تحقيق: منى السيد أصبحت التكنولوجيا عُنصرًا مهمّاً في حياة الإنسان لا يُمكن أن الاستغناء عنه، ومع تطورها السريع أحدثت تأثيرات كبيرة على المجتمعات، وخاصةً وسائل التواصل الاجتماعي التى لعبت دوراً كبيراً في تغيير ثقافة المجتمعات وخاصةً الناشئة منها. الخطورة تتمثل فى أن معظم محتوى الإنترنت هو محتوى غربي، يحتوي على ثقافة الغرب وعاداتهم وتقاليدهم، وتعتمد على ما يميل إليه الطفل من خلال ألعاب ومشاهد تمثيليّة تجذب خيال الطفل، واحتوائها على إيحاءات جنسية ترتسم في ذاكرة الطفل، كما يمتلئ الانترنت بالإعلانات وكثير من هذه الإعلانات هي إعلانات لألعاب الكترونية يجد الطفل نفسه من خلال ضغطة زر قد قام بتثبيتها وبدأ باللعب، وغالباً ما تكون ألعاب عنف وقتل، كلعبة مريم أو الحوت الأزرق، التي سيطرت على الأطفال وسجلت حالات من إيذاء النفس كما سجّلت حالات انتحار في الكثير من البلاد تحت تأثير السيطرة النفسية لهذه اللعبة على مشاعر الطفولة, كما أن هناك الكثير المواقع غير الاخلاقية التى يدمنها بالاضافة إلى استغلال بعض الجماعات المتطرفة لهذه التكنولوجيا لاستقطاب الشباب من خلال مواقع الجماعات المتطرفة. انشغال أولياء الأمور أوضح الدكتور طه أبو حسين، أستاذ علم الاجتماع، إن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ال11 إلى 18 عامًا، يستخدمون السوشيال ميديا بشكل نوعي، ولديهم القدرة على تصفح المواقع التي تعرض على الانترنت سواء إن كانت مواقع أخلاقية أو غير أخلاقية، لافتًا إلى أن هذه المرحلة تعد فترة تلاقح ذهني وسلوكي، كونهم في مرحلة البلوغ الحقيقي، ولكن الأطفال الأقل عمرا يستخدمونه لمشاهده الفيديوهات والألعاب وخلافه، ما يجعلهم يدمنون السوشيال ميديا ويقبلون عليها بشكل هيستيري. وتابع قائلا: اليوم لا نجد طفلاً لا تشاهد مقاطع وفيديوهات يوتيوب، رغم أنّ هذا الموقع مخصص لمن تجاوز13 سنة ، لكنّ هذا الأمر لم يمنع الأطفال ممّن هم دون هذا العمر أن يكونوا زوّاراً دائمين لهذا الموقع حتى ممّن لم يبلغوا العامين في كثير من الأحيان ... وأوضح أن كثيرا ما يشاهد الاطفال المحتوى العنيف أو الجنسي أو اللا أخلاقي كالضرب، وعقوق الوالدين، وإهانة المرأة، وإنكار الذات الإلهية، ورغم خطورة هذه المقاطع إلا أن كثيرا من الأمهات تلجأ إلى إلهاء أولادها باستخدام اليوتيوب لقضاء الكثير من الواجبات المنزلية المترتبة عليها، مطمئنة إلى أنّها قامت بفتح مقاطع مخصصة للأطفال دون الدخول في تفاصيل محتوى المشاهد. ويقول أبو حسنين: إن أساس المشكلة هو انشغال أولياء الأمور عن الأبناء الأمر الذي نزع حصن الأمان وخلق المشكلات السلوكية، فبغياب الأب عن أبنائه لانشغاله بالسوشيال ميديا يجعل الأسرة تفتقد مبدأ التواصل الأسري واستماع أفرادها إلى بعضهم البعض ومشاركتهم في حل مشاكلهم، إلى جانب احساس الأسرة بغياب دور الأب المهم في النصح والتوجيه ومعالجة المشكلات من خلال خبراته في الحياة، ونشر ثقافة المساعدة حتى تعم السعادة داخل المنزل. ويضيف أستاذ علم الاجتماع، أن إدمان الأم للتكنولوجيا الرقمية يتسبب في عدم قيامها بدورها الرئيسي في تربية أبنائها ومتابعة مستواهم الدراسي وعلاقاتهم بالأصدقاء والزملاء، فضلًا عن أنها قد تكون سببًا في استعمال ابنائها (المراهقين) لهذه الوسيلة التكنولوجية دون رقابة فيسقطون في براثن من يشوهون افكارهم الدينية والاجتماعية. برنامج موحد ومن جانبه طالب محمد أبو قريش، رئيس الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات وخبير التكنولوجيا، بوضع برنامج إعلامي محدد، لتوظيف كل وسائل الاتصال، لتصحيح النظرة الضارة عن استخدام التكنولوجيا الحديثة، خاصة أن التكنولوجيا لها جوانب عديدة تستخدم في ترابط البشر بين البلدان المختلفة، فضلًا عن كونها نافذة مفتوحة على العالم، وتعمل على توصيل المعلومات. ويطالب وسائل الإعلام بتوعية وتعليم المواطنين وإرشادهم كيفية استخدامها بشكل جيد، بدلًا من الترويج على القنوات المختلفة عن أضرارها واستخدامها في الجرائم خاصة ,ويتم طرح الأمثلة المفيدة لاستخدامها، فيقوم الإعلام بدور تعليم الشعوب للاستخدام النافع والجيد للسوشيال ميديا. ويوضح أن جميع الأساليب والوسائل لها جوانبها الضارة والسلبية، فعلى سبيل المثال: فالتكنولوجيا النووية تم استخدامها في تدمير الشعوب، وفي الوقت نفسه يتم استخدامها في التطويروالتقنية الحديثة، والمساعدة في تطور البشرية بشكل عام. وشدد على أهمية دور الأسرة في مواجهة السوشيال ميديا الضارة، من خلال الارشاد والتوجيه والمراقبة والتقويم والتربية وتصحيح النظرة السلبية,وأكد ضرورة التغلب على الاستخدام الضار لهذه الوسائل، على أن تقوم الدولة من خلال التعاون بين مؤسساتها عرض السوشيال ميديا على أنها أداة للتعبير عن الرأي والتعبير، والترويج للجوانب الإيجابية في مواجهة الجوانب الضارة، بالإضافة إلى ضرورة تعاون الهيئات المعنية بالتربية بضخ مواد ثقافية وتعليمية وإرشادية ومستهدفة على مواقع التواصل الاجتماعي على أنها تكون بديلة عن المواد الأخرى التي تعرض بشكل فارغ على التيك توك وغيره,مشيرا الى أهمية تفعيل برامج الحماية على المواقع غير الأخلاقية والمواقع الخاصة بالمتطرفين. تواصل عالمي وفي السياق ذاته يؤكد عبد الحميد زايد، استاذ علم الاجتماع، أن وسائل التواصل الاجتماعي نوع جديد من التكنولوجيا كالتليفزيون، مشيرًا إلى أن الجوانب السلبية والايجايبة تتوقف على كيفية الاستخدام. ويشير إلى أننا انتظرنا فترات طويلة من أجل وضع تشريع يحدد هذه الكيفية، في ظل سباق العديد من الدول في تجريم أخطاء وانحرفات السوشيال ميديا، الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن التشريع تأخر كثيرًا. وأضاف اننا لا نستطيع منع تواصل الابناء بالثقافات الاخرى حيث أن الوقت الراهن يشهد حالة من الاحتكاك والتواصل العالمي بين جميع أجناس الأرض,ولكن ممكن ان نتابع ابناءنا لافتا الى أن ابرز وسائل العلاج تتمثل فى المحاولة قدر الإمكان عدم إتاحة اليوتيوب والإنترنت للأطفال في الأعمار المبكرة,و الاتفاق على عدد ساعات محددة للمشاهدة وبشروط,,جعل الشاشة أثناء مشاهدة الأطفال في مكان مكشوف لبقاء ما يتابعه الأطفال تحت نظر الراشدين, وأن تكون المتابعة قدر الإمكان بإشراف وحضور الوالدين ,وتعليم الطفل كيفية استخدام الجهاز الذكي/هاتف، كومبيوتر، تابلت... / بشكل سليم، وعدم تركه يتعلم ذلك بنفسه ودخوله في أمور لا يعرفها أو مصادفات لا تحمدُ عقباها. وأوضح انه في حال اكتشاف الآباء لمتابعة ابنهم لمحتوى سلبي يجب معالجة الأمر بأسلوب التوضيح وتبيان أضرار الأمر وسلبياته، وعدم معالجته بأسلوب قمعي أو الحرمان، مما يحرّك عند الطفل – كل ممنوع مرغوب ,وإرشاد الأطفال وتحفيزهم لمتابعة الأمور العلمية والتعليمية وتعلم اللغات,وعدم امتلاك الطفل لجهاز خاص قبل بلوغه سن 16عاماً على الأقل. ويقول: إن تغيير نوعية التربية والتوعية المفترض أن يحصل عليها الأطفال في المدارس أو المنزل، موضحًا أن مواجهة هذه الأضرار يتطلب كفاحا ونضالا ويجب أن يشترك فيه كل المؤسسات المعنية بشئون الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة والاعلام، لتتكاتف من أجل إحداث توعية تنشئة عن مخاطر كل في مجاله. ويطالب بضرورة أن تتابع الهيئة الوطنية للإعلام والمجلس الأعلى للإعلام عملها من خلال وضع استراتيجية خاصة بالمواد التي تنشر وكيفية نشرها والتعامل معها. الخراب الاجتماعي ويؤكد وليد عبد المقصود، مستشار حملة معًا لانقاذ الأسرة المصرية، أن المجتمعات كانت تعاني من تأثير السوشيال ميديا الضار قبل ظهور فيروس كورونا، ولكن الأمر زاد خطورة بعد ظهور الفيروس وغلق النوادي والأنشطة والكافيهات. ويتابع ان الإفراط في استخدام الانترنت يؤثر بشكل كبير على ذكاء الأطفال واستيعابهم، علاوة على إصابة الكثير منهم بالأمراض النفسية، بالإضافة إلى التأثير السلبي الذي بسببه نتيجة نقل الشائعات والعاب الموت والمواقع غير الاخلاقية، وهو أمر تضاعف بشكل كبير خاصة في ظل الأزمات التي يشهدها العالم في الوقت الراهن . ويشدد عبد المقصود بضرورة استغلال هذا الوقت استغلالًا جيدًا بالقراءة والرياضة، حتى لا يتم اهدار الوقت وترك الأبناء فريسة لهذه المواقع التي تؤثر عليهم بالسلب. وفيما يخص حماية الشباب، يطالب عبد المقصود أولياء الأمور بضرورة توجيه الشباب للاستخدام الامثل للانترنت كسماع حلقات نقاشية او متابعة أحد القوالب الفنية التي تؤثر بشكل إيجابي على التفكير والتربية، مطالبًا رئاسة الوزراء بضرورة استثناء النوادي ومراكز الشباب من الغلق حتى تكون متنفسا ومنفذا لهؤلاء الشباب ،خاصة أن الرياضة تعمل على إخراج طاقات الشباب وفي الوقت نفسه تفيد الجسم والعقل، ووهذا يعد البديل الآمن والطيب للشباب. وعن ادمان الآباء والأمهات السوشيال ميديا، يوضح رئيس مبادرة معًا لإنقاذ الأسرة المصرية، أن وسائل التواصل كانت سببًا من أسباب خراب الأسرة، وارتفاع نسب الخيانة، وأعداد الطلاق، والتأثير السلبي على الأبناء. ويشدد على ضرورة وجود حماية إعلامية كبيرة لتوعية المجتمع بشكل عام من مخاطر ادمان الانترنت، وحسن استخدامها، بعدما أصبحت مواقع "الخراب الاجتماعي"، بدلًا من التواصل، مشددًا على ضرورة غلق المواقع المشبوهة والمتطرفة والصفحات التي تبث الشائعات في الأماكن المختلفة.