"نادية رضوان": التعليم المتدني وراء انهيار منظومة القيم "نسرين البغدادى": تصاعد دعوات سقوط النظام الأبوي أدى إلى سقوط السياج الأخلاقي الذي يحمي الفرد والمجتمع "هدى زكريا": الشخصية المصرية بخير وما نسمعه حوداث فردية "هناء شهبة": ارتكاب شخص ما لجريمة لا يعنى أن المجتع كله مجرم الناس جرى لها إيه؟! سؤال ودهشة على كل لسان فى مصر الجميع يردده والجميع يستثنى نفسه من المسئولية ..انفلات أخلاقى, جرائم قتل مروعة, تحرش, اغتصاب, عنف, شتائم يندى لها الجبين.. ورغم محاولة البعض تهوين الأمر فإن هذه الظواهر التى تفشت مؤخرا فى المجتمع المصرى تدعونا للتساؤل ماذا جرى لنا ؟ّ! ولماذا تبدلت العلاقات وساد العنف والقسوة حتى بين أفراد العائلة الواحدة بدلا من المحبة والمودة والرحمة؟..هل هى الظروف الطاحنة التى نمر بها فى كل مجالات حياتنا ؟. مولد وصاحبه غائب..زمن غريب وعالم أغرب على عتبات أبوابه لم نعد نندهش ولا حتى نتأمل فقط نصمت وربما نمصمص الشفاه!!. فاذا تأملنا واقع المجتمع المصري اليوم سوف نرصد بوضوح مدى التغير الحادث في المعايير الأخلاقية حتى يبدو الأمر لدى البعض وكأنه في مجتمع آخر لم يعرفه، وفي زمن مختلف لم يَعِشْه, فالمجتمع أصبح أكثر عنفا, فهؤلاء أخوة يتشاجرون مع بعضهم، وأخ يقتل أخاه، أو ابن يقتل أمه أو أباه من أجل حفنة جنيهات قليلة، ومجتمع أقل انضباطا وأكثر لا مبالاة بالقانون، وأكثر سلبية وأكثر تساهلًا حتى في عاداته الأصلية المتوارثة عبر آلاف السنين. فقد أصبح هناك نوعٌ من عدم الاهتمام بالأخلاق الفاضلة الأمر الذي دعا مجموعة من السيدات تحتفلن بتورتة بأشكال خادشة للحياء, وأدى الى تورط قاض فى حادث اغتصاب جماعى, ودفع أب تجرد من كل معانى الانسانة وقام بتعرية ابنته الرضيعة وحاول قتلها انتقاما من والدتها… "الله يعوض على الأخلاق.. االناس في سباق على البكش والاسترزاق.. امسك يا بوليس.. يا ما ضماير ناقصة رباط وذمم مطاط نطاط.. مطاط نطاط وخلق تشبه الوطواط تخشى الفوانيس .. لا بد للأخلاق ثورة.. تعمل فورة ..وقلة الأخلاق عورة..هذه الكلمات تغنى بها الشيخ إمام منذ عشرات السنوات وهى لا شك تلخص حالنا الآن وتشير بدقه ما نحتاج اليه فنحن فى حاجة الى ثورة لتصحيح الأخلاق.. ماذا حدث للمصريين؟! تدنى التعليم وترى د"نادية رضوان" أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية أن الاعتراف بتدهور أخلاق المصريين هو السبيل علاج مشيرة الى أن هذا ميراث التعليم المتدني منذ 50 عاما, حيث إن التعليم قديما كان يعطى رسائل غير مباشرة فى ثنايا القصص تتضمن القيم والاخلاق وتحث على الصدق والامانة, وتقول: اتذكر مثلا أن قصة راعى الغنم علمتنا الصدق والأمانة, فتعلمنا هذه المبادئ بدون الحاجة الى شيخ الجامع, فالمدرسة كانت الأساس, وأيضا الأسرة, أما الآن فالاب والام منشغلان عن تربية بنائهما, مما أدى الى ظهور اجيال لاعلاقة لها بالاخلاق, وأيضا الاستخدام السئ للسوشيال ميديا وما تحويه من لغة مبتذلة, وكذلك تردي الدور الثقافي في المجتمع عبر وسائل الإعلام والدراما وتسليط الضوء على الجرائم وأعمال العنف والبلطجة التي تزيد من التقليد الأعمى لكل ما نراه على الشاشات، الامر الذي يتسبب في انحدار المستوى الاخلاقي والمستوى الفكري وزيادة اعمال العنف، فأصبحت المادة المعروضة تبرز العنف والسلوكيات الخاطئة أكثر من كونها تعالجها، فهناك العديد من المشاهد التي تبث في نفوس الأطفال روح العنف والتحريض عليه، وجعلهم يخلطون بين الواقع وما يحدث على الشاشة. وأضافت أن الأعمال السينمائية والدرامية غاب عنها الاحترام وأصبحت تشجع على الانحراف تحت شعار محاكاة الواقع, لافتة الى أن الاغاني الهابطة التى انتشرت, وأصبحت قاموسا فى الشتائم مما يجعلنا نندهش ونتساءل :"معقول مصر أصبحت كده؟!" واكدت أن البعد الديني لدي معظم الناس وتراجع دور العبادة في تعليم روح الدين وسماحته أحد أهم العناصر التي أدت إلى تدنى الاخلاق وزيادة معدلات الجريمة والعنف, ونتج عن ذلك انتاج أجيال تجهل تعاليم الدين وتقبل على العنف والجريمة، ويحلل الأعمال المحرمة في إطار جهله بتلك القيم والمبادئ الدينية الموجودة في الكتب السماوية وتحض على عدم العنف، وتمنع إسالة الدماء, وأوضحت اننا فى حاجة الى خطاب دينى جديد. ونفت د"نادية رضوان" ان يكون الفقر والبطالة سببا فى تدنى الأخلاق بدليل ان كل طبقات المجتمع حدث بها انهيار أخلاقى لا فرق بين غنى وفقير. العولمة أما د"نسرين البغدادى" رئيس المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فترى أننا نجتاز اليوم أزمة قيم ولعلها ترتبط بالعولمة والتطور التقني وغلبة المادية التي لا تقيم وزنا للقيم.. والقيم عبارة عن تصورات من شأنها تفضي الي سلوك تفضيلي، كما انها معايير للاختيار من بين البدائل السلوكية المتاحة للفرد في موقف ما.. ومن ثم فإن اعتناق الفرد لقيم معينة يعني توقع ممارسته لأنشطة سلوكية تتسق مع تلك القيم… والقيم لها دورها في تحديد المعايير التي يرتضيها المجتمع وتستخدم في الحكم على مدى سلوك الفرد.. والقيم مكتسبة عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية ولها ترتيب وفقا للأهمية، وايضا لها أولوية في حياة الفرد. وتابعت: لقد صاحب ما يسمى بالربيع العربي تصاعد دعوات سقوط النظام الابوي والتي وصفوها بأنها أزمة مجتمعاتنا العربية التي تكرس منطق السلطوية في أشكالها المختلفة بدءا من السياسة ونظم الحكم مرورا بالنظام الأسرى والنظام التعليمي.. مما جعل حوائط الصد تسقط، ويسقط معها قيم الاحترام والهيبة والاستهتار بكل القيم التي يتم توارثها عن طريق رموز الأسرة، والنظام التعليمي.. وتم توصيف الأبوية على أنها تقوم على علاقات القوة أو على العنصر الأضعف.. ومن هنا كانت دعوات التمرد لإسقاط كل الرموز التي تمثل النماذج الأخلاقية والتي يستمد منها الفرد الأخلاق والمعايير.. ونتج عن ذلك سقوط العديد من المعايير الرادعة والتي كانت تمثل السياج الأخلاقي الذي يحمي الفرد والمجتمع… المصريين بخير فيما رفضت د"هدى زكريا "استاذ علم الاجتماع اتهام المجتمع المصرى بتدنى أخلاقه لافتة الى أن الحوادث التى نسمع عنها فى وسائل الاعلام أو مواقع التواصل الاجتماعى هى أمر متعارف عليه فى كل المجتمعات, وهذا أساس علم اجتماع الجريمة وأكدت أن الشخصية المصرية بخير وليس معنى أن هناك حوادث غريبة على مجتمعنا أو أن شخصا قتل أمه , أو أم قتلت ابنها ان المجتمع كله متهم نحن وصلنا الى 100 مليون وهذه حوادث فردية, والجريمة العائلية موجودة فى كل المجتمعات ومنذ بداية الخليقة, وفى الوقت الذى تقدم أم على قتل ابنتها أو ابنها هناك ملايين الأمهات تعمل ليل نهار وتضحى بعمرها من أجل تربية أبنائها.. وأضافت نحن مجتمع أخلاقى منذ أن سكن الناس على ضفاف النيل وقامت الأرضية الاجتماعية القومية على أساس الأخلاق، حيث بقى المجتمع المصرى عبر التاريخ مجتمعاً ذا أخلاق لم يستطع حتى الاحتلال نزعها منه, موضحة أن الشعب المصرى الأصيل خلال كفاحه عبر السنين ظل محتفظا بقيمه وأخلاقه ولم يفقدها يوما وما نحتاجه فقط هو إنعاش تلك القيم والأخلاق من خلال استنهاض همم الناس لاستعادتها عن طريق الاحتشاد الإعلامى والثقافى والتعليمى والأسرى. اضطربات نفسية ومن وجهة نظر خبراء علم النفس توضح د"هناء أبو شهبه" أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر- ان ارتكاب شخص ما لجريمة أو لديه ميول للعنف غالبا ما يكون بسبب اضطرابات نفسية او نتيجة لضغوطات الحياة ولكن هذا لا يعنى ان كل شخص يمر بضغوط أو ازمة نفسية يقتل أو يغتصب أو يتحرش, ولكن الشخص الذى يقدم على هذا الجرم مريض نفسى غير قادر على الثبات أمام الأزمات والضغوط , وقد يظهر عليه بعض الأعراض والشواهد قبل ارتكاب جريمته منها ان يكون سريع الغضب يميل للعزلة شارد الذهن باستمرار لديه نظرة تشاؤمية, عدوانى فى تصرفاته, وهذه حالات فردية وليست ظاهرة لان الشعب المصرى بطبيعته شعب مسالم, واعتقد ان تزايد بعض الحادث فى الاوانة الاخيرة يرجع الى الزيادة السكانية والزحام الشديد الذى نعيش فيه. القادم أسوأ اما د"جمال فرويز" استشارى الطب النفسى" فشدد على أن القادم أسوأ اذا تركنا الاوضاع كما هى, لافتا الى أن الثقافة المصرية التى حافظنا عليها منذ 7 آلاف سنة ولم يستطع الاحتلال الانجليزى او الفرنسى تغييرها, ولكن الآن وخاصة بعد حرب اكتوبر حاول الغرب محو ثقافتنا وبدأ ذلك عندما دخلت علينا ثقافات غريبة مثل العلاج بالرقية والخمار والنقاب..وغيرها من الثقافات الوهابية والغربية ..مما أدى الى حدوث مسخ ثقافى. وأكد أن الظواهر الغريبة على مجتمعنا المصرى هى نتاج الأهمال الثقافى ووجود تراكمات من الانهيار الثقافى المستمر، وتبعاته من انهيار أخلاقى ودينى وتفسخ فى العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع، مشددا على ان الدولة عليها دور هام فى التدخل لإصلاح قضية الثقافة لأنها أصبحت قضية أمن قومى، ووزارة الاعلام عليها دور هام فى السيطرة على القنوات الفضائية والمسلسلات التى تنشر قيما سلبية, وضرورة عودة التربية للتعليم, فلابد أن تهتم وزارة التعليم بالتربية وغرس مفاهيم الصح والخطأ منذ الصغر, ويأتى بعد ذلك دور وزارة الشباب والرياضة ومراكز الشباب فى اجتذاب الشباب والأطفال, والدور الأكبر يقع على عاتق الكنيسة والأزهر فلابد من القيام بتبسيط الدين وبث الوعى الدينى الصحيح ونشر المفاهيم الدينية الوسطية ومحاربة الفكر المتطرف. من وجهة نظر د"منال عاشور" أستاذ علم النفس بجامعة حلوان-أن السلوك العنيف هو نتاج عدة عوامل مجتمعية أفرزت كل التغيرات التى طرأت على الشخصية المصرية سواء العنف أو القتل او الانحرافات الاخرى بكل صورها, لافتة الى ان انهيار منظومة القيم فى المجتمع أدت الى انتشار الانانية واستحلال دم الاخرين. وتابعت: أن الأسرة هي أولى المؤسسات الاجتماعية التي تخلت عن دورها فهي كذلك أولى المؤسسات التي تفشت فيها الجرائم وجنت ثمار العنف في صورة جرائم غاية في القسوة لم تكن متوقعة في مجتمع كان في وقت قريب متسامحاً ومترابطاً. واضافت د"منال"اننا نحتاج الى وقت طويل لاصلاح احوال المجتمع ونحتاج لمواجهة اولا مشكلة الفقر, وعلى الاقل أن نلبى الاحتياجات الاساسية للمواطن, فلابد من اشباع احتياجات الناس بالقدر الذى يجعلهم قادرين على العيش وهذه هى البداية, ثم يأتى بعد ذلك إصلاح التعليم والخطاب الدينى والإعلاء من شأن القيم الايجابية, ووسائل الإعلام تقوم بدورها فى توضيح سمات الشخصية التى تعانى من اضطرابات نفسية وأهمية عرضها على المختصين حتى لا يتفاقم الأمر .. , وهذا الإصلاح لن يحدث بين يوم وليلة بل يجب أن يكون تدريجيا حتى يكون له مردود ايجابى. وتلخص د"رانيا وصفى" أستاذ بقسم أصول التربية بجامعة دمياط "أسباب أزمة الاخلاق فى المجتمع فى دراستها "التربية والأزمة الأخلاقية في المجتمع المصري قائلة: إذا أردنا تنمية الإنسان وجعله منتجًا حضاريًا فإنه يجب تنمية الجانب الأخلاقي فيه أولًا، الأمر الذي يفرض على المؤسسات التربوية أن تقوم بدورها في تربية النشء على الالتزام مشيرة الى أن أهم أسباب الأزمة : القصور في التربية الأسرية التي تبدو في التساهل أو اللامبالاة أو الانشغال عن تربية الأبناء, والقصور الواضح في الدور التربوي للمدرسة في غرس القيم الخلقية في نفوس النَّشْء, وسوء الأحوال المعيشية والفقر والجهل والمرض والبطالة والإحباط وانسداد الآفاق؛ وهذا كله لا يشكل الوسط الصالح للاستقامة الخلقية ولا لوضوح المثل العليا في أذهان الناس, وضعف إحساس السواد الأعظم من المصريين بالواجب تجاه الغير والانطواء على الذات أو الأسرة, والاستهلاك الترفي عند بعض المصريين الميسورين؛ وحب الاكتناز وشراء العقارات والقصور والسيارات الفا رهة الفاخرة. وتغيّر مفاهيم أخلاقية كثيرة عند الناس, وجود أزمة ثقة بين الأفراد والدولة تبدو في مظاهر الإحباط اليومي لدى أبناء المجتمع الذي يجعلهم منفلتين من المعايير والقيم الاجتماعية؛ فيغلب عليهم الاعتقاد بفلسفة التحايل على البقاء من خلال شيوع وأنماط سلوكية غريبة على القيم التقليدية، كسلوك الفهلوة والشطارة والنفاق, ولتفتت الى أن وسائلَ الإعلام أحد العوامل المؤدية إلى إضعاف السياق الثقافي والقيمي، حيث يعمل الإعلام بوسائله المختلفة على نقل تيارات وأفكار وصور من الخارج قد لا تتلاءم مع نظائرها المحلية، ومن ثم يوجد تناقض أو عدم تكامل في لغة الثقافة والقيم.