الاعتزال ليس حلا للفن ماجدة موريس هل نحارب الفن الهابط بسجن من يقدمه؟ أم بتقديم الفن الجيد؟ وهل ندعم الفن الجيد بتوفير سبل دعمه انتاجه، أم تعقيدها بحيث يتوقف المبدعون عن العمل تاركين الساحة الفنية؟ حول هذه الاسئلة وغيرها تعلو الكلمات والآراء منذ ما قبل بداية العام الجديد، وتتحول الي غضب عند كثيرين من محبي الفن الجميل بكل انواعه ففي البداية أثيرت قضية «أغاني المهرجانات» ومغنيها، ليتحول الغضب ضد ما يقدمه البعض منهم من أسفاف وتدن في الغناء والموسيقي الي رفض الاسفاف في كل نوعيات الفن بصفة عامة، ولكن قضية أغاني المهرجانات أخذت الجزء الاكبر من الاهتمام بالطبع بعدما طالبت النقابات الفنية بإعطائها حقوق الضبطية القضائية لتقوم بنفسها بضبط المخالفين، وهنا، دارت مناقشة ساخنة بين أعضاء وعضوات مجلس النواب يوم الاحد قبل الماضي، -كنت اتمني ان نراها علي شاشات التليفزيون-، لندرك أهمية الحوار والحجج التي قدمها اعضاء المجلس الموقر وأهمية رؤيتهم لقضية كهذه، خاصة بعد ان وافق بعضهم وهم اعضاء لجنة الثقافة والاعلام بالمجلس نفسه علي تعديلات القانون رقم 35 لسنة 1978 والخاص بإنشاء نقابات المهن الفنية «الموسيقي، والسينما، والتمثيل»، والتي تطالب بمنح الضبطية القضائية لهذه النقابات لظبط المخالفين، وحبسهم!!. والمدهش هنا ان احدا لم يطالب بمراجعة القانون الذي صدر منذ ما يقرب من نصف قرن تقريبا «43عاما» اختلفت فيها كل أمور الحياة، من اساليب التعبير الفني الي اساليب رؤية الفنون عبر الوسائط الالكترونية بعد ان عزت المساحات المخصصة للفنون علي الشاشات العامة، وهدم الكثير من دور العرض السينمائي في القاهرة والمحافظات، وقفزت المنصات لتكون بديلا للعروض الفنية العامة، ولمن يدفع!، ومع ذلك لم يطلب احد مراجعته، وانما طلبت النقابات الفنية اضافة الضبطية القضائية إليه «مع وجود جهاز للرقابة علي الفن في مصر »،المهم ان أغلب اعضاء مجلس النواب رفض التعديلات، ورفض ان تأخذ النقابات الفنية حق الضبطية القضائية،، مؤكدا ان القانون يجرم ويمنع الكلمات الماسة بالاخلاق والمحرضة علي العنف، والاساءة للآخرين، والتنمر، وبالتالي يمكن ضبط المخالفين بلا ضبطية للنقابات، وقالوا ايضا ان هذه التعديلات تخالف المادة رقم 167 من القانون والخاصة بحرية الابداع، وان المساس بالاخلاق هو الشئ الوحيد الذي يعاقب عليه القانون اما الاختلاف حول نوع الفن فهو أمر متروك للجمهور. الرقابة واليوتيوب ومن جانب آخر، ردت د.درية شرف الدين رئيسة لجنة الثقافة والاعلام علي الرافضين للتعديلات بكلمات خطيرة، فقالت ان جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية شبه معطل علي مستوي الجمهورية، «حين بدأنا نفعل دور الرقابة وجدنا ان المختصين العاملين بها غير مؤهلين للحكم علي الاعمال الفنية لذلك فكرنا في تحويل تلك الرقابة لاعضاء النقابات بصفتهم مؤهلين للحكم وتقييم الاعمال الفنية،كما ان اجهزة الرقابة. غير موجودة علي مستوي الجمهورية»، وتحدثت ايضا عن قلة عدد دور السينما وقلة عدد الافلام وهو ما يهدد صناعة الفن المصري كله مع ذلك ولأننا نعيش زمنا مختلفا عن الماضي فإن التعامل مع مفرداته مهم كما اعلنت احدي النائبات ان «وقتنا الحالي يشهد طفرة تكنولوچية هائلة حتي أنه يمكن لاي طفل الدخول الي عالم الانترنت، وصناعة محتوي وعرضه علي المنصات الالكترونية»، وهذا صحيح بأمارة اليوتيوب وما يطرحه علينا من منتجات فنية يوميا يصنعها اي هاو يري في نفسه القدرة علي تقديم انتاج فني للناس. واعتزال مخرج كبير ومنذ أيام اعلن المخرج السينمائي الكبير داود عبد السيد اعتزاله العمل، ولم تهدأ ردود الفعل لهذا الخبر الذي كان سببه هو خيبة أمل وغضب من مبدع كبير تجاه احوال السينما التي اعطاها اكثر من اربعين عاما من عمره محاولا تقديم اعمال تمتع المشاهد وتستفز عقله للتفكير فيما تقدمه، وبينما احتفي مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الاخيرة بفيلمه الرائع «الكيت كات» وشهدت ندوته حضورا ملفتا من جمهور المهرجان، فإنه- اي داود- ظل اكثر من خمس سنوات يبحث عن منتج يوافق علي خروج هذا الفيلم للنور، وهكذا حاصرته متاعب البحث عن منتج، والانتظار الطويل، وضياع اغلب دور العرض الشعبية بالهدم او تحويل النشاط لتبقي دور عرض المولات معبرة عن جمهور مختلف، يحب افلام التسلية والضحك، هل من السهل ايجاد مبدعين في قامة وتاريخ هذا المبدع ؟، وهل نتركه يرحل عن السينما الفن الذي اعطاه الكثير؟ ومع ذلك فهو ليس وحده الذي يبتعد- اجباريا- عن العمل السينمائي، ولدينا غيره من مبدعي السينما والدراما التليفزيونية الذين اعتزلوا دون قرار اعتزال وبغياب الدعم المعنوي والمادي عنهم .فهل تنظر الدولة لهذه القضية المهمة وهي تسعي لبناء الانسان اولا قبل. اي شئ آخر وهل ننتظر طويلا؟