تعد تجربة الشاعر السوري منذر مصري الشعرية تجربة متميزة علي أكثر من مستوي فهو أحد أبرز شعراء جيل السبعينيات في الشعر السوري؛ تجلى ذلك منذ ديوانه الأول "أمال شاقة "؛ والصادر عام1976، ثم ديوانه "بشر وتواريخ" 1980، "كن رفيقي" 1984؛ ثم ديوانه "مزهرية علي هيئة قبضة يد" 1997؛ ثم ديوانه "الشاي ليس بطيئا" 2004. وغيرها من الدواوين هو صاحب تجربة تشاكس الذاكرة وترتبط بالواقع في الوقت ذاته: أو علي حد تعبيره في إحدي قصائده: "خزانتي جيوب معطفي؛ ورأسي شهاب.؛ في المرآة الراكضة". هنا حوار معه حول الشعر. *تبدو اللغة الشعرية لديك منحازة إلي التكثيف ؛لكنها تحمل دلالات كثيرة – كيف تري هذا الجانب؟ .. الحقيقة لا أقصد تكثيفا ولا إسهابا عند الكتابة؛ أحاول _دائما_أن أعطي فكرة الصورة حقها؛ عندما أشعر بالرضا عن سطر شعري أكون قد وصلت لقناعة أنه لا ينقصه شيء ولا يزيد فيه شيء. أما من الناحية الدلالية فأنا أميل إلي تحديد دلالاتي؛ أجاهد لكي تكون دلالات محددة تعبر عن إحساسي وأفكاري؛ وبالتالي أريدها هي أن تكون ما يصل إلي القارئ إلا أن لكل شيء قابل لتفسيرات مختلفة عن مقاصدي، يقوم ويقدمها آخرون. صورة الذاكرة * هناك ملمح بارز في قصائدك وهو مشاكسة الذاكرة؛ إلي أي حد تري أن الذاكرة قد تكون معينا لا ينضب للتجربة الشعرية؟ ** أظن أن الذاكرة احدي خزائن الشاعر فهي ذخيرته؛ إلا أن العمل بالشعر والكتابة _بحد ذاته_هو توليد حالات وصور ليست حتما من خزانة ذاكرتنا. الشعراء الذين يعتمدون علي تجاربهم الحياتية ويقومون بالتعبير عن هذه التجارب فالتجارب تتكرر والأحاسيس تتكرر؛ ولا يعود للشاعر في تجاربه الجديدة ما لم يقله سابقا. من هنا تأتي أهمية التوليد والخيال والانتقال من الشخصي إلي الآخر، وأهميته تكمن في تجريب أحاسيس وأفكار ما كانت من قبل بحوزتنا. وهذا يأتي من خلال العمل الإبداعي والاندماج فيه؛ أي عندما تكتب فانه تتولد لديك الأفكار والأحاسيس وأحيانا الذكريات تشل إعاقة؛ في سطر بمجموعة "الشاي ليس بطيئا"؛ أقول فيه: "لا يعوقني في الوصول إليها أية ذكري". الذكريات تعيق؛ وقلت أيضا: "الذكريات مالا أستطيع الموت بسببه". أكتب نفسي * في مختاراتك الشعرية "لأنني لست شخصا آخر" والصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة يعلو خطاب الذات أكثر من الخطابات الأخرى ؛هل كان ذلك مقصودا؟ ** حقيقة شعري يركز علي حياتي وتجربتي الحياتية؛ مرة كنت أتوهم أن الشعر تحنيط للروح؛ تبقي الروح محتفظة به. وقد اخترت العنوان عنوانا لمختاراتي لأنه تجربتي الشخصية. وهو عنوان شخصي حقيقة ؛ ليس كعنوان ديوان "رسائل أدوسيوس" لنوري الجراح؛ حيث ينحو منحي أيدولوجيا؛ بينما عنواني ينحو منحي ذاتيا وخاصا. عين ثالثة * كيف تري _إذن_مستقبل قصيدة النثر؟ ** مرة اشتركت في مؤتمر عن قصيدة النثر في بيروت وقدمت ورقة عنوانها "ليس لدي عين ثالثة كي أري المستقبل". القصيدة الجديدة صالحة لدخول كل القضايا إليها؛ وليست للقضايا الصغيرة وللتفاصيل "فقط، فإنها كذلك تتعرض لفكرة الموت والخوف علي الجنس البشري. * يري البعض أن تجربتك تعد امتدادا لتجربة محمد الماغوط الشعرية _ما رأيك في تلك المقولة؟ ** بالتأكيد محمد الماغوط صاحب تجربة عريضة ومهمة في مجال الشعر والمسرح علي مدي خمسين عاما؛ وأظن أن كثيرا من أبناء جيلي قد تأثر به؛ فقد أمتلك ذاكرة وثابة وشعرية متجاوزة ولغة سهلة وعميقة في نفس الوقت . وأري أن جيلنا محظوظ لأنه اقترب من تلك القامة الشعرية الكبيرة؛ رغم اختلافنا معه في أمور كثيرة. تجربة الماغوط لا يمكن إغفالها عند رصد التجارب الهامة في الشعر العربي المعاصر.