فوائد الدين تستهلك 31.5 % من الموازنة .. واستمرار سياسة الاستدانة بقلم شريف فياض الموازنة العامة للدولة هي بيان تفصيلي يوضح تقديرات إيرادات الدولة ومصروفاتها، معبرا عن ذلك في صورة وحدات نقدية تعكس في مضمونها خطة الدولة لسنة مالية مقبلة. وهذا البيان يتم اعتماده من قبل السلطة التشريعية في الدولة. وسوف يتم تناول مشروع الموازنة من ناحية عدالة تحمل توزيع العائد فى مشروع الموازنة والمتمثل فى الإنفاق فى المصروفات وعدالة تحمل الأعباء والمتمثل فى عدالة الإيرادات وهل الذى يتحمل تلك الأعباء هم الفقراء أو الأغنياء بشكل كبير. وسوف يتم تناوله فى الجزء الأول من تلك المقالة جانب المصروفات بينما فى المقالة القادمة سوف يتم تناول جانب الإيرادات، وطرق سداد العجز وأخيرا الإجابة عن التساؤل هل تلك الموازنة فعلا تحقق العدالة فى توزيع تحمل الاعباء حيث سيتم الرد فى المقالة الأولى تلك عن هل هناك حقا عدالة فى توزيع العائد المتحصل عليه من تلك الموازنة المقدمة إلى مجلس النواب. بالنظر الى مشروع الموازنة العامة للدولة المصرية فى عام 2021/2022 يتبين ان المصروفات مقدر لها ان تبلغ 1873 مليار جنيه بينما الإيرادات مقدر لها ان تبلغ 1365 مليار جنيه أى بعجر يقدر بنحو 472 مليار جنيه. المصروفات العامة أولا بالنظر إلى المصروفات فنجد أن إجمالى المصروفات تبلغ نحو 1,8 ترليون جينه ينفق أساسا على فوائد الدين، (اكرر هنا فوائد الدين وليس أقساط الدين) حيث يتم إنفاق 579 مليار جنيه أى بنسبة 31,5% من إجمالى المصروفات يليه أجور وتعويضات العاملين 361 مليار جنيه بنسبة 19,6% من إجمالى المصروفات وإن كانت جملة الإستثمارات قد قاربت مبلغ أجور وتعويضات العاملين بنحو 358 مليار بنسبة 19,5% من إجمالى المصروفات، بينما بلغ إجمالى الدعم والمزايا الاجتماعية نحو 321 مليار جنيه بنسبة 17,5% من إجمالى المصروفات. الأمر الذي يشير إلى ان الدعم والمزايا الاجتماعية والتى كانت تحتل المرتبة الثانية بعد الأجور منذ سنوات أصبحت الآن تحتل المرتبة الرابعة فى إجمالى المصروفات. بالتالى انخفض الاهتمام بالدعم والمزايا الاجتماعية فى الموازنات الأخيرة على حساب تسديد خدمات الدين سواء الداخلى أو الخارجى. وبما ان تسديد فوائد الدين يمثل المرتبة الأولى فى إجمالى المصروفات فى موازنة 21/2022، بنسبة 31,5% ولكن إذا تمت إضافة أقساط الدين نفسه الواجب السداد والذى سيتم تسديده خلال هذا العام المالى 21/2022، يتبين أن إجمالى ما سوف يتم تسديده سيبلغ نحو 593 مليار جنيه بخلاف ال 579 مليار فوائد الدين أى ان إجمالى ما سوف يتم تسديدة سواء فوائد دين او أقساط الدين يبلغ نحو 1172 مليار جنيه، الأمر الذى يشير إلى أن إجمالى المصروفات الحقيقية ستبلغ 2461 مليار جنيه (منهم 30 مليار حيازة أصول مالية) وليس 1873 مليار جنيه كما ذكر فى الموازنة العامة، أى ان إجمالى اقساط الدين وفوائده ستمثل 47,6% من إجمالى المصروفات الحقيقية بمعنى ان نصف مصروفات الموازنة الحقيقية ستذهب لتسديد خدمات الدين والفوائد. الامر الذى يشير إلى ان سياسة الإستدانة سواء الخارجية او الداخلية (والداخلية على وجه الخصوص) سياسة لابد من إعادة النظر إليها لأنها تكلف قرابة نصف المصروفات الحقيقية. الأجور والمرتبات بينما فى بند الاجور والتعويضات للعاملين فقد تبين أن إجمالى هذا البند بلغ 361 مليار جنيه يتركز هذا المبلغ فى بند المكافآت والذى يبلغ نحو 119 مليار بنسبة 33,1% من إجمالى بند الاجور، بينما تبلغ قيمة الاجور فى الوظائف الدائمة والمؤقتة نحو 89,7، 6,8 مليار جنيه على الترتيب بنسبة 27% من إجمالى الاجور والتعويضات. الأمر الذى يشير إلى ان أغلب تلك الأجور والتعويضات تذهب إلى كبار موظفى الدولة وأصحاب الكادر الخاص على حساب الموظفين العموميين الذين يمثلون أغلب الموظفين فى الهيكل الحكومى والعام. شراء السلع والخدمات بينما فى بند شراء السلع والخدمات يتبين ان إجمالى هذا البند بلغ 104 مليارات جنيه بلغ شراء السلع الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية والزيوت والوقود للسيارات ومحركات التشغيل 36,7 مليار جنيه بنسبة 35,3% من إجمالى شراء السلع والخدمات. بينما باقى المبلغ سيذهب إلى بنود أخرى جزء منها غير محدد فى الموازنة بينما جزء منها محدد فى الإنارة والصيانة، الامر الذى يشير إلى ان السلع والخدامات الاساسية (السلع الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية والزيوت والوقود للسيارات ومحركات التشغيل) لا تشغل إلا قرابة الثلث من إجمالى بنود شراء السلع والخدمات فقط، وبالتالى هى السلع الأساسية يستفيد منها الطبقة الوسطى والطبقات الشعبية، بينما يذهب باقى بنود شراء السلع والخدمات إلى بنود أخرى لا تستفيد منها تلك الطبقات والفئات بشكل كبير ومباشر. الدعم والمزايا الاجتماعية بينما فى بند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، والبالغ نحو 321 مليار جنيه منها 108 مليارات دعما سلعيا بنسبة 33,9% منها دعم سلع غذائية 87,2 مليار جنيه بنسبة 27,1% ودعم مواد بترولية 18,4 مليار بنسبة 5,7% ودعم مزارعين 665 مليون جنيه بنسبة 0.2% ودعم ادوية وألبان أطفال 2,5 مليار بنسبة 0,8%، بينما لا يوجد دعم كهرباء نهائيا. بينما دعم الخدمات الاجتماعية بلغ نحو 181,7 مليار جنيه بنسبة 56,6% تركز أغلبها فى مساهمة فى صندوق المعاشات 135 مليار جنيه بنسبة 42%، المنح والمساعدات والمزايا الإجتماعية الأخرى 11,2 مليار بنسبة 3,5% حيث انها غير موضحة التفاصيل فما هى تلك المنح والمزايا الإجتماعية، بينما إجمالى أوجه الدعم الأخرى والتى تشمل الدعم الصحى بكل أشكاله تبلغ نحو 8,2 مليار جنيه بنسبة 2,5% من إجمالى بنود الدعم والمزايا الإجتماعية. بلغ معاش الضمان الإجتماعي وتكافل وكرامة 19 مليار جنيه بنسة 6% . اما فى بند الدعم فيتبين ان إجمالى الدعم المقدم فى هذ البند بلغ نحو 8,3 مليار جنيه، 2,6% من إجمالى الدعم والمنح والمزايا الإجتماعية. منها دعم الصعيد 250 مليون بنسبة 0,1%، ودعم الإسكان الإجتماعى 7,7 مليار جنيه بنسبة 2,4%، ودعم فوئد قروض ميسرة 280 مليون بنسبة 0,1% من الدعم والمنح والمزايا الإجتماعية. بينما بنود دعم والمنح للأنشطة الإقتصادية بلغ نحو 12,1 مليار جنيه (3,8%) منها دعم تنشيط صادرات 4,2 مليار بنسبة 1,3% ودعم توصيل الغاز الطبيعى للمنازل 3,5 مليار ينسبة 1,1% (وإن كان هذا لابد ان يكون ضمن بنود دعم الخدمات الإجتماعية). الأغنياء يستفيدون الامر الذى يشير إلى ان الدعم والمنح والمزايا الإجتماعية به تحيز فى توزيع الدعم لصالح الأغنياء فإذا تم حجب دعم السلع التموينية نجد ان اغلب الدعم بعد ذلك يذهب إلى الطبقات غير الفقيرة. حيث يحصل الفقراء على الدعم الصحى بمختلف اشكاله ودعم المزارعين ودعم الصعيد وتكافل وكرامة ودعم نقل الركاب كل هذا يمثل 29.8 مليار جنيه يمثل نحو 9.3% من إجمالى الدعم والمنح والمزايا الإجتماعية التى تبلغ نحو 321 مليار جنيه، فإذا تم إضافة دعم السلع التموينية ( 87.2 مليار جنيه) نجد إن إجمالى الدعم الذى يذهب إلى الفقراء بشكل حقيقى يبلغ 117 مليار جنيه فى تلك الموازنة بنسبة 36,5%فقط أى ما يقل عن الخمسبن يذهب بشكل مباشر إلى الفقراء. أما فيما يتعلق ببنود التصنيف الوظيفى للمصروفات فإن إجمالى الإنفاق حيث بلغ نحو 1837 مليار جنيه، وأن أعلى نشاط وظيفى هو الخدمات العامة 857 مليار جنيه (46,6%)، يليه الحماية الإجتماعية 283 مليار جنيه 15,4% بينما التعليم والصحة 172، 108,7 مليار جنيه ( 9,3%، 5,9%) على الترتيب. ثم قطاع الشئون الاقتصادية 110 مليارات (6,0%). الامر الذى يشير إلى أن التعليم والصحة يحصل كل منهما على 15,2% فقط من إجمالى المصروفات وهذا لا يتوافق مع بنود الدستور التى تشير إلى ان التعليم والصحة لابد ان يتقارب الإنفاق بها إلى ما دون الإنفاق العالمى فى إجمالى الناتج القومى الإجمالى ومن الطبيعى ان لا يتوافر هذا إذا كان الإنفاق على التعليم والصحة حيث بلغ إجمالى الإنفاق الحكومى العالمى فى التعليم 14,5% وفى الصحة فى حدود 9% وعلى البحث العلمى والتطوير 2,2%. توزيع العائد الامر الذى يشير فى جانب المصروفات إلى أن توزيع العائد لا يتم بشكل كبير لصالح الفقراء والطبقات الوسطى ولكن أساسا لصالح الأغنياء أو الطبقات الميسورة الحال فى مصر حيث لا يستفيد الفقراء والطبقات الشعبية بشكل أساسى من تلك المصروفات إلا بشكل قليل بنسب ضئيلة، فى حين أن نسبا ليست بقليلة من الدعم تستفيد بها الطبقات الميسورة الحال، بالإضافة إلى مشاركتهم فى الدعم الذى مفترض ان يقدم إلى الطبقات غير القادرة بشكل أساسى، بالإضافة إلى أن الدين العام يأخذ قرابة 50% من إجمالى المصروفات الحقيقية الأمر الذى يدفع ثمنه بشكل أساسى الفقراء والطبقات التى تحتاج إلى دعم حقيقى من ناحية ومن ناحية اخرى يؤثر على الإنفاق الإستثمارى بشكل كبير وعلى الأخص الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمى، الأمر الذى يؤثر على مجالات التنمية الحقيقية ويخلق المجال للنمو (وليس التنمية) المعتمد على الاقتصاد الريعى وليس الإقتصاد الحقيقى الإنتاجى.