«أيام مصرية» مجلة نوعية متخصصة في نشر «الأرشيف التاريخي» في محاولة لربط الحاضر بالماضي عبر رؤية موثقة، وعلي مدار خمسة عشر عاما شكلت المجلة «حالة خاصة»، من خلال أعدادها التي وصلت - حتي الآن - إلي 33 عددا، هنا حوار مع أحمد كمالي - مؤسس المجلة والمشرف علي تحريرها. كيف بدأت فكرة إصدار «أيام مصرية»؟ في عام 1994 كنت قررت أنا وزميل لي عمرو إبراهيم أن تصدر مطبوعة خاصة بالتاريخ وشجعني علي ذلك أن والدي «رشاد كمالي» عنده مكتبة ضخمة بكل أفرع المعرفة، فقمنا بعمل الفكرة حتي نوفمبر 95 صدر العدد الأول من المجلة. أنا أصلا عاشق للتاريخ كنت أقرأ في مكتبة والدي، كانت فكرتي بسيطة جدا في البداية، لكن مع تفاعل الناس وملاحظتهم، فأنت مع إصدار مطبوعة جديدة تكون لك نظرة مختلفة، فوجدنا - بعد إصدارها - تنشأ ركن جديد في سوق الصحافة المصرية والعربية غير موجود، واكتشفنا أن فكرتنا الصحفية هي نفسها مبدأ ورسالة أيضا. ويساعد علي ذلك عدة أشخاص قدموا لنا مساعدات غاية في الأهمية ليس لأجل أشخاصنا ولكن من أجل أيام مصرية والمبدأ والحفاظ علي الذاكرة المصرية من أبرز هؤلاء الفنان الكبير حلمي التوني الذي قرر أن يتبني المجلة ويعمل فيها كمستشار فني مع مجموعة ليس لهم اسم في هذا التوقيت ويعمل معهم متبرعا. واستمر كذلك حتي الآن، أي منذ 15 عاما يعمل بدون أجر في المجلة. الشخص الثاني هو الفنان محمد صبحي هذا شخص لا تربطنا به أي علاقة من قبل عجبته جدا الفكرة فقرر أن يساعدها بشكل مختلف فمنحنا منفذا لبيع المجلة داخل مسرح «راديو» حيث كان يعرض مسرحياته، مكان إيجاره الشهري حوالي 5 آلاف جنيه منحة لنا مجانا لمدة 30 شهرا، وكان فخورا بأن رواد مسرحه يمكنهم اقتناء أيام مصرية. كما أحب أن أشير إلي دور قامت به الدولة تجاهنا وهو اتصال تلقيناه من صندوق التنمية الثقافية الذي أبدي استعداده لتقديم دعم مالي للمجلة، قد يكون دعما بسيطا ولكنه مستمر. وأريد أن أضيف أن والدي «رشاد كمالي» قدم لي المكتبة الشخصية له والدعم المالي، وثقافته وخبرته في الحياة حتي عام 2002 حين رحل عن عالمنا. أزمة مالية الإصدارات الخاصة تعاني - كثيرا - من الناحية المادية، كيف تتغلبون علي هذا الجانب؟ لم يكن عندنا متطلبات مالية كثيرة لأسباب منها أن جميع مواد العمل وعناصر الإنتاج للإصدار نفسه متوفرة، الإشراف الفني لحلمي التوني مجاني، المواد الأرشيفية والصور أملكها أنا، الإخراج الفني يقوم به زميلي عمرو إبراهيم، لا نتكلف شيئا سوي مصاريف الطباعة. المسألة كانت ستختلف لو أن هناك فريق عمل كبيرا ومقرا ضخما ثابتا وأجوراً لمن يعملون وتجهيزات فنية، بالتأكيد كان الوضع سيكون مختلفا تماما. الجانب الوثائقي يحتاج - في كثير من الأحيان إلي جانب تحريري - كيف تتغلبون علي هذا الجانب في ظل ندرة عدد الباحثين في هذا المجال؟ في أيام مصرية نقدم ملاحظتنا الشخصية علي الوثيقة، ومهمتي في المجلة أن نقدم للقاريء لقطة من لحظة الحدث من الماضي بكل مشتملات الصورة، فأحيانا نقدم الحالة الاقتصادية والحالة السياسية والحالة الفنية المحيطة بأمر ما، دون الدخول في مناقشة فعلية خاصة بالوثيقة، هذه مهمة من يقوم بتحضير رسائل الدكتوراة والماجستير، أنا مهمتي مخاطبة القاريء البسيط نكفل له المعرفة في حدها الأدني لكنها معرفة موثقة. توثيق التراث بالتأكيد هناك مجموعة كبيرة من الوثائق لديك، ألم تفكر في تحويل الفكرة إلي مؤسسة مستقلة للحفاظ علي التراث؟ أيام مصرية تمتلك جرائد ومجلات وكتبا وصورا ووثائق، والموضوع يستحق أن يتحول إلي مؤسسة ولكن نريد أن يتحول - إن تحول - بنفس طريقتنا ووجهة نظرنا حتي لا يتحول الأمر إلي مجرد مشروع مالي يدر دخلا دون النظر للقيمة. ولكن إذا تحول إلي عمل جماعي مؤسس فهذا اتساع للفكرة؟ ليس بالضرورة قد تدب الخلافات في المؤسسة بين أعضائها وسيتواري المخلصون وسيظهر في الصورة أصحاب الأغراض، قد تنجح أو لا تنجح، لكن نحن لسنا علي استعداد للتجريب. هذه الوثائق والتي تنشر في المجلة وغيرها أليست صيغة للبحث عن جهات وطنية أخري للتمويل لإثراء الفكرة لتصبح جماهيرية؟ من يملك رأس المال يملك طلبات تتوافق معه ولا تتوافق معنا مازال في مصر نقص في رجال الأعمال المحبين للثقافة حقا. وقد قمنا بالاستعاضة عن هذا بتعاملات مع جهات مباشرة داخل الدولة تكلفنا بعمل خاص بتوثيق تاريخ هذه الجهات، ويكون هذا أكثر احتراما، مثل ما قمنا به بإصدار عدد عن «مصر للطيران» في عيدها الماسي بعنوان «مصر 1932، ودخول عصر الطيران»، وطبع من هذا العدد عشرة آلاف نسخة، كما شاركنا مع جامعة القاهرة في احتفالات المئوية بأربعة أعداد من المجلة عن تاريخ الجامعة وتطورها، طبع من العدد الأول 30 ألف نسخة وقامت الجامعة بتوزيع الأعداد علي الطلبة مجانا. المواطن أولا في الأعداد الأخيرة نري اهتماما بالأسرة العلوية - وآخرها العدد الخاص عن «الملك فاروق»، مما قد يراه القاريء اهتماما بأفراد هذه العائلة؟ أختلف معك نحن لا نهتم بأفراد علي الإطلاق بل نهتم بمصر والمواطن وليس الاهتمام بالأسرة العلوية، لأن المواطن هو الذي يصنع التاريخ هو الذي يحارب ويقاتل هو الذي يدفع ثمن آراء الزعماء، هذا المواطن هو الذي يصنع التاريخ، لكن في كتاب التاريخ يختفي المواطن ويظهر الحكام وكبار الشخصيات، وهنا تكون المشكلة الحقيقية، نريد للشعب أن يقوم وينهض فنعطيه مثالا لأشخاص لا يراهم إلا في أحلامه، لذلك الشعب يحتاج إلي أمثلة من المواطنين العاديين الذين قام علي أكتافهم التاريخ. أليس هناك - في الفترة القادمة - فكرة لتطوير عمل المجلة من خلال فريق من المحررين الصحفيين مثلا؟ أتمني مزيدا من الانتشار والقدرة علي الثبات علي المبدأ، أما فكرة الاستعانة بالآخرين أظن أننا لسنا محتاجين لها فنحن بحاجة إلي جهاز إداري في التسويق والعمل، لكن البعد التحريري نقوم به نحن. اليوم نصدر في الشهر الواحد عددا واثنين أنا عندي.. بالفعل مشكلة إدارية، كنت أنتظر من رجال الأعمال أن يتحملوا الجانب الإداري، دون المشاركة في المادة الوثائقية حتي أتفرغ للعمل الذي أعمل فيه. أما عن الاستفادة المالية - فليس عندي طموحات مادية ليس من طموحاتي أن يكون لدي قصر عال، إنما طموحي الحقيقي أن تقدم المجلة خدمة حقيقية للناس، أتمني لو تطورنا أن نتطور وفق ما في دماغي الشخصي، أنا لا أريد للفكرة أن تمتهن، يهمني كل الاتجاهات السياسية أن يروا أن المجلة تخاطب الجميع وأنها ليست مجلة نخبة أو مسئولين إنما هي مجلة للناس جميعا.