغرب، وليس هناك علاقة تعاون بين تابع ومتبوع، وهو حال وزارة التعاون الدولي. المرض الهولندي وتابع المفكر الاقتصادي أن اقتصادنا يعشش فيه «المرض الهولندي»، وهو تهديد قطاعات السلع التحويلية المحلية على حساب قطاعات سلع التجارة، موضحا أن المرض الهولندي ناتج عن خلل سعر الصرف، وتراجع التجارة وإهمال الزراعة وافتقاد الأمن الغذائي، ولذلك تعد مصر أكبر بلد يستورد القمح على مستوى العالم، فهناك قوي في الخارج تتكالب لجعل بلدنا مكبلة دائما في هذه الحالة ويظل معتمدا على الخارج لسد احتياجات القمح. وقال إن هناك ارتفاعا كبيرا في نسبة المكون الأجنبي لكل من الناتج المحلي والاستهلاك والاستثمار، وكذلك الاعتماد المفرط على المعونات الأجنبية، بجانب ارتفاع تكلفة الدين، وارتفاع تكلفة تنفيذ المشروعات، وأيضًا اتساع نطاق الفقر والتهميش الاجتماعي، مؤكدا أن معدل الفقر وصل إلى 30% في عام 2017، وتسعى الحكومة لعلاج هذا الأمر بالمسكنات، تحت ما تسمية سياسة الحماية الاجتماعية، ولكن الأفضل هو السعي لتطبيق العدالة الاجتماعية. وتطرق إلى «الثالوث المستحيل» وهم «عملة معومة بسعر مستقر، حرية دخول وخروج رؤوس الأموال، واستقلالية تحريك السياسة النقدية»، موضحا أنه بمجرد تحريك الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة، هربت الأموال الساخنة من السوق المحلي، حيث هناك بيانات رسمية تتحدث عن خروج حوالي 20 مليار جنيه في فترة قصيرة جدا، وهو الأمر الذي يضغط بشدة على سعر الصرف، ويجب ربط الجنيه بسلة عملات. وقال إن الاقتصاد المصري هو اقتصاد تابع وليس مستقلًا، وكذلك هو اقتصاد هش، فهو ضعيف في مواجهة الصدمات الخارجية، مؤكدا أننا مجتمعا أصبح يأكل بالدين، فنحن نسدد فاتورة استيراد القمح بالاستدانة، متابعًا: «دعنا من الشهادات الدولية ومعدلات النمو، ولنتأمل الاضطراب الشديد لاقتصادنا على خلفية الحرب في أوكرانيا»،مضيفا أن التضخم في مصر هيكلي وناتج عن ارتفاع التكاليف بعكس التضخم في الولاياتالمتحدة. بناء اقتصاد قوي وأكد أنه لكي نبني اقتصادا قويا، يجب علينا الاهتمام بطبيعة معدلات النمو، مضيفا أن الدولة القوية تعتمد على تنمية البشر وليس بناء الحجر، وهذا يتطلب الاعتماد على التعليم والصحة، وأيضًا الدولة القوية تستند على اقتصاد قوي، والذي يعتمد على الاهتمام بالمتدفقات وليس التركيز على الأصول، قائلا: «الاقتصاد القوي يقوم على ساقين، هما الزراعة والصناعة»، وضرورة التخلص من الثالوث المستحيل. وشدد على ضرورة إعادة التوازن الاقتصادي من الاقتراض الاستهلاكي إلى الادخار والاستثمار، وإعادة تصور أولوية المشروعات من العقارات والسياحة إلى الصناعة والزراعة، والتحول من النشاط الريعي إلى النشاط الإنتاجي، مطالبا بضرورة وجود سياسة للتجارة والصناعة، بجانب الاهتمام بالكفاءة والعدالة، والاهتمام بالدورة الزراعية، وعودة دور البنك الزراعي. وقال إن هناك قوانين مختلفة تحكم المشروعات، ولذلك يجب إعادة النظر في الوضع الاقتصادي، وإشراك الكفاءات في ترتيب البيت الاقتصادي من الداخل، والتعلم من خبرات وتجارب الدول للنهوض بقطاعات الصناعة والزراعة. تحقيق النهوض الاقتصادي فيما أكد الدكتور أحمد جلال، وزير المالية الأسبق، أن العالم وفي القلب منه مصر يواجه أزمة اقتصادية كبيرة ومتتالية، بداية من تداعيات أزمة كورونا وصولا إلى الحرب الروسية الأوكرانية، ورفع الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة، مضيفا أن الحكومة لديها قدر من الحق، في تصريحاتها حول وجود أزمة اقتصادية عالمية حادة تؤثر بطبيعة الأمر على الداخل. وتابع وزير المالية الأسبق، أن هذه الأزمة تسببت في زيادة معاناة المواطن البسيط من تآكل قيمة الأجور نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، وفيما يخص القطاع الخاص، فهو أيضا يشكو من بعض السياسات التي تواجهه خلال هذه الفترة. وشدد على ضرورة توافر 3 عناصر رئيسية لتحقيق النهوض الاقتصادي، أولها هو التوازن الكلي، العمل على زيادة معدلات النمو، وأخيرا تحقيق العدالة بمفهومها الشامل، وليس العدالة الاجتماعية فقط، وإنما المقصود هو تكافؤ الفرص. التوازن الكلي وأشار وزير المالية الأسبق، إلى برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم في عام 2016، وكان أحد نتائجه هو اختفاء السوق السوداء للعملات، وانخفضت معدلات التضخم، وكذلك عجز الموازنة، وتم تحقيق فائض أولى اقترب من 2% من الدخل القومي، وهذه كانت الخطوة الأولية لتقليل الدين العام، وكان هناك نتائج جيدة، إلا أن هناك عددا من التحفظات، والتي ظهرت آثارها الآن، ومنها زيادة الضغوط على الجنيه، وارتفع معدل التضخم، وأصبح هناك ندرة في توفير الدولار حتى لتوفير مستلزمات الإنتاج. وفيما يخص السياسة المالية، فبالتطرق لموازنة العام الجديد، فقد التهمت خدمة الدين 54% من الموازنة، وهو مقلق للغاية. وأشار وزير المالية الأسبق، إلى أن ارتفاع معدلات التضخم، هو الأمر الأكثر تأثيرا على المواطنين، وخاصة عندما تكون هناك فجوة كبيرة لا تستطيع الدخول على مجاراتها، وتتسبب في اتساع رقعة الطبقات الفقيرة، واندثار الطبقة الوسطى، مؤكدا أن الاقتصاد يعاني من تحديات داخلية وخارجية، مطالبا بضرورة إعداد الاقتصاد لكي يتحمل التداعيات الخارجية، وأن الحل الحقيقي للمشاكل الاقتصادية هو إصلاح هياكل الاقتصاد المحلي، و«ترتيب البيت من الداخل أولا»، وبداية ذلك هو تحقيق التوازن الكلي، وبالنسبة للسياسة النقدية تطرق إلى «الثالوث المقدس» حيث إنه لا يمكن التحكم في 3 أداوت مالية بنفس الوقت، وهما سعر الفائدة، وحركة رؤوس الأموال بالداخل والخارج، وكذلك التحكم في سعر الصرف. وحول أبرز مشاكل السياسة المالية، أكد أن التخلي عن مبدأ وحدة الموازنة، تعد المشكلة الأكبر، موضحا أن الصناديق السيادية وإن كانت أهدافها نبيلة، ولكن لماذا هي خارج الموازنة، فتعدد الموازنات يجعل السياسة المالية لا تقوم بدورها كما يجب، حيث إنها نتيجة لهذا الأمر لا تقوم السياسة المالية بإنعاش الاقتصاد عندما يحتاج إلى ذلك، بجانب أن هناك نوعا من الجمود في شكل الموازنة من حيث الإيرادات والمصروفات، مطالبا بسياسة مالية أكثر مرونة. معدلات النمو أكد وزير المالية الأسبق، أن مصر حققت معدلات نمو خلال الفترة الماضية ليست سيئة، وهناك توقعات إيجابية الفترة المقبلة، ولكن المشكلة تكمن في طبيعة النمو، فهكيل الاقتصاد يعاني من هشاشة القاعدة التصنيعية، على حساب التوسع في القطاع الخدمي والعقاري. وتابع أن هناك مشكلة أخرى في هيكل نمو الاقتصاد، وهي أن رأس المال يعد المصدر الرئيسي للنمو وليس الإنتاجية، وهذا أمر غير جيد للاقتصاد، حيث إن نصيب الإنتاجية فيما يتحقق للنمو لا يتخطى 14%، الأمر يجعل الاقتصاد أكثر هشاشة، مضيفا أن الدول التي تنمو بشكل مستدام، هي التي تحظي فيها الإنتاجية بنسب جيدة، مؤكدا أن بهذا الشكل لن نستطيع مواجهة التحديات أو القدرة على التنافسية. وأكد أن ما يتم تقديمه من حزم تحفيزية بها خلل كبير، مضيفا أنه رغم محاولات تحسين مناخ الاستثمار، ولكننا في مستوى متدنٍ بالنسبة للدول المحيطة. وقال إن هناك حركة توسع عقاري غير مبررة، في ظل معاناة كبيرة للمواطنين وتدني الدخول، متابعا أن مصر تحتاج إلى تنمية الصادرات، فهناك عجز بالميزان التجاري. دعم الصادرات وشدد على ضرورة دعم الصادرات، مؤكدا أن دعم الصادرات الموجود الآن «معيب»، ويجب ابتكار أشكال مختلفة لدعم الصادرات، وان يتم ذلك لجميع المصدرين، وليس لمجموعة أو لفئة بعينها فقط. عدالة توزيع عوائد النمو أكد أن هناك ظاهرة غريبة في الاقتصاد المحلي، وهي الاهتمام بحسابات الدخل القومي، ولكن عند التطرق للتوزيع لا توجد عدالة في هذا الأمر، موضحا أن مسوح الإنفاق والدخل معيبة جدا، لأنها تعتمد على الإنفاق وليس الدخل، وكذلك لا تتحدث بشأن الثروات، وأيضا هذه المسوح لا تعطي نتائج واقعية، فنحن ليس لدينا خريطة واضحة لتوزيع الثروة والدخول في مصر. وتطرق إلى المبادرات الحكومية «الدعم النقدي» و«حياة كريمة»، موضحا أن الدعم النقدي لا يصل لكامل مستحقيه، ولكنها فكرة جيدة، وحياة كريمة هي مبادرة أكثر تكاملا، ولكنها مازالت في بدايتها. وأكد «جلال»، أن أفضل وسيلة للعمل على تكافؤ الفرص، هو الاهتمام بالصحة والتعليم، وهما يستحقان أن ينفق عليهما أكثر من الآن، مطالبا بالإسراع في تفعيل التأمين الصحي الشامل، وفيما يخص التعليم، قال إن التوجه في التعليم العالي نحو القطاع الخاص، هو أمر مقلق، وبعيد عن تكافؤ الفرص. وأكد وزير المالية الأسبق، أننا لا نضع لمخصصات التعليم والصحة النسب المنصوص عليها في الدستور. ولفت «جلال» إلى الدور المهم للدولة في صناعة السياسات، وأنه يجب التحول من التنمية بالمشروعات إلى التنمية بالسياسات، مطالبا بضرورة تشجيع المواطنين على الإنتاجية، وكذلك تغيير سياسة حماية الصناعات، وفي نفس الوقت، فإنه يجب تغيير التركيبة الحمائية لحماية الصناعة، فهي قديمة وبحاجة إلى تحديث.