قضية للمناقشة علي هذه الأرض…. فريدة النقاش بعد أن هدأت العاصفة أخذت الأصداء الفكرية لاضرابات النساء واحتجاجهن تتوالى. وكانت آلاف النساء قد خرجت إلي الشوارع في بولندا احتجاجا على الحظر الحكومي للاجهاض. وكما أن هذا الإضراب للنساء ليس الأول, فإنه لن يكون الأخير، ذلك أن الكثير من قضايا النساء لم تجد حلولًا تُرضي الجميع في كل أنحاء العالم ولو بدرجات متفاوتة. إذ بقيت الثقافة الرجعية والتي تعتمد للأسف على قراءة خاصة للنصوص الدينية بشكل أساسي – مازالت تضع النساء في مكانة متدنية, لأنها تتعامل مع الذكورة والأنوثة كقطبي صراع, أحدهما أي الذكوري أفضل بشكل مطلق من الآخر. وتراكمت المبررات لإعطاء مشروعية لتفوق الذكور. ويحفل التراثان الثقافي والديني في كل أنحاء العالم بالمبررات الواهية غالبًا للتأكيد على الدونية الخلقية للنساء, مع الاسراف في استخدام مصطلح الفروق الطبيعية كما يصفون الفروق البيولوجية والادوار دون الالتفات للعنصر الاجتماعي الحاكم في انتاج هذه الفروق على مدى التاريخ. والتمييز ضد النساء كما هو التمييز ضد اي من الفئات الاجتماعية أو الاجناس أو الطبقات يتأسس – في العمق منه- علي مصالح اقتصادية تجني فيها طبقة اجتماعية أو فئة مجموعة من الامتيازات علي حساب الاخرين, وغالبا ما يكون اصحاب الامتيازات هم اقلية في مواجهة اغلبية يجري استغلالها ماديا وانسانيا. اجتهد المناضلون السياسيون والعلماء والباحثون علي امتداد التاريخ الانساني من اجل كشف, بل اقول تعرية الجذور والمنابع التي ينهل منها التمييز استهدافا لتأييده من جهة المستفيدين منه, أو ازالته لما يلحقه من أذي بالاغلبية. ولكن التاريخ الانساني كان و لا يزال في جانب أساسي منه ابن الصراع, بدءًا بصراع الانسان ضد الطبيعة لترويضها ولكي يبني حضارته, وليس انتهاء بصراع الطبقات, ولن تنتهي اشكال الصراع طالما بقيت الحياة الانسانية علي هذه الارض, وطالما يواصل البشر ابتكاراتهم من اجل تطوير هذه الحياة لتكون جديرة بالانسان, ذلك الانسان الذي يواصل تطوير عالمه وتطوير نفسه منذ غادر الحياة البدائية الاولي, وكان الصراع دائما إحدى أدواته. ظل الاشتراكيون متفائلين مرتاحين لتبريراتهم لاستمرار الصراع, بل واحتدامه في أحيان كثيرة مركزين دائما علي عنصر الاستغلال كأساس بينما كانوا يستصغرون شأن العناصر الاخري باعتبارها اعراضا للاصل, وهو الاستغلال. وبين لنا التاريخ والممارسة والتجارب في بعض الاحيان أن عنصرا ثانويا ما قد يقفز في بعض الظروف والملابسات ليحتل المتن, كما بين لنا أيضا أن بعض التبسيطات التي اطلقها باحثون وعلماء ومناضلون لم تثبت صحتها, خاصة بعد أن تبين للجميع مدي تهافت التجارب التي انطلقت من مبدأ ضرورة تغيير العالم في المجالات شتي دفعة واحدة . وباءت التجربة الاولي لبناء الاشتراكية بالفشل بعد سبعين عاما من انطلاق الثورة التي انطلقت باسمها, حتي أن احد منظري الرأسمالية سارع بالقول أن الرأسمالية هي نهاية التاريخ بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ثم عاد وقال انه كان مخطئا, لا فحسب لأن التاريخ الانساني لا ينتهي وانما ايضا لأن كل التجارب الرأسمالية اخذت تتعثر في خيباتها رغم كل ما انجزته وحققته من نجاحات, وبرزت- مرة اخري الحاجة الي تغيير جذري علي كل المستويات اما في العلاقة بين التقدم والتخلف أو بين الاستعمار والشعوب, أو بين الطبقات في كل بلد. ولم تتوقف ابدا اجتهادات المفكرين والمنظرين لملاحقة وتحليل التطورات العاصفة التي شدها ويشهدها العالم, كما لم تتوقف الاحزاب التقدمية والمناضلون الاشتراكيون عن العمل من اجل وضع المثل العليا للعدالة الحقة موضع التنفيذ. وفي خضم هذا الصراع – واحيانا في القلب منه تبرز قضايا التمييز ضد النساء, وتتباري القوي المعادية للنساء, بل والخائفة منهن – لمراكمة المزيد من ما اعتبره خرافات عن دونية النساء وقدراتهن الضعيفة, بل وحتي التقليل من شأن الدور العظيم الذي يقمن به حتي في تجديد الجنس البشري اي تجديد حياة الانسان علي هذه الارض. كان المفرطون في التفاؤل وبينهم بعض دعاة بل واقطاب حركات تحرير المرأة قد تصوروا ان تحرير المرأة هو شأنه شأن اي معركة حربية يمكن الانتصار فيها بالاستعداد الجيد والتدريب المتواصل وينتهي الامر. ولكن الرياح عادة لا تأتي بما تشتهي السفن, اذ تبين للمتعجلين ان التغيير الثقافي هو الاصعب علي الاطلاق, خاصة وان القوي الرجعية والمعادية للتقدم تقاوم بشراسة مثل هذا التغيير لانه عادة ما يكون ضد مصالحها, فهو يفتح الابواب امام الطبقات الشعبية لمقاومة الاستغلال والانتصار عليه ولو بمراكمة النقاط كما يقال. ويتواصل الصراع علي كل الصعد من اجل التحرر الانساني الشامل الذي يبدأ بإنهاء استغلال الانسان للانسان ولا ينتهي به, لان وجود الانسان علي هذه الارض يخلق كل يوم افاقا جديدة كثيرا ما تفاجئ الجميع, ونقول مع "محمود درويش" علي هذه الارض ما يستحق الحياة.